أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ ٢٠)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
{الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
ونموذجهُ في التَّاريخ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) عندما تمكَّن من السُّلطة بعد سنيِّ الظُّلمِ والقهر والتَّجاوز على حقِّهِ، أَمَّا في المُستقبل فنموذجهُ الإِمام المُنتظِر الحجَّةبن الحسن (عج) الذي {سيملأُ الأَرضَ قسطاً وعدلاً بعدَ ما مُلئت ظُلماً وجَوراً}.
ذلكَ المُستقبل الموعُود الذي يقولُ عنهُ تعالى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}.
نوعٌ آخر على العكس تماماً، وهو الذي يقول عَنْهُ القرآن الكريم {وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} وقولهُ{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.
فللتَّمكينِ إِلتزاماتٌ يجبُ أَن يفي بها الإِنسان وإِلا فستشملهُ نظريَّة الإِستبدالُ الإِلهي بقولهِ تعالى {هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}.
والتَّمكينُ يتجلَّى في الأَفعالِ وليسَ في الأَقوالِ، فكثيرُونَ هُم الذين يقولُونَ كَيت وكَيت، وأَنَّهم سيُغيِّرونَ ويُصلحُونَ ويُحسنُونَ إِذا ما تمكَّنوا في الأَرضِ سَواءبالسُّلطة مثلاً أَو المال والجاه أَو ما إِلى ذلكَ، ولكنَّهم عندما يتمكَّنُونَ يفعلونَ عكس ما قالُوا فلا يُحسِنونَ لأَحدٍ ولا يُصلحونَ ما أَفسدهُ الطَّاغوت ولا ينجحُونَ فيشَيْءٍ، بل تراهُم يسيرونَ بنفسِ المنهجِ القديم من دونِ أَيِّ تغييرٍ أَو تمييزٍ والقائمِ على قاعدةِ الإِستحواذِ لتحقيقِ المصالحِ الشخصيَّة.
يقولُ تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَاصَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ* فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
وعندما اشتكى بنو إِسرائيل لموسى (ع) ظُلم فِرعَون قال الله تعالى مُحدِّداً شرطَ الإِستبدال والتَّمكينُ بما يلي {قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّالْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ* قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِفَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.
وفي القرآن الكريم عدَّة صُوَر لأَقوامٍ تدَّعي وتُحاول أَن تُحمِّل رسولَها المسؤُولية فتطالبهُ برغباتِها، ولكنَّها تنقلبُ على كلِّ ما تقولهُ بمجرَّد أَن يستجيبَ الله لهُم.
مِن هؤُلاء قومٌ من بني إِسرائيل أَصرُّوا على نبيِّهم أَن يستأذِنَ ربَّهُ لقتالِ عدوِّهم، ولكنَّهم انقلبُوا على أَعقابهِم بمجرَّدِ أَن قَبِلَ النبيُّ دعوتهُم واستجابَ اللهُ طلبهُم.
يقولُ تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّاتُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}.
فعلى الرَّغمِ من قيامِ الأَسبابِ الوجيهةِ والموجِبة والشَّرعيَّةِ للقتالِ والتي ساقوها هم بأَنفُسهم لنبيِّ الله لإِقناعهِ بقَبولهِ، إِلَّا أَنَّهُم أَنفُسهُم تجاهلُوها عندما كُتِبَعليهمُ القِتال!.
آخرُون من قومِ نبيِّنا (ص) ظلُّوا يُلحُّونَ عليهِ لِيستأذنَ ربَّهُ بالقتالِ، ولكنَّهم ما أَن أُذِنَ لهُم إِنقلبُوا على أَنفسهِم!.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوارَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}.
إِنَّ مَن يقتنِعَ بأَمرٍ ثُمَّ لا يُقدمَ عليهِ لقليلٌ حظَّهُ من التَّمكينِ وأَسبابهِ وأَدواتهِ وتوقيتاتهِ!.
١٣ مايس [أَيَّار] ٢٠٢٠
لِلتَّواصُل؛
E_mail: nahaidar@hotmail.com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat