صفحة الكاتب : داود السلمان

ظاهرة الانتحار: تحليل ترانسندنتالي
داود السلمان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   لابد لكل فعل ثمة فاعل، لا يوجد فعل قط بدون فاعل؛ في اللغة العربية وتحت مظلة (الإعراب) يوجد هناك فاعل يطلق عليه "مستتر"- الشيء الذي يوجد خلف ستار ما، حتى لو كان شخص مثلاً، لا يرُى بالعين، إنْ لم يكن الجدار من زجاج- كذلك فأنّ الفاعل، اذا قام بفعلٍ ما سوف يظهر فعله، وينكشف للعين الباصرة: للشخص (= الملأ). المستتر، المتخفي ويبان من خلال عمله، الفعل الذي قام به، مباشر أم غير مباشر: فعل حسن، فعل سيء، خيرًا، شرًا. إذن، لدينا قضية ونقيضها، جريمة انتحار، إنسان يقتل نفسه عمدًا. الاسباب الموجبة: ضغوطات نفسية كبيرة، يعجز مرتكبها عن حلها، فيلجئ الى طريقة أخرى، هي الاقرب الى مخيلته، ويعتبرها صحيحة من وجهة نظره، نقيض هذه القضية: السلام، الهدوء، الامان. إذن هي قضية بثلاث مرادفات، من الباب الاول هي حسنة، خيرة، لا تنتمي الى فصيلة العنف. النتيجة ثمة سبب ومسبب. السبب، وقد نوهنا عليه، بقولنا الضغوطات النفسية، ادت بالتالي الى ارتكاب جريمة، ازهاق نفس، نفس محترمة بذاتها ولها قيمة انسانية عليا.

   وبعد أن عرفنا الفاعل الثاني وليس الاول، لأنّ القضية متعلقة بفاعلين اثنين وليس بفاعل واحد، الاثنين اشتركا معًا، بقضية (جريمة) واحدة، وهي هنا معقدة، ومعقدة جدًا، الثاني الفاعل اصبح خارج اطار البحث، عنوان الموضوع، كونه ليس المسؤول المباشر، فالأسباب فوق مستواه، وأنْ لم يحسبها –الفاعل- جريمة، بل ينظر لها على اعتبار انها الخلاص، وخلاص نهائي من قسوة تلك الضغوطات، التي ما عاد يمتلك القوة الكافية لتكبح جماحها، فاختصرها بالطريقة التي اختارها هو نفسه: الانتحار.

   وإذن نطوي قضية الفاعل الثاني، وأن كانت جريمة يحاسب عليها القانون ولا يستهان بها، وهي قطعاً، تناقض الاخلاق. لكنها جريمة خارجية، ونعني بـ "خارجية" الفاعل الثاني اجرم بحق نفسه، اذ لم يزهق روح انسان غيره. لا يوجد مطالب بأخذ حقه.

   وطي هذه الصفحة صار واجبًا قانونيًا من هذه الناحية، لكنه ليس بقانوني من ناحية أخرى، قضية الفاعل الاول، وتترتب عليها واجبات اخلاقية ايضًا، بعد الواجبات القانونية، وهي الاهم.

   الفاعل المستتر اصبح ظاهرًا، وإن كان امبيريا، فليس بحثنا في هذه القضية بحثا فيمومينا (ما وراء الظاهرة) لأن الظاهرة (=الجريمة) اتضحت للعيان، بعد التحقيق المستفيض مع الفاعل الثاني، وغلق صفحته. فنحوّل القضية الى الفاعل الاول وهو الذي يتحمل الاعباء القانونية والاخلاقية على حدٍ سواء. يقول سبينوز في كتابه "علم الاخلاق" (إن الذي يريد الانتقام من أهانه  بأن يبادله الكره انما هو يعيش بكل تأكيد عيشا شقيا. اما الذي يسعى، على العكس من ذلك الى قهر الكراهية بالحب، فلا شك في أن كفاحه يتم في كنف البهجة والاطمئنان، وأنه يسهل عليه مقاومة شخص واحد أو اشخاص كثيرين على حد سواء، وأنه  في حاجة اقل من غيره الى اقبال الدهر عليه".

   فمن هذا الباب تقع اعباء القضية وملابساتها، بالكامل، على عاتق الفاعل الاول، والسؤال هنا: من هو الفاعل الاول؟.

   وحتى لا نذهب بعيدًا، فالذي يتسبب بأذية الآخرين، بأذيتهم روحيًا، أو معنويًا، أو مادياً، أو اقتصادياً، هو من يتحمل مغبة ذلك، ويخضع لكل الاعباء التي وقعت على الآخرين جراء حكمه، أنْ كان حاكمًا، وأنْ كان سلطاناً أو اميرًا أو وزيرًا، فما يقع على رعيته من خير فالخير يعود له، وأن كان شراً، فالشر يعود عليه، وبأسبابه. وبعد هذا البرهان، فالنتيجة، يجب محاكمة الفاعل الاخير، ومعاقبته، بما تسبب، بقصد أم بغير قصد، بعجز، أم بسوء ادارة، يعاقب بحسب القانون الوضعي الساري المفعول.

   والحل الموجب، وكي لا تتكرر مثل هذه الظواهر المنافية للأخلاق، وحتى نقطع دابرها، هو: إصلاح السلطان (=الحاكم). وللفلاسفة، والعلماء والمفكرين، ورجال الدين، والمصلحين، كل هؤلاء لهم دور بارز في إصلاح الحاكم. واذا عجز كل هؤلاء وبان ضعفهم، ولم يزد السلطان إلاّ تمادياً وغرورًا، فما على الرعية الا استبداله، وبالطريقة التي يرونها صحيحة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


داود السلمان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/04/25



كتابة تعليق لموضوع : ظاهرة الانتحار: تحليل ترانسندنتالي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net