صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (٥)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}.

السُّلطة هي واحدةٌ من أَهمِّ أَدوات التَّمكين وأَخطرها في آنٍ، والمقصُودُ بها تفويض قوَّة التصرُّف بغضِّ النَّظر عن طبيعتِها ونوعيَّتِها، سواءً أَكانت سياسيَّة أَو إِداريَّة أَو إِقتصاديَّة أَو علميَّة أَو غيرِها.

أَحياناً نستغربُ من فشلِ السُّلطةِ عندنا على الرَّغمِ من أَنَّنا نُهيِّء كلَّ الأَسبابِ لزَيدٍ أَو عمرُو!.

إِذا دقَّقنا في العِلل فسنلحظ أَنَّها ليست في أَدوات التَّمكين أَو حتَّى في توقيتهِ، وإِنَّما في زيدٍ نفسهُ أَو عمرُو فهو غَير قادر أَو عاجزٌ على استيعابِ أَسباب التَّمكين للنَّجاحِ في مُمارسة السُّلطةِ، فهو سيفشل مهما تهيَّأَت لهُ الأَسباب والأَدوات وفي أَيِّ زمانٍ ومكانٍ.

إِنَّ التَّمكين للسُّلطةِ تحديداً وشروطهُ وأَدواتهُ يلزم أَن تتهيَّأ لأَصحابِها وليسَ لأَيٍّ كان، لتُؤتي أُكلَها وثِمارها وإِلَّا فسنُضيِّع الجهُود ونُفرِّط بالزَّمن وتعمُّ الفوضى.

تعالُوا نُدقِّق في الآيةِ الكريمةِ أَعلاه؛

فالملكُ كلَّم يوسُف (ع) قبلَ أَن يُقرِّر تمكينهُ من السُّلطة، أَي أَنَّهُ اكتشفَ أَوَّلاً حقيقة قدراتهِ التي يتمكَّن بها استيعابِ التَّمكينِ للسُّلطة ولمَّا اطمأَنَّ لها مكَّنهُ منها.

فهو لم يفوِّضهُ السُّلطة كونهُ نبيّاً، بل اختبرهُ فوجدهُ أَهلاً لها فمكَّنهُ مِنها، ومِن ذلكَ رجاحةُ العقلِ ورزانة الشَّخصيَّة والتَّدبير والعقليَّة الرَّاجحة.

بمعنى آخر، أَنَّ يوسُف (ع) كانَ يتمتَّع بالقُدرة على استيعابِ أَسباب التَّمكين وأَدواتهِ ولذلك نجحَ في المسؤُوليَّة التي تحمَّلها بكلِّ ثقةٍ وجدارةٍ، ولو لم يكُن كذلكَ لما مكَّنهُ الملك منها ولما تجرَّأَ على أَن يطلب السُّلطة منهُ بقولهِ {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ} لو لم يكُن يعلم عِلم اليقين بأَنَّهُ {حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.

أَمَّا عندنا، فالتَّمكينُ للسُّلطة بـ [الكيلُوات] وبـ [الكلاوات] فهي بالواسِطة وفي أَغلب الأَحيان ضربةُ حظِّ، لا توجد معاييرَ حقيقيَّة، ولذلك فالسُّلطة عندنا فاشِلة لا تجدُ الرَّجُل المُناسب في المكانِ المُناسب إِلَّا صُدفة!.

فالذي يستحِق التَّمكين منها لا يجدُ الفُرصة، فتضيعُ جهودهُ، والذي لا يستحقَّها لعدمِ كفاءتهِ فتراهُ تواجههُ فُرَص التَّمكين منها أَين ما دارَ وجههُ رُبما لأَنَّهُ مِن أَبواق [القائِد الضَّرورة] أَو [ذَيلٌ] أَو مِن مُحازبي أَحزب السُّلطةِ أَو مِن أَسرةِ الزَّعيم، ولكَونهِ فاشلٌ وعاجزٌ عن توظيفها لينجحَ، لذلكَ يمرُّ على فُرَص النَّجاح أَو تمرُّ بهِ من دونِ أَن يغتنمَها أَو حتَّى يشعرُ بها لأَنَّها ليست في حساباتهِ والسُّلطة بالنِّسبةِ له [سَطوة] أَو [تِجارة] وليست مسؤُوليَّة.

ثمَّ نلومُ أَنفسنا ونتساءَل؛ لماذا تذهب أَسباب التَّمكين أَدراجَ الرِّياحِ؟!.

يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في عهدهِ للأَشتر {ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ.

وَتوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالْقَدَمِ فِي الاِْسْلاَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاَقاً، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَافاً، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الاُْمُورِ نَظَراً}.

إِذن؛ فالتَّمكينُ للسُّلطة تتحقَّق نتائجهُ بشرطهِ وشرُوطهِ، وأَوَّلها التَّدقيق فيمَن ننوي تمكينهُ مِنها، ومِن المعلُوم فإِنَّ لكلِّ مسؤُوليَّة أَو موقِع شرُوطاً مُعيَّنة تحتاجها للتَّمكين تختلف عن المسؤُوليَّة أَو الموقِع الآخر، فليسَ كُلُّ المواقِع بنفس الشُّروط، وأَنَّ كلَّ مَن يتصدَّى لها يلزم أَن يتميَّز بنفسِ المُميِّزات.

أَمَّا أَن نضعَ التَّمكين موضِع التَّجربة فتلكَ هي المُصيبة العُظمى والطَّامَّة الكُبرى، لأَنَّها ستكونُ مِصداقاً للقَولِ المأثور [يتعلَّم الحِجامَة برأسِ اليَتامى]!.

٢٨ نيسان ٢٠٢٠

لِلتَّواصُل؛

‏E_mail: nahaidar@hotmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/04/29



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (٥)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net