جرائم ترفض ان تموت ( الحلقة السادسة )
د . طالب الرماحي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
(هذه الدراسة تتناول في حلقات أكبر الجرائم المرتكبة بحق الشعب العراقي وهي جريمة المقابر الجماعية في العراق ، وكيف تعاملت الحكومات العراقية معها بعد سقوط النظام السابق في نيسان 2003 ، والجهود التي بذلت وما زالت من أجل انقاذها من التهميش والنسيان ) .
أحب التأكيد أن الحقائق الواردة في هذه الدراسة لاتقصد بها الإساءة لأي طرف ، وأنما هو من قبيل التواصي بالحق وكشف الخلل والقصور الذي أدى إلى تأخر معالجة أقدس قضية إنسانية لدى الشعب العراقي ، ونهدف من ذلك إضافة إلى الجهود الأخرى التي نبذلها إلى إصلاح الخل الكبير ووضع هذه القضية الإنسانية في مسارها الصحيح .
الحلقة السادسة
في الفصل السابق تناولنا بشكل مختصر ما فعلته بعض الشعوب مع شهدائها ومظلومياتها بهدف تثبيتها والعمل على استرجاع حقوق الضحايا وذويهم ، ونحن نهدف بذلك إلى الإشارة إلى أن شعوب العالم تختزن غريزة الدفاع عن حقوقها والعمل على استرجاع كراماتها ، وهي تفعل من أجل ذلك كل ما في وسعها صيانة لوجودها واحتراما لدماء أبنائها . فلماذا لم نفعل نحن ما فعلته الشعوب الأخرى مع شهدائنا ؟ لقد دخلت السنة الثامنة بعد التغيير ، وتشكلت خلالها الكثير من الحكومات ، ومع ذلك فإن ملف المقابر الجماعية لم يحظ بشيء من اهتمام تلك الحكومات ولا القادة السياسيين ، والغريب في الأمر أنه لم ينبر لحد الآن أحد من البرلمانيين الشيعة في الوسط والجنوب لرفع صوته داخل البرلمان احتجاجا على هذا التهميش اللاإنساني لجريمة راح ضحيتها الملايين من الشهداء وذويهم ، بل أن الغرباء أكثر حرصا منا في التحذير من مغبة الإستخفاف بهذه الجريمة الإنسانية الكبرى ، لما تتضمنه من معان خطيرة ، فالسيد أندرو ناتسيوس مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ، صرح لوكالات الأنباء العالمية بعد أن اطلع على مقبرة المحاويل : (إذا أراد الناس في العراق وحول العالم التعلم من جرائم الماضي ، يجب توثيق مقابر العراق الجماعية والإبلاغ عنها وعدم نسيانها أو نكرانها أبداً ) .
هذا الأمريكي اكتشف في جرائم المقابر الجماعية مالم يكتشفه السياسيون الشيعة كبارا وصغارا وهو أن في هذه الجرائم تكمن الكثير من الحقائق التي تفيد العراقيين والعالم بسبب بشاعتها والخسارة الكبيرة التي انطوت عليها ، ولذا فإنه حذر من إنكارها أو تناسيها . ولعل إشارة السيد ناتسيوس هذه ، جاءت من اهتمامه وشعوره الإنساني بحجم الكارثة التي حلت بالشعب العراقي على يد نظام ديكتاتوري ، فيما يعود عدم اكتراث الآخرين والتفكير بها ، إلى عدم امتلاكهم لمثل تلك المشاعر الإنسانية والشعور بالمسؤولية الوطنية والدينية ، وانشغالهم بالمناصب والأمور التي لهم فيها مكاسب حزبية وشخصية .
أضواء على الإستخفاف الحكومي للملف
لم تخطو الحكومات العراقية أي خطوة جادة من شأنها التعامل كما ينبغي مع ملف المقابر الجماعية ، بعد سقوط النظام البعثي ، كما لم يكن للمشاهد المروعة التي عرضتها وسائل الإعلام المحلية والدولية أي أثر على تحريك مشاعر المسؤولين في بغداد ، ويرى المخلصون في العراق أن هذا الملف ربما يتعرض للنسيان التام إذا ما بقي اهتمام الحكومات العراقية على ما هو عليه من تهميش واستخفاف متعمدين ، والذي يثير الكثير من الإستغراب والأسى أن بعض الأطراف العراقية الحكومية وغير حكومية حاولت أن تستغل تأثر الشعوب والحكومات الغربية بالمشاهد المروعة للمقابر الجماعية ، المنقولة عن وسائل الإعلام الغربية فسعت إلى تأسيس منظمات في ظاهرها العمل على توثيق تلك الجرائم ، لكنها في الحقيقة تسعى إلى استحصال أموال طائلة تحت مظلة هذه الجرائم ، ومن هذه المنظمات ( مؤسسة الذاكرة العراقية ) التي حصلت على مبالغ طائلة من الحكومة الأمريكية ولم تفعل شيئا ، سوى إرشيف بائس ، وفعاليات متواضعة ، وسوف نشير إلى تجربتنا مع هذه المؤسسة لاحقا ضمن التحضيرات لمؤتمر لندن ، كما أن جهات عديدة في الحكومة العراقية استطاعت أن تحصل على أموال طائلة من ( الدول المانحة ) باسم ملف المقابر الجماعية وصرفت تلك الأموال في إيفادات شخصية للدول الأوربية مثل مديرية شؤون اللجان التابعة لأمانة مجلس الوزراء تحت مسميات شتى منها حضور مؤتمرات أو تدريب خبراء ، مستغلة رئاستها للجنة العليا للمقابر الجماعية ، مع أنها فشلت فشلاً ذريعا في تولي الملف مما أجبر رئيس اللجنة إلى التصريح عن وفاتها تماماً كما سنشير إليه فيما بعد .
ماذا فعلت الحكومات العراقية فعلاً للملف؟
علينا أولاً أن نفصل بين ما فعله الكورد في حكومة إقليم كردستان وما فعلته الحكومة الإتحادية حتى نكون منصفين في العرض طالما نحن نتحدث عن جريمة طالت الشعب الكوردي في إقليم كردستان والشيعة في مناطق الوسط والجنوب ، ولذا فإن من الإنصاف أن أقول أن الأخوة في إقليم كردستان قد تعاملوا مع شهدائهم وخاصة ضحايا المقابر الجماعية ، وما أنجزوه يدل دلالة واضحة على عمق شعورهم بالمسؤولية اتجاه ضحاياهم من النظام السابق ، فهم قد خصصوا وزارة بكل إمكاناتها المالية وصلاحياتها الواسعة للتعامل مع الملف ، ولذلك فقد استطاعوا أن يوثقوا لحد الآن أكثر من 160 ألف شهيد ، وهذا العدد يغطي غالبية الضحايا . تمكنت حكومة الإقليم من وضع إحصائية دقيقة لهم ولذويهم ، ووفقا لتلك الإحصائيات تمكنت من تغطية نسبة كبيرة من التعويضات المادية والمعنوية من رواتب تقاعدية وتوزيع قطع سكنية ومساكن جاهزة ، ورعاية اجتماعية متميزة . هذا فيما يتعلق بحقوق الضحايا في الداخل ، أما في الخارج فلهم نشاطات كبيرة لتثبيت مظلوميتهم لدى الشعوب الأخرى ولدى المنظمات الإنسانية التي تعني بحقوق الإنسان ، لا مجال للتطرق إليها .
لقد اطلعتُ على كل هذه الإنجازات الرائعة شخصيا من خلال الزيارات التي قمت بها بدعوة من حكومة الإقليم في سياق العمل المشترك بملف المقابر الجماعية .
فمسؤولية الحكومة اتجاه هذا الملف كبيرة وواسعة ، أشرنا إليها في الحلقات السابقة ، لكن علينا هنا أن نتطرق إلى ماتم عمله من قبل الحكومة الإتحادية فعلاً ، من خلال الوثائق التي سأشير إليها في سياق هذه الدراسة . وسوف نرى أن ليس ثمة تعامل جدي من قبل كل المؤسسات الرسمية ، لكنها عمدت إلى إجراء بعض الخطوات التي لم تعالج جذور المشكلة ، وأنما كانت دفعا للحرج . ومن هذه الخطوات تشكيل اللجنة العليا للمقابر الجماعية وقانون حماية المقابر الجماعية وقسم المقابر الجماعية ضمن مديريات وزارة حقوق الإنسان .
حكاية اللجنة العليا للمقابر الجماعية
كانت هناك صفحة ( لمديرية شؤون اللجان التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء ) ضمن الموقع الرسمي الخاص برئاسة مجلس الوزراء العراقي على شبكة الأنترنت ، تتضمن دراسة متواضعة تحت عنوان ( تعريف باللجنة العليا للمقابر الجماعية ) ، كتبتها دائرة شؤون اللجان التي يترأسها محمد طاهر التميمي ، والمعروف أن هذه المديرية مسؤولة عن لجان متعددة المقاصد منها اللجنة العليا ، تم رفع هذه الصفحة في نهاية 2007 من الموقع ، إلا أن مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات ، احتفظ بنسخة منها في إرشيفه الخاص ، والذي يفيدنا في هذه الدراسة أنها تعكس الدور السلبي لشؤون اللجان وطبيعة الإهتمام الحكومي بملف المقابر الجماعية ، وتؤرخ لفترة ما بعد 18 تشرين الأول 2005 ، التاريخ الذي صدر فيه الأمر الديواني رقم 13822 بتشكيل ( هيئة تحضيرية للإعداد لعقد مؤتمر خاص بالمقابر الجماعية ) يترأسها التميمي وفي عضويتها ممثلون عن الوزارات التالية : حقوق الإنسان - المهجرين والمهاجرين - الخارجية - المالية – وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني وممثل عن مؤسسة الذاكرة العراقية . وعقدت الهيئة أول لقاء لها في 28 كانون الأول 2005 تم خلاله تحديد عمل الهيئة بملف المقابر الجماعية مع ثلاث توصيات هي : تفعيل قانون حماية المقابر الجماعية – حماية المقابر من العبث والنبش العشوائي – وإطلاق حملة توعية لمنع العبث والإبلاغ عنها . وقد صادق مجلس الوزراء على هذه التوصيات بجلسته في 2 شباط 2006 .
وعقدت الهيئة اجتماعا ثانيا بتاريخ 22 حزيران 2006 لم يتمخض عن أي توصيات تذكر بخصوص الهدف الرئيسي من تأسيسها وهو عقد المؤتمر الخاص بالمقابر الجماعية.
وفي 29 حزيران 2006 تم اللقاء الثالث للهيئة وطالبت الهيئة الحكومة العراقية بزيادة صلاحياتها واقترحت تغيير إسم الهيئة التحضيرية لعقد المؤتمر إلى ( اللجنة العليا للمقابر الجماعية ) .
وفي 13 حزيران 2006 عُقد الاجتماع الرابع وفيه تم تحديد مهام ( اللجنة العليا للمقابر الجماعية ) ، وهي : تفعيل قانون حماية المقابر الجماعية – تأسيس قاعدة معلومات للمفقودين – نشر الوعي الإعلامي بعدم نبش المقابر – دعم قسم المقابر الجماعية في وزارة حقوق الإنسان – التهيئة والإعداد للمؤتمرات والندوات المتعلقة بالمقابر الجماعية – التنسيق مع الدول المانحة والمؤسسات الدولية لدعم اللجنة - واعتبار اللجنة المرجع الرئيس في الإشراف على كل ما يتعلق بموضوع المقابر الجماعية .
عقد بعد ذلك الاجتماع الخامس لم تذكر الدراسة تاريخه بالضبط إلا أنها أشارت أن اللقاء يعتبر اللقاء الأول الرسمي ( للجنة العليا للمقابر الجماعية ) حيث صدر الأمر الديواني رقم 3018 في 17 حزيران 2006 وفيه تم استبدال اسم الهيئة التحضيرية لعقد المؤتمر الخاص بالمقابر الجماعية رسمياً إلى ( اللجنة العليا للمقابر الجماعية ) وفي هذا اللقاء تم لأول مرة قراءة ومناقشة مواد قانون حماية المقابر الجماعية رقم 5 لسنة 2006 .
ثم توالت اللقاءات السادس والسابع والثامن والتاسع حسب ما ورد في دراسة مديرية شؤون اللجان دون ذكر التواريخ إلا أنها أشارت أن تلك الاجتماعات ناقشت قانون حماية المقابر الجماعية أيضاً مع تسجيل الملاحظات ، كما تم تشكيل ( اللجنة الفنية ) دون بيان أي معلومات عن أعضاء تلك اللجنة ، لكنها اشارت إلى حصول ثلاث لقاءات لتلك اللجنة مع 14 توصية تم الموافقة عليها من قبل اللجنة العليا للمقابر الجماعية ورفعت إلى مجلس الوزراء للمصادقة عليها .
مما سبق فيه الكثير من الدلالات على عجز مديرية شؤون اللجان في النهوض بمهمة المقابر الجماعية وعدم قدرتها على عقد المؤتمر الذي أنشأت من أجله ، إضافة إلى عجزها عن تنفيّ أي من المهام التي تعهدت العمل بها ، وكان وراء ذلك الفشل الكثير من الأسباب وردت ظمنا في سياق ماسبق ، لذا فأن معالي رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي بعد نجاح ( المؤتمر الدولي الأول للمقابر الجماعية الذي عقد في لندن بتاريخ 19 أيلول 2006 ) ادرك جيدا إن اللجنة الحالية لم تعد صالحة للعمل بتشكيلتها السابقة ولابد من بعث الحياة فيها ، فأوعز إلى إعادة تشكيلها من جديد وأمر بإشراك شخصيتين لهما خبرة في هذا المجال وهما الأستاذ بختيار أمين الوزير السابق لحقوق الإنسان والدكتور طالب الرماحي مدير مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات . وفعلا تم إخباري بذلك برسالة من سكرتارية اللجنة العليا للمقابر الجماعية بتاريخ 15 آذار 2007 .
وجاءت رغبة معالي رئيس الوزراء في إعادة التشكيل أيضاً في كتاب الأمانة العامة لمجلس الوزراء في آذار 2007 تحت عنوان ( إعدة تشكيل لجنة ) وجاء فيه :
( إستنادا إلى توجيهات دولة رئيس الوزراء بهامشه الموقع على أصل الكتاب الصادر عن مكتب مستشار دولته للشؤون القانونية المرقم 91 في 11/2/2007 بشأن إعادة تشكيل اللجنة العليا للمقابر الجماعية برئاسة مدير عام شؤون اللجان التابعة لأمانتنا وبإضافة السيدين بختيار محمد أمين والدكتور طالب الرماحي فقد قامت اللجنة المذكورة بالاتصال بهما لإبلاغهما بتوجيه دولته بحسب العناوين المتاحة بغية إصدار أمر ديواني يحمل عنوانيهما الوظيفيين الحاليين على وفق ما متعارف عليه في صياغة الأوامر الديوانية وذلك للإستفادة من خبرتيهما في هذا المجال .... ) (توقيع الأمين ) .
وقد أدركت فيما بعد أن الأستاذ بختيار أمين قد اعتذر أن يكون عضوا في اللجنة كونه وزيرا سابقا فيما رئيس اللجنة مديرعام . واشترط في قبولة أن يرأس اللجنة ، وقد ورد ذلك في تعليق على هامش كتاب الأمانة آنف الذكر. وهذا الأمر يدعونا إلى التساؤل عن الأسباب التي تجعل الحكومة تصر على أبقاء اللجنة برئاسة مدير عام أثبت عدم قدرته في إدارتها ، وقادها إلى الفشل بعد خمس سنوات من تشكيلها .
بعد مصادقة مجلس الوزراء بجلسته في 8 شباط 2007 ،على التوصية الثالثة لمؤتمر لندن ، باعتبار يوم (16 آيار) من كل سنة يوما وطنيا للمقابر الجماعية في العراق ، شعرت أن إنجازا كبيرا قد تحقق فالحكومة قد اعترفت رسميا بأهمية ملف المقابر الجماعية ، كما أن الدوائر الحكومية ملزمة إلى حد ما بتذكر هذه الجرائم ، وبلا شك سوف تقوم المنظمات المدنية والشعبية بدور مهم في تثبيت هذه المناسبة الإنسانية الأليمة في ذاكرة الأجيال القادمة وستحدد لها موقعا في أروقة التاريخ ليس في وسع أحد أن يتجاوز عليها بالطمس والنسيان أو الإستخفاف .
ووجدت أن مواصلة المشوار لعقد المؤتمر الدولي الثاني ، الطريق المثلى للإقتراب من تحقيق الأهداف ، فتواجدتُ في بغداد من منتصف أبريل 2007 ، لمتابعة الأمر مع الكثيرين من المسؤولين من وزراء وأعضاء في مجلس النواب وقد ورأيت تجاوبا مشجعا من قبل أغلب الذين التقيتهم ، إلا أن أكثر اللقاءات كانت مع مدير عام دائرة شؤون اللجان باعتباره مسؤولاً عن هذا الملف وكما بينا سابقا ، وكنا في تلك الأيام نقترب من الذكرى الأولى لليوم الوطني للمقابر الجماعية ، وقد حاولت في ذلك الوقت اللقاء بالسيد المالكي بهدف إعطائه صورة واضحة لما حصل ودفعا جديدا لمسيرة الملف ، إلا أن المحيطين بمعاليه ما كانوا يرغبوا في ذلك اللقاء ، لأسباب أجهلها ، فتركت أمر ذلك اللقاء وواصلت العمل مع دائرة شؤون اللجان في التحضير للإحتفالية الأولى في اليوم الوطني في 16 آيار والمزمع إقامتها في فندق الرشيد داخل المنطقة الخضراء ، وكنت أحد أعضاء اللجنة التحضيرية التي شكلتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء .
وخلال هذه الفترة كانت جهودي متواصلة من أجل إقناع الحكومة بإقامة المؤتمر الدولي الثاني ، وفعلاً أثمرت تلك الجهود وأخبرني السيد محمد طاهر التميمي قبيل الإحتفال باليوم الوطني أن معالي رئيس الوزراء قد وافق على إقامة المؤتمر في بغداد وفعلاً تم رصد مبلغ 319 ألف دولار بكتاب أطلعني عليه مدير عام شؤون اللجان ، وحددنا شهر آب من نفس السنة لعقد ذلك المؤتمر .
لم تكن علاقتي بالسيد المالكي علاقة طارئة وأنما تمتد لأكثر من 15 سنة ، ولذلك كنت أعتقد أن الحاشية هي التي حالت دون لقائي به ، وكنت مؤمنا أنه حتما يرغب برؤيتي ، بعد تلك الجهود التي قمت بها من خلال مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات مع إمكاناته المتواضعة لملف كان ضحاياه دفنوا باسم حزب الدعوة ، وكان من المفروض أن يتبنى الحزب وأمينه أي جهد بهذا الإتجاه الإنساني .
وفي يوم 16 آيار اليوم الوطني للمقابر الجماعية كان فندق الرشيد يزدحم بالمحتفلين بهذا اليوم ، وأنا أرى تلك الجموع أشعر بالفخر وقد استطعت أن أحقق هذا الشيء اليسير لشهدائنا ، ال>ين يستحقون الكثير منا ، وكانت لمعالي رئيس الوزراء حديث في المناسبة ، وفعلاً دخل القاعة ، وسنحت لي فرصة للسلام عليه ، وكانت مشاعره اتجاهي وأنا أسلم عليه مجردة من أي دفيء كنت قد توقعته ، لكنه وبعد أن أنهى كلمته أمام الحاضرين وكانت مفعمة بالتحمس لخدمة الشهداء وذويهم والعمل من أجلهم . غادر المنصة ووجدتُ في تلك اللحظات فرصة للطلب منه بلقاء قصير أبين له ماتوصلنا إليه في ملف المقابر الجماعية ، فبادرت بتحيته من جديد وصافحته وطلبت منه اللقاء ، ففاجئني بفتور غير طبيعي ومسكَ كفي اليمنى بكفه اليسرى وقال وهو يواصل السير: تحدث الآن ، أنا استمع إليك . شعرت أن الرجل لم يكن متحمسا للقائي ولا لمناقشة متعلقات الملف ، بيد أني قلت له مرة أخرى : أبو إسراء أن مالدي لاتكفيه هذ اللحظات ، لكنه لم يبد رغبة في الاستجابة لرغبتي ، فسحبت كفي من كفه ، وقلت له وقد تعمدت أن اظهر له بعض الإمتعاض من ذلك الموقف الغريب : لايضر ، إذا كنت غير راغب . ويبدو أنه شعر ببعض الحرج وقتها ، فنادى أين (أبو مجاهد) ?، وكان يهدف أن يطلب منه تحديد موعد للقاء ، لكن أبو مجاهد لم يكن حاضرا فطلب من أحد مرافقية وهو زوج ابنته أن يحدد لي لقاء معه . وللأسف الشديد لم يتحقق ذلك اللقاء ، فرغبة معالي رئيس الوزراء غلبت رغبتي .
بعد هذه الحادثة شعرت بألم في داخلي ، وقد تبين لي أن جريمة المقابر الجماعية في ذلك الوقت لم تشغل حيزا يذكر في مشاعر واهتمام دولة رئيس الوزراء . وقد أثبتت الأيام اللاحقة ذلك كما سيأتي إنشاء الله في الحلقات القادمة .
يتبع الحلقة السابعة إنشاء الله
--------
مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في بريطانيا www.thenewiraq.com
للتعليق على الموضوع فعلى الرابط التالي
http://thenewiraq.com/?p=1145