حداثة إسلامية تحت السيطرة
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كثرت الصيحات التي تدعو الى ادخال الحداثة في المنظومو الإسلامية وعلت أصواتها بل هنالك محاولات تطبيقية لذلك من قبل غير أهل الاختصاص الديني وإن كانت الأعم الاغلب منها انتقادية أكثر من كونها بنائية - اذا جاز القول - ..!
ولو مارس فقهاء الإسلام الحداثة الضرورية لأحكام الشريعة وخطاباتها - بما تسمح به الشريعة نفسها - لما تجرأ المتطفلون بممارسة حداثة مشوّهة له . وهؤلاء - المتطفلون - لا هم ممن يجيد ذلك ، حيث ليس لديهم القدرة لا فقهياً ولاعقائدياً ... الخ لممارسة التحديث فعلياً ، ولا هم ممن يعود نقد الاسلام وتوهينه عليه بالضرر ، فهم بالجانب الآمن من ذلك وسليمو الخسارة - كما يُقال - فعلى حساب شرف الإسلام - وحاشا لشرفه من أن يُمسّ - أصبحوا دعاة وعي وعقلانية وتنوير .. .
وينبغي ان لا يُكتفى بردود الفعل على الحداثويين وما يكتبوه ، فموضع الدفاع لا ينفع بل يزيد من حجم الفجوة والتزمت لدى الطرف الآخر ، لابد من مواجهة دعوات الحداثة - المستحقة - بإجراءات فعلية وخطوات حقيقية ، فهم على قسمين تقريباً :
+ قسم من الحداثويين يرى أن المشكلة في
نفسه .
+ وقسم يرى المشكلة بالمسلمين دون الإسلام ، وهذا القسم أهون من القسم الأول بل عنده دعوات مستحقة ووجوده ضروري جدا .
فليس كلهم ممن غُرر به ، أو ممن يضمر سوءاً للإسلام ، نعم ، انبهارهم بالحضارة الغربية لعب لعبته ..
وفكرة الحداثة والتجديد ليست طارئة على الاسلام بل هي من صميم تشريعاته ، فصممت الشريعة على أساس مواكبة البشرية الى آخر عمرها ، وهذا من ضرورات الدين ، وكل من يقول غير ذلك فهو ناتج أما عن سوء فهم أو لديه عجز في التطبيق ..
ويمكننا هنا الإشارة السريعة الى بعض المنافذ الاسلامية النافعة في الإنطلاق نحو التجديد الضروري وتأسيس منصّات لحداثة إسلامية تحت السيطرة ، علماً أننا نؤكد على نقطتين :
١.يبقى الفقهاء هم وحدهم من لديهم صلاحية ممارسة التجديد والحداثة أو على الأقل إمضائها ، وكل حداثة اسلامية دون توقيع منهم سوف لا تُنظر من قبل الاخر وبالتالي لا تنفعنا في تغيير نظرته السلبية على الإسلام ، وكذلك تكون غير مضمونة الحجية في مقام العمل والتطبيق ..
٢. لنعلم أن التجديد قد مورس في كل جيل من أجيال المسلمين ولكن بنسب متفاوتة ، ولا زال يُمارس غير أنّ حاجته في العصور المتأخرة اصبحت أكثر الحاحاً ويحتاج الى نسبة أكبر وينبغي ان تصل الى مستوى الطفرة ..
ومما يخطر في الذهن من مداخل للتجديد ومنصّات انطلاق نحو حداثة مسيطر عليها كما قلنا وبحدود ثقافتنا الاسلامية المتواضعة هي التالي :
١. الرجوع الى القواعد الكلية : فالأصول يمكنها أن تعطي مرونة أعلى في التطبيق من تفريعاتها التي وضعت لمجالات ضيقة ومحددة ، ومرونة القواعد الكلية هذه تساعد الفقيه على التجديد بما يشمل الحكم والموضوع معاً ..
٢. تحرّك العُرف : فللعرف مدخلية عريضة في التشريعات الاسلامية ، فتحرّكه وتغيّره يستتبع بالضرورة تحرّك التشريعات المرتبطة به .
٣. مسايرة سيرة العقلاء : قريبة هذه النقطة من السابقة ، فسيرة العقلاء ايضاً لها مدخلية كالعرف وتغير القناعات - في بعض المسائل - تستتبع تغيّر في التشريعات .
٤. التخصّص : فالفقيه المتخصص يُؤمَل منه أن يتحرّى في مجال تخصصه كل الموضوعات المستحدثة او النظريات المتجددة الخاصة بذلك ..
٥. الضرورات والأولويات : فالضرورات وإن كانت أصلاً الّا انها حاكمة على كثير من الاصول ، فهي تبيح المحظورات وتعطي صلاحيةً أوسع لكل من المشرّع والمُكلّف .
٦. تحديث الخطاب الديني على مستوى الاسلوب او اللفظ المستعمل : وهذا من أيسر منافذ التجديد وأحوجها .
٧. استبدال الموضوعات وتوسّعها : اعتماد الفقهاء على المسائل المثارة من قبل المكلفين لم يعد كافياً ولا بد من أن تبادر المؤسسة الفقهية الى تغطية كل الموضوعات الحديثة فقهياً وعقائدياً ورصدها قبل ذلك ، بل يمكنهم أن يتوقعوا بعض الموضوعات على غرار الخيال العلمي ويضعوا لها التفسيرات المناسبة والاحكام اللازمة .
٨. الاستفادة من علم الألسنيات الحديث : فهذا المنطق الأرسطي الذي يُدرّس في الحوزات العلمية هو علم يوناني بالأصل تم الاستفادة منه في الدراسات والابحاث الاسلامية ، فلم لا يؤخذ من علم الألسنيات الغربي الحديث ما يمكن الانتفاع منه ايضا ..!
٩. بيان نقاط قوة الشريعة بما ينسجم ومبادىء العقلانية المطروحة : لا عقلانية أعلى من الشريعة ولكن المشكلة أننا الى الآن لم نستطع اقناع الاخر بها في هذا الجانب فضلاً عن عدم ممارسة وظيفة الاقناع اصلا .
١٠. ان يرتفع صوت الوسطية في الاسلام على حساب صوت التطرف ، فلو مارسنا محاولات التقريب بين مذاهب الاسلام مع المذاهب الفكرية المتنوعة لجنينا نتائج أكثر فائدة وأهمية ..
والموضوع لا يُغطّى بمقال ، وهو قابل للمناقشة طبعاً .. شكراً للقراءة .
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كثرت الصيحات التي تدعو الى ادخال الحداثة في المنظومو الإسلامية وعلت أصواتها بل هنالك محاولات تطبيقية لذلك من قبل غير أهل الاختصاص الديني وإن كانت الأعم الاغلب منها انتقادية أكثر من كونها بنائية - اذا جاز القول - ..!
ولو مارس فقهاء الإسلام الحداثة الضرورية لأحكام الشريعة وخطاباتها - بما تسمح به الشريعة نفسها - لما تجرأ المتطفلون بممارسة حداثة مشوّهة له . وهؤلاء - المتطفلون - لا هم ممن يجيد ذلك ، حيث ليس لديهم القدرة لا فقهياً ولاعقائدياً ... الخ لممارسة التحديث فعلياً ، ولا هم ممن يعود نقد الاسلام وتوهينه عليه بالضرر ، فهم بالجانب الآمن من ذلك وسليمو الخسارة - كما يُقال - فعلى حساب شرف الإسلام - وحاشا لشرفه من أن يُمسّ - أصبحوا دعاة وعي وعقلانية وتنوير .. .
وينبغي ان لا يُكتفى بردود الفعل على الحداثويين وما يكتبوه ، فموضع الدفاع لا ينفع بل يزيد من حجم الفجوة والتزمت لدى الطرف الآخر ، لابد من مواجهة دعوات الحداثة - المستحقة - بإجراءات فعلية وخطوات حقيقية ، فهم على قسمين تقريباً :
+ قسم من الحداثويين يرى أن المشكلة في
نفسه .
+ وقسم يرى المشكلة بالمسلمين دون الإسلام ، وهذا القسم أهون من القسم الأول بل عنده دعوات مستحقة ووجوده ضروري جدا .
فليس كلهم ممن غُرر به ، أو ممن يضمر سوءاً للإسلام ، نعم ، انبهارهم بالحضارة الغربية لعب لعبته ..
وفكرة الحداثة والتجديد ليست طارئة على الاسلام بل هي من صميم تشريعاته ، فصممت الشريعة على أساس مواكبة البشرية الى آخر عمرها ، وهذا من ضرورات الدين ، وكل من يقول غير ذلك فهو ناتج أما عن سوء فهم أو لديه عجز في التطبيق ..
ويمكننا هنا الإشارة السريعة الى بعض المنافذ الاسلامية النافعة في الإنطلاق نحو التجديد الضروري وتأسيس منصّات لحداثة إسلامية تحت السيطرة ، علماً أننا نؤكد على نقطتين :
١.يبقى الفقهاء هم وحدهم من لديهم صلاحية ممارسة التجديد والحداثة أو على الأقل إمضائها ، وكل حداثة اسلامية دون توقيع منهم سوف لا تُنظر من قبل الاخر وبالتالي لا تنفعنا في تغيير نظرته السلبية على الإسلام ، وكذلك تكون غير مضمونة الحجية في مقام العمل والتطبيق ..
٢. لنعلم أن التجديد قد مورس في كل جيل من أجيال المسلمين ولكن بنسب متفاوتة ، ولا زال يُمارس غير أنّ حاجته في العصور المتأخرة اصبحت أكثر الحاحاً ويحتاج الى نسبة أكبر وينبغي ان تصل الى مستوى الطفرة ..
ومما يخطر في الذهن من مداخل للتجديد ومنصّات انطلاق نحو حداثة مسيطر عليها كما قلنا وبحدود ثقافتنا الاسلامية المتواضعة هي التالي :
١. الرجوع الى القواعد الكلية : فالأصول يمكنها أن تعطي مرونة أعلى في التطبيق من تفريعاتها التي وضعت لمجالات ضيقة ومحددة ، ومرونة القواعد الكلية هذه تساعد الفقيه على التجديد بما يشمل الحكم والموضوع معاً ..
٢. تحرّك العُرف : فللعرف مدخلية عريضة في التشريعات الاسلامية ، فتحرّكه وتغيّره يستتبع بالضرورة تحرّك التشريعات المرتبطة به .
٣. مسايرة سيرة العقلاء : قريبة هذه النقطة من السابقة ، فسيرة العقلاء ايضاً لها مدخلية كالعرف وتغير القناعات - في بعض المسائل - تستتبع تغيّر في التشريعات .
٤. التخصّص : فالفقيه المتخصص يُؤمَل منه أن يتحرّى في مجال تخصصه كل الموضوعات المستحدثة او النظريات المتجددة الخاصة بذلك ..
٥. الضرورات والأولويات : فالضرورات وإن كانت أصلاً الّا انها حاكمة على كثير من الاصول ، فهي تبيح المحظورات وتعطي صلاحيةً أوسع لكل من المشرّع والمُكلّف .
٦. تحديث الخطاب الديني على مستوى الاسلوب او اللفظ المستعمل : وهذا من أيسر منافذ التجديد وأحوجها .
٧. استبدال الموضوعات وتوسّعها : اعتماد الفقهاء على المسائل المثارة من قبل المكلفين لم يعد كافياً ولا بد من أن تبادر المؤسسة الفقهية الى تغطية كل الموضوعات الحديثة فقهياً وعقائدياً ورصدها قبل ذلك ، بل يمكنهم أن يتوقعوا بعض الموضوعات على غرار الخيال العلمي ويضعوا لها التفسيرات المناسبة والاحكام اللازمة .
٨. الاستفادة من علم الألسنيات الحديث : فهذا المنطق الأرسطي الذي يُدرّس في الحوزات العلمية هو علم يوناني بالأصل تم الاستفادة منه في الدراسات والابحاث الاسلامية ، فلم لا يؤخذ من علم الألسنيات الغربي الحديث ما يمكن الانتفاع منه ايضا ..!
٩. بيان نقاط قوة الشريعة بما ينسجم ومبادىء العقلانية المطروحة : لا عقلانية أعلى من الشريعة ولكن المشكلة أننا الى الآن لم نستطع اقناع الاخر بها في هذا الجانب فضلاً عن عدم ممارسة وظيفة الاقناع اصلا .
١٠. ان يرتفع صوت الوسطية في الاسلام على حساب صوت التطرف ، فلو مارسنا محاولات التقريب بين مذاهب الاسلام مع المذاهب الفكرية المتنوعة لجنينا نتائج أكثر فائدة وأهمية ..
والموضوع لا يُغطّى بمقال ، وهو قابل للمناقشة طبعاً .. شكراً للقراءة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat