صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

شذرات من سياسة الإمام الحسن ع
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

فيما يلي بعض أهم الشذرات السياسية التي قام بها الإمام الحسن ع في حياة الأمة ، ومن خلالها سنعلم عظم الأثر وعمق التدبير لهذا الإمام الهمام عليه صلوات الله :

+ استنقاذ الشطر الأهم من الخلافة : إن حادثة قرصنة واغتصاب خلافة رسول الله ص وآله بعد وفاته شملت سلب ولاية الرسول الدينية وولايته القيادية والادارية ( الدنيوية ) ، فالخليفة الأول كان هو الامام الروحي والشرعي عند أغلب المسلمين وهو رئيس الدولة بنفس الوقت بإعتباره خليفة رسول الله ص ..

استمر هذا الاغتصاب لشقَّي الخلافة حتى إمامة الحسن المجتبى عليه السلام ( عدا خلافة أبيه عليه السلام ) ، حيث استطاع الإمام الحسن ع من خلال صلحه الذي أضطر اليه مع معاوية الى تجريد معاوية من الخلافة الدينية وجعله رئيسا للدولة وملكاً لها فقط ..

وهذه الحنكة السياسية للإمام ع قد أقرّ بها الجميع :

١. فلقد اعترف معاوية نفسه بذلك عندما قال : رضينا بها مُلكا .. ويقول ايضا : أنا أول الملوك ..

٢. وكذلك اعترف بها سعد بن ابي وقاص عندما دخل على معاوية وقال له : السلام عليك ايها الملك .. ولم يقل له كما كان يقال للخليفة ( بأمير المؤمنين ) ..

٣. وكذا الدميري في حياة الحيوان الكبرى يقرّ بأن الامام الحسن ع اخر الخلفاء ..

٤. والسيوطي يذكر عن ابن شيبة بأن معاوية اول الملوك ..

٥. واليعقوبي في تاريخه يقول ( ملك معاوية ) ولم يقل كما كان يقول للذين سبقوه ( استخلف ) ..

وللمتبع يجد ان زعامة المسلمين انشقّت الى زعامة سياسية تتمثل بالملوك أو خلفاء البلاط الأموي والعباسي وما بعده ، وزعامة دينية تتمثل برؤساء المذاهب والفرق الاسلامية في ايام الخلافة الأموية والعباسية ، فأصبح الخليفة محدود الصلاحيات الدينية والتشريعية ..

وبهذا يكون الامام الحسن عليه السلام بسياسته قد ضعّف من سطوة الخلفاء الغاصبين على المسلمين بل رسم للإسلام خارطة إضطرارية جديدة ..

+ فضح حقيقة ال أمية : كانت شرائح واسعة من الأمة الإسلامية في أيّام خلافة الإمام علي ( ع ) والإمام الحسن ( ع ) في شك وحيرة عمّن هو الأصلح للأمة هل هو معاوية أم هم أئمة اهل البيت عليهم السلام ..؟ وكان ذلك طبعاً بسبب الشكوك التي يبثّها بنو أمية وأذنابهم بين المسلمين ..

ولكن مرض الشك هذا زال حال تصدي معاوية لسدة الحكم وتنصيبه ملكا ، لأنه تبيّن غرضه في أول خطبة له بعد التمليك ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ ، قَالَ : صَلَّى بِنَا مُعَاوِيَةُ الْجُمُعَةَ بِالنَّخِيلَةِ فِي الضُّحَى , ثُمَّ خَطَبْنَا فَقَالَ : " مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا , وَلَا لِتَصُومُوا , وَلَا لِتَحُجُّوا , وَلَا لِتُزَكُّوا , وَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ , وَلَكِنْ إِنَّمَا قَاتَلْتُكُمْ لِأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ , وَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ لَهُ كَارِهُونَ " .

وانكشف أمره للمسلمين أكثر بعد ممارسته للحكم ، وصرّح بذلك كبار علماء العامة وكتابهم :

١. طه حسين ( كتابه علي وبنوه ) : يصف حال الناس عندما تبيّن لهم ما هو معاوية ( وقد جعل اهل العراق يذكرون حياتهم ايام علي فيحزنون عليها .. ويندمون كذلك على ما كان من الصلح بينهم وبين اهل الشام ) .

٢. سجّل المؤرخون لمعاوية الارقام القياسية في الابتداع في الدين :
. أول من نقص التكبير .. معاوية
. اول من خطب الناس قاعدا .. معاوية
. أول من احدث الخطبة قبل الصلاة في العيد وأحدث الاذان فيها
. اول من اتخذ الخصيان لخاصة خدمته
. اول من قيل له من الخلفاء ( الصلاة يرحمك الله )
وغيرها ..

ففضح بني أمية على حقيقتهم أمام المسلمين وبشكل لا يقبل الشك كان على يد الإمام الحسن ع عندما رأى بأن الحلّ الوحيد لمعالجة مرض الشك هذا هو تصدي معاوية للحكم .. وقد حصل ما خطط له صلوات الله عليه .. إلاّ أن مرض ضعف الإرادة بقي مستشرياً في الأمة حتى انتهى بالأمر الى قتل الحسين ع بسيفوهم وعيونهم تبكي عليه .. !!

+ الطف ، حسنية التخطيط حسينية الأداء : إن الذي يقرأ التأريخ بشيء من القراءة التحليلية والموضوعية سيخرج بنتيجة مفادها أنَّ واقعة الطف هي ثورة حسنية مؤجّلة لحين توفر شروط الفتح فيها .

فبعدَ الصلح الإضطراري للإمام الحسن " ع " مع معاوية أُعلنت حرباً باردة ( حسب المصطلح المعاصر ) بين الامامين الحسن والحسين عليهما السلام من جهة ومعاوية من الجهة الأخرى ولفترة 20 عام تقريبا والتي انتصرت هذه الحرب الباردة برفع قناع الخداع الأموي وإزالة الشك كما قلنا في المنشور السابق .

ولقد استمرّ الامام الحسين "ع" بسياسة الامام الحسن "ع" في مواجهة معاوية حتى بعد استشهاد الامام الحسن "ع" في ( 49 ) للهجرة وحتى عام (60) للهجرة حيث تسلّم يزيد المُلك بعد هلاك أبيه ..

بعد موت معاوية وتسلّم يزيد الحكم انتهت الحرب الباردة وأصبحت مقوّمات القيام كاملة ونتائجه مضمونة ، هذه المقومات التي طالما أشار الى بعضها الامام الحسن "ع" ، فبعد الصلح ندم بعض المسلمين على ما آل اليه الأمر وجاءوا الى الامام الحسن "ع" وطلبوا منه القيام والثورة ، ردّهم الامام بقول يُفهم منه بأن الصلح كان بمثابة استراحة محارب ..!! حيث يقول "ع" : ( فارضوا بقضاء الله وسلّموا الأمر والزموا بيوتكم وامسكوا وكفّوا ايديكم حتى يستريح برّ او يُستراح من فاجر ) .

يعلق طه حسين على هذا القول : فهو اذن يهيئهم للحرب حين يأتي إبانها ويحين حينها ويأمرهم بالسلم المؤقت حتى يستريحوا ويحسنوا الاستعداد ( راجع كتاب علي وبنوه ص189 ) .

وبهذا يتبين أن الطف بالأصل تخطيط حسني بإمتياز وتنفيذ حسيني بجدارة .

صلوات الله عليهما ..

سلام الله على الإمام الزكي ورحمة الله وبركاته

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/05/11



كتابة تعليق لموضوع : شذرات من سياسة الإمام الحسن ع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net