صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

المنهج العقلي للشيخ الطوسي في كتاب الغيبة
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كتاب الغيبة للشيخ الطوسي من أهم الكتب الشيعية في القضية المهدوية ، وأهميته حسب ما اعتقد تكمن في أمور ثلاثة :

١. أهمية الشيخ الطوسي نفسه في التراث الشيعي ، فهو شيخ الطائفة وأحد أهم رؤساء علومها بعد الائمة عليهم السلام ، لجلالة قدره وعبقريته وقربه من عصر المعصوم .. الخ

٢. المادة التي تضمنها الكتاب ، والمواضيع التي تطرق لها ، فالكتاب أقرب ما يكون الى الموسوعة في القضية المهدوية ..

٣. المنطق الذي استعمله في الاثبات والنفي ، واسلوب المحاججة مع الاشكالات والشبهات المطروحة ، وطريقة عرض المطالب ، فاستعمل العقل بشكل رئيسي لأهم مطالب الغيبة وتقوّى بالنقل ، ومازج في الكتاب بين المنهجين بمعادلة دقيقة وموزونة ومُنتجة ، يقول الشيخ المحقق آغا بزرگ الطهراني رضوان الله عليه : ( قد تضمن أقوى الحجج والبراهين العقلية والنقلية على وجود الإمام ع وغيبته ثم ظهوره في آخر الزمان ) .

نريد هنا أن نركز على الأمر الثالث ، اي المنهج العقلي ، ونُحيل الأمر الأول الى قراءة ما كُتب عن حياته وعلمه وشخصيته ، ونحيل الثاني الى القارىء نفسه حيث نطلب منه تصفح الكتاب ..

وخير طريقة لبيان الأمر الثالث هو ضرب الأمثلة والتعليق عليها ، وهذا ما سنباشر به ولكن بتوضيح واختصار من قبلنا :

المثال الأول : عندما أراد إثبات الغيبة للإمام المهدي عج ، بدأ مباشرة بالتقسيم العقلي التالي :

الذي يُطالب باثبات الغيبة ، فهو أما ان تكون الإمامة ثابتة عنده بالأصل أو لا ..

إن كانت غير ثابتة فنحيله الى اثبات الإمامة أولاً ، لأن الغيبة فرع الإمامة ، ولا كلام لنا معه في الغيبة الآن ..

وأمّا إن كانت الإمامة ثابتة عنده فنقول له :

بعد أن ثبت في محلّه أنه لا بد للناس من إمام ، ولا بد أن يكون هذا الإمام معصوماً ، وبعد التحرّي عن كل شخص ظاهر ادّعى الإمامة لنفسه ، وبعد أن وجد أنه إما فاسد المذهب من أصل أو غير معصوم .. فيثبت أنّ الإمام المعصوم الواجب الوجود لا بد أن يكون موجوداً ولكنه مستور غير ظاهر ..

هذا إثبات عقلي لضرورة تحقق الغيبة ..

المثال الثاني : إجابته على بعض الاعتراضات على الغيبة /

الاعتراض الأول : قاعدة اللطف التي دلّت على وجوب وجود إمام مبسوط اليد بين الناس يهديهم ويخافون من تأديبه .. تنتفي بالغيبة وتنقض بالأبتعاد عنهم ..!

والجواب : أنّ قاعدة اللطف تقتضي توفير وتحقيق وجود إمام للناس ، وأمّا تمكين هذا الإمام من ذلك فهذا راجع لأختيار الناس أنفسهم ، والغيبة في ذلك تشبه عدم اختيار أهل الحلّ والعقد لمن يصلح لإمامة الناس ، فغاب الإمام لأن الناس أحوجته للإستتار ولم تمكّنه منهم ..

الاعتراض الثاني : ما المانع ان يكون الامام غير موجود أصلاً وليس موجوداً ومستتراً ، لحين تحقق ظروف تمكينه ..!

والجواب : انبساط يد الإمام لا تتم الّا بتحقق أمور ثلاثة /

الأمر الأول : يتعلق بالله وهو إيجاده - إيجاد الإمام - .

الثاني : يتعلق بالإمام ، وهو تحمّل أعباء الإمامة والقيام بها .

الثالث :يتعلق بالناس ، العزم على نصرته والانقياد له ..

فوجوب تحمّله عليه فرع على وجوده ، ووجوب نصرته من قبل الناس فرع لهذين الأصلين .. ! فمع هذا لا يصح أن يُقال : لمَ لا يكون معدوماً .. ؟ فلا يُحسن من الله تعالى أن يوجب علينا تمكين من ليس بموجود ، لأنه تكليف ما لا يُطاق ..

المثال الثالث : الإجابة على السؤال : ما هو وجه علّة الغيبة ، ولماذا لم يستعمل آبائه هذا الاسلوب واكتفوا بالتقية ..؟

الجواب : مما يُقطع على أنّه سبب لغيبة الإمام هو خوفه على نفسه من اعدائه من القتل ، وهذا ما حدا بالنبي أن يستتر في الشعب ، وأخرى في الغار - عند الهجرة - ، وما صح في قصر مدة الاستتار يصح في طولها وتماديها ما دامت العلّة قائمة ..

وأمّا بالنسبة لآبائه عليهم السلام ، أن التقية كانت مناسبة لمهامهم ، أما الإمام عج فإنه يظهر بالسيف ويدعو الى نفسه ويجاهد من خالفه .. أضف الى ذلك أنهم عليهم السلام إذا ماتوا كان هناك من يقوم مقامهم ويسدّ مسدهم يصلح للإمامة من أولاده ، وصاحب الأمر ع لا يقوم أحد مقامه ..

المثال الرابع : حول الإشكال على خفاء حمل و ولادة الحجة عج / أن ستر ولادة صاحب الزمان ع ليس بخارق للعادة ، لأنه جرى أمثاله فيما تقدّم من أخبار الملوك ، كقصة كيخسرو - من ملوك الفرس - وما كان من ستر أمّه حملها وإخفاء ولادتها ، فأمه بنت ولد أفراسياب ملك الترك ، وأراد جده كيقاوس قتل ولده فسترته أمه الى أن ولدته .. وكقصة ابراهيم ع وكيف أمّه قد غيبته في المغارة حتى بلغ ، وقصة موسى ع وكيف ألقته أمه في البحر خوفاً عليه من فرعون .. كل هذه الأحداث المشابهة وغيرها كما في تاريخ الطبري يدل على أن خفاء حمله وولادته ليس خارقاً للعادة .

بهذه الأمثلة نكون قد بيّّنا شيئاً من طريقة الشيخ الطوسي في معالجة مطالب الغيبة والاشكالات المطروحة عليها ، وهو منهج عقلي بشكل أساسي ، رحم الله شيخ الطائفة وعجل في فرج الحجة ابن الحسن المهدي عليه السلام ..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/04/08



كتابة تعليق لموضوع : المنهج العقلي للشيخ الطوسي في كتاب الغيبة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net