أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (٩)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}.
لقد حدَّدَ القرآن الكريم شرطَين لتمكينِ الدَّولة وهُما شيئانِ أَساسيَّانِ تستند عليهِما بقيَّة الشُّروط؛ الأَمن الغذائي والأَمن المُجتمعي، كما في الآيةِ الكريمةِ.
والأَوَّل يتحقَّق بالعدالةِ الإِجتماعيَّةِ والصحَّةِ العامَّة، أَمَّا الثاني فيتحقَّق بالقضاءِ العادِل والقانون الذي يجب أَن يكونَ فوقَ الجميع.
وإِنَّ آلةَ تحقيقِ ذلك هو مِعيار المُواطنة بغضِّ النَّظر عن الخلفيَّة والإِنتماء والولاء وغيرَ ذلكَ، فبالإِتِّفاقِ على هذا المعيارِ ستنظُر الدَّولة لرعاياها بعينٍ واحدةٍ فلاتُميِّز بين مُواطن وآخر ولا تُقسِّم المُجتمع إِلى درجاتٍ، فذلكَ يُجهضُ مشاريع التَّمكين.
ولذلكَ وردَ في عهدِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) إِلى مُحمَّد بن أَبي بكر عندما ولَّاهُ مِصر بقوله {فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ، وَأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ، وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ، وَآسِ بَيْنَهُمْ فِياللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ، حَتَّى لاَ يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ، وَلاَ يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ.
وَإنَّ اللهَ تَعَالَى يُسَائِلُكُمْ مَعْشَرَ عِبَادِهِ عَنِ الصَّغِيرَةِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَالْكَبِيرَةِ، وَالظَّاهِرَةِ وَالْمَسْتُورَةِ، فَإِنْ يُعَذِّبْ فَأَنْتُمْ أَظْلَمُ، وَإِنْ يَعْفُ فَهُوَ أَكْرَمُ}.
ولقد فصَّلَ (ع) شرُوط تمكين الدَّولة فجعلها أَربعة، وهي كما وردت في عهدهِ للأَشتر لمَّا ولَّاهُ مِصر {هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌ أَميِرُ الْمُؤْمِنِينَ، مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِالاَْشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ، حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ؛ جِبْوةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا}.
وكما هو واضحٌ فإِنَّ كلَّ ذلكَ لا يتحقَّق إِذا كانت الدَّولة لا تتعامل مع الرعيَّة بالعدلِ والإِنصاف، فهُما حجر الزَّاوية في البناءِ والتَّنميةِ المُستدامة.
كذلكَ، فإِنَّ هذهِ الأُسُس تتحقَّق عندما تعتمد الدَّولة على المعايير الحقيقية في التعيينات على قاعدةِ [الرَّجُل المُناسب في المكانِ المُناسب] كالنَّزاهةِ والكفاءةِوالنَّجاح والرُّؤيةِ السَّليمةِ والتَّجربةِ والقُدرةِ على الإِنجازِ فضلاً عن خلقِ الفُرص اللَّازمة والأَدوات والأَسباب التي تُحقِّق النَّجاح المطلوب، أَي خلقِ مُستلزماتالتَّمكينِ للنَّجاح.
بمعنى آخر؛ تمكينُ الفرد لتتمكَّن بهِ الدَّولة والعكسُ هو الصَّحيحُ كذلكَ، فلا السُّلطة تتغوَّل لتأكُل الفرد، ولا تضعُف ليعبث بها الفرد، كما هوَ حالُ بعضِ دُوَلِناالتي يكونُ فيها الحاكِم هو الدَّولة!.
وفي هذهِ النُّقطة تحديداً يتمظهر مفهُوم التَّكافل بينَ الدَّولة والمُواطن لتحقيقِ التَّكامل في التَّمكينِ بينهُما، إِذ لا يُمكنُ للدَّولة وحدها أَن تتمكَّن من النَّجاح إِذا لميتمكَّن منهُ الفرد، ولا العكس، إِذ لا يمكنُ أَن نتصوَّرَ فرداً يتمكَّن من النَّجاح إِذا لم تتمكَّن منهُ الدَّولة، فالنَّجاحُ منظومةٌ واحدةٌ تعتمدُ على تمكينِ الجميعِ للجميعِ،لينهضَ الجميعُ.
ولتوضيحِ ذلكَ نضربُ مثلاً بالضَّرائب، فالبعضُ يتصوَّر أَنَّ الدَّولة أَحقُّ بها من المُواطن لتملأَ خزائنها فتتمكَّن، فيما يتصوَّر آخرونَ عكسَ ذلكَ، على اعتبارِ أَنَّهاحقُّ مُطلقٌ للمواطنِ.
أَمَّا أَميرُ المُؤمنينَ (ع) فيشرحُ وجوبَ تحقيقِ التَّوازن الدَّقيق في ذلكَ بين السُّلطة والرعيَّة ليتمكَّنا سويَّة فينهضا معاً فلا الدَّولة تظلِم الرَّعيَّة ولا العكس.
كتبَ (ع) في عهدهِ للأَشتر؛
وَتفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فِي صلاَحِهِ وَصلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَلاَ صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ، لاََنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ.
وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الاَْرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لاَِنَّ ذلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ،وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً.
وبذلكَ نحمي التَّوازن المُستقر بين إِقتصاد الدَّولة وإِقتصاد الفرد، فلا يسطُو أَو يهضم أَحدهُما الآخر، أَو أَن يتحوَّل المال إِلى ما تصفهُ الآية المُباركة {كَيْ لَايَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ}.
وقِس على ذلكَ فيما يخصُّ بقيَّة مرافِق الدَّولة.
٢ مايس [أَيَّار] ٢٠٢٠
لِلتَّواصُل؛
E_mail: nahaidar@hotmail.com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat