صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

الآثار العظيمة لحسن الظن بالله تعالى
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ذكرنا في مناسبة سابقة بأن التوكل على الله تعالى هو من عمل القلب وماعلى الجوارح إلاّ أن تمتثل لأوامر القلب فتتحرك وتعمل كما يأمرها وليس لها ان تتمرد أو أن ترفض الأوامر. عندما تعجز الأسباب ويحصل مالم يكن بالحسبان وعندما لانقدر على شيء مهما أوتينا من الأسباب لإنجازه وإتمامه فلابد أن نرجع إلى القادر السبحان الذي توكلنا عليه وفوضناه أمورنا لنستمد العون منه تعالى والمدد. هذا العمل القلبي مرتبط بعمل قلبي آخر وهو حسن الظن بالمولى الكبير المتعال ولايمكن الفصل بينهما وكما أشرنا سابقا بأنه لايمكن الفصل بين الصبر والتوكل"الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " كذلك لايمكن الفصل بين التوكل وحسن الظن بالله تعالى. الذي لايحسن الظن بالله سبحانه أنّى له ان يتوكل عليه، والذي لايحسن التوكل عليه أنّى له أن يصبر على قضاء الله وقدره وأمره بين عباده.. فالتوكل هو نتيجة حسن الظن بالحق سبحانه وتعالى. حسن الظن بالذي خلقنا ولم نك شيئا وأمدنا بكل مقومات الحياة وسخر لنا ما في السماوات وما في الأرض جميعا، وجعلنا ننطلق للحركة في الحياة بثقة كبيرة وطمأنينة أكبر، وقودنا لهذا الإنطلاق أو الإقلاع الآمن هو: "أنا عند ظن عبدي بي". ذلك ان مَن حّسن ظنه بالله تعالى بالمغفرة بعد ان تجاوز الحدود وترك الصلاة وعمل المنكر وتجاهر به سيعمل جاهدا ليبتعد عن المعصية وكل ما يبعده عن الخالق المنعم، ويتجنب كل ما يحول بينه وبين القرب والطاعة والزلفى من الحق عزوجل، راجيا بذلك رضاه وعفوه ومغفرته. أما من أساء الظن بخالقه فقد ساء قوله وقبح فعله وعمله، فالسيء لايبقى في القلب ولايمكث فيه بل يخرج الى الجوارح التي تنفذ الأوامر دون رفض او مماطلة، فيتمادى في الغيّ والمعصية فلا يستمع لموعظة ولايذعن لصوت الحق ولاتزجره إلاّ الزبانية ولات حين مندم. فلا حجة له ولامفر يومئذ، يوم يُسأل عما جناه فإن قال لاأعلم قيل له ولِم ماعلمت وهذه الأصوات والكلمات والمنابر ومن قبلهم الرسل والأنبياء والأولياء وأئمة الحق والصالحين والعلماء وسائر المؤمنين يحذروك من ان تلقى ربك وانت له عاصٍ ولغير جوده وكرمه متعرض وعن دعوته لك معرض متكبر مغرور وأن تلاقي ربك تعالى وانت في هذه أعمى وأصم. وإن قال علمت قيل له ولِم ماعملت؟! "يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ"

ومن حَسُن ظنه بالله تعالى فقد حسن قوله وفعله وكثر خيره وإحسانه فهو في وضع نفسي ممتاز لايعرف الكآبة  لأنه لايقنط من رحمة ربه ولايعرف اليأس والحزن ويؤمن إيمانا صادقا لالبس فيه ولاشك بأن الله يغفر الذنوب كلها جميعا فيعمل على هذه القاعدة. ليس معنى حسن الظن ان نتمادى في التمرد والمعصية وترك ما أمر الله به أن يوصل ونفسد في الأرض ونعمل مانهى الله عنه وأمر بتجنبه وبعد ذلك نحسن الظن بالله، هذا هو عين سوء الظن بالله فلا يُطاع الله من حيث يُعصى. ورد في الأخبار: "إن قوما ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ومالهم حسنة يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي.. وكذب، لو أحسن الظن لأحسن العمل. أو كالذي قال بعد أن سمع الآية الشريفة " يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ" قال: كرمك!!! بينما قال رسول الله عقب هذه الآية المباركة: "غره جهله". كنت في مقبرة للمسلمين في ستوكهولم مشيعا احد الصالحين الى مثواه الأخير فمرّ بنا صبي لوحده يتفحص القبور فظننت انه يبحث عن قبر قريب له ليترحم عليه ويرسل له مايحتاجه من الزاد بقراءة القرآن والدعاء بالمأثور، لكنه أقبل نحونا ووضع يديه على أذنيه وتلا الأيه الكريمة بصوت حزين وخاشع"يا أيها الإنسان ماغرّك بربك الكريم" فأجهش الجمع بالبكاء وقال بعضهم غرّنا الجهل والغفلة فعفوك اللهم عفوك.

ومَن حَسن ظنه حسن إيمانه بالله تعالى فهو على يقين راسخ بأن الله هو الغفّار لمن تاب وآمن فلا وجود للقنوط واليأس وماينتج عنهما من الكآبة في قلوب الذين يظنون بالله ظن السوء وحسبهم جزاؤهم من الله تعالى:" عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ" بينما الذين يظنون بالله خيرا لايخيب ظنهم مِن إصابة الخير الذي أملّوه من الله تعالى والفرج الذي انتظروه مِن كاشفِ الكُرَبِ العظام. العبد الذي وثق بما عند الله لايخيب ولايقنط. كيف يكون ذلك" وإن أقواما آمنوا بك بألسنتهم ليحقنوا دماءهم فأدركوا مااملّوا...". وأيّ خير سيصيب الذين آمنوا بقلوبهم وإعتقدته ضمائرهم ولهجت به ألسنتهم. خير عميم من لدن من بيده الخير كله. فحلاوة الإيمان في التوكل على الله وحسن الظن به والإعتماد عليه والإستعانة به. ومرارة العصيان في البعد عن الحق سبحانه وسوء الظن به، فكما أن حسن الظن هو من المنجيات فإن سوء الظن حتما من المهلكات. فمن ياترى سيسمح  له غداً بنطق: إلهي لقد احسنت الظن بك؟ لاأخرس الله إلسنتنا وإيّاكم ذلك اليوم ووقانا شره ولقّانا بكرمه نضرةً وسرورا.

سؤال في محله..

سألني أحد الأولاد: لماذا ياسيدي نكرر قراءة دعاء كميل كلّ ليلة جمعة وكذلك بقية الأذكار والأوراد؟ قلت: لتخشع قلوبنا وتتذكر مافعلناه خلال أسبوع من سوء الظن بالله تعالى وتجاوز بعض حدوده، وهناك امر مهم آخر وهو أن تعتاد ألسنتنا ياسيدي على هذه الكلمات المُنجية أملاً بنطقها يوم لاينطقون، أي نستودعها الله تعالى، كما ورد: "اللهم اني استودعك شهادة  ان لاإله إلاّ الله محمد رسول الله ص فلقني إياها عند الموت". أو أن يرحمنا الله بها في ذلك اليوم وإن لم ننطقها هناك تكرما منه وإحسانا. شاهدت بعض الصالحين يقرأ دعاء كميل كلّ ليلة ومنهم من يقرأ دعاء مجير في قنوته في ركعة الوتر. بالمناسبة ان خادمكم سألني ذلك السؤال عندما كنا في حرم المولى أبي عبد الله الحسين عليه السلام وكان هناك في الرواق ثلة من الأخيار يتوسطهم أحد الصالحين وهو يقرأ برفيع صوته بعض الأدعية عن ظهر غيب ـ لاأعرف ذلك الصالح ـ أظن ان اهالي كربلاء يعرفونه. كل يوم يجتمعون حوله ليبدأ بالتعقيبات الخاصة بصلاة الصبح: دعاء الصباح، دعاء العهد، دعاء الفرج، زيارة وارث وعاشوراء وغيرها من الأذكار الشريفة. أشرت لهذا الصالح وقلت لخادمكم: هذا المكان وهذه الأدعية والتوسل بالحسين عليه السلام ربما ستنجي هذه الصالح والذين معه بإذن الله تعالى يوم لاينطقون "فمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ". مَن حسن ظنه بالله تعالى كان من الناجين في الآخرة. وللتوضيح: حسن الظن هو عمل قلبي له آثاره في العمل والسلوك، فمن حسن ظنه بالله الغفار للذنوب العظام تراه يجتهد في التوبة ويطيل من الوقوف بين يدي الله مالك يوم الدين ليكشف كربه، وهل هناك كرب أشد من كرب المعصية والبعد عن منهج الله القويم، وهل هناك وحشة وكآبة وظلمة أشد من سوء الظن بالله تعالى الذي يدعونا ليغفر لنا!! لنقف طويلا ونتأمل عند هذا الحديث العجيب:

عن صادق العترة الطاهرة ع عن رسول الله ص: " إنَّ الله إذا حاسب الخلق يبقى رجل قد فضلت سيئاته على حسناته، فتأخذه الملائكة إلى النار وهو يلتفت، فيأمر الله برده، فيقول له: لِمَ إلتفت؟ ـ وهو تعالى أعلم به ـ فيقول: ياربِّ ما كان هذا ظنّي بك، فيقول الله تعالى: يا ملائكتي! وعزتي وجلالي وآلائي وعلوي وإرتفاع مكاني، ما ظنّ بي عبدي هذا ساعة من خير قط ، ولو ظنّ بي ساعة من خير ما وعدته بالنّار، أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنّة". ثمّ أضاف رسول الله ص: ليس من عبد يظنّ بالله عزوجل خيرا إلاّ كان عند ظنّه به وذلك قوله عزوجل: "وذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ". تفشعر الجلود والأبدان لهذا الكرم الرباني العظيم والرحمة الإلهية الواسعة. ما بالنا أيها السادة نندب حظنا ونبكي على حطام زائل  ودنيا فانية ولانتباكي عندما نجلس في حلقات الذكر والدعاء على ماإحتطبناه على ظهورنا من المعاصي. عجيب أمرنا نحن الذين ندعي التدين والإلتزام! نسمع ولا نتعظ وننقل الأحاديث ولانعمل ونذكّر غيرنا ونهمل أنفسنا وكأننا رواة أحاديث لاغير أو ان تكليفنا هو وعظ غيرنا لاغير. سألني أحد الأصدقاء يوما: كيف أصبحت سيدي؟ قلت: أصبحنا ياسيدي وقد كثر الواعظون وقلّ المتعظون!! الأدهى من ذلك هو  اننا نحسن لغيرنا ولانحسن لأنفسنا، إلفات الإخوان الى عيوبهم إحسانٌ ومعروف ـ عند العقلاء طبعاً ـ فكم من مخلص لغيره ومسيء لنفسه وكم من محب لسواه ومكره لنفسه ونفسه احق بالنجاة والفوز بالمغفرة والرحمة. يعتني أحدنا بجاره فلا يزعجه بالصخب والصراخ وفي المقابل لايعتني بنفسه ويعمل على نجاتها بذكر ربه فيصلي الواجب ويصون لسانه عن ذكر عورات إخوانه ويقلع عن النميمة والرياء والشبهة والغرور والتكبر وأكل أموال الناس بالباطل وشهادة الزور والإستقواء على المستضعفين والتنابز بالألقاب والتفاخر بالجاه والمنصب والأهل والأولاد والأموال.

حوار مع والدي..

حينما كنت طفلا صغيرا كنت أسمع كثيرا من بعض الطاعنين في السن عبارة: "راحت علينا". فكنت أتوجه إلى والدي رحمه الله ورحم والديكم وسائر أمواتكم: سيدي الكريم مامعنى قولهم (راحت علينا)؟ فكان جوابه: يعنون بها الدنيا. قلت: خيرها؟ فيجيبني: بل زخرفها ولهوها. قلت أيحزنون على شقاء تصرمت أيامه ولايفرحون ولايستبشرون بما آتيهم الله من فضله؟! قال: سيدي الكريم.. إن الذي يحسن الظن بالله تعالى سوف لن يفوته شيء اما الذي يسيء الظن بخالقه فيريد التشبث والبقاء طويلا ماأمكن لأنه لم يقدّم لليوم الآخر شيئا ولا أحسن الظن بالله غافر الذنب وقابل التوب. إذن التوكل على الله وحسن الظن به من المنجيات في الدنيا والآخرة.

الأعرابي المريض..

مرض اعرابي فقال له الطبيب: إنك ستموت. فقال: ثم إلى اين سأذهب؟

قال: إلى الله. فقال: ماكراهتي أن أذهب إلى من لا أرى الخير إلاّ منه؟

واحتضر آخر فقالوا له: ما ترى الله فاعلا بك؟

فقال: لقد أكرمني وأنا في داري، فلن يكون اقل كرما وانا في داره.

والآن سيدي الكريم..

إذا لم يدعك صديق حميم لك إلى مأدبة بمناسبة زفاف إبنه البِكر وقد وجه بطاقات دعوة لجميع الأصدقاء والمعارف وحتى لبعض الأصدقاء الذين ليسوا بأقرب منزلة منك إليه. كيف سيكون تصرفك وظنك بهذا الصديق العزيز؟ بماذا ستفكر؟ هل تحسبها إهانة وسوء خلق ونكران جميل منه؟ أم أنك سوف تحسن الظن بصديقك وتلتمس له عذرا؟! هذه أسئلة تتطلب إجابة قلبية وليست شفوية، بمعنى: بينك بين الله أو بعبارة ابلغ بيننا بين الله ان نجيب انفسنا بصراحة وصدق... سؤال لنا جميعا؟؟؟ هل نحسن الظن بمن سبقت افضاله علينا وتقدّم معروفه واحسن إلينا؟! أم أننا نتذمر وننفعل ولانتجنب كثيرا من الظن الذي امرنا به الله عزوجل ونقع في دائرة الإثم وظن السوء أكرمكم الله.

النتيجة النهائية بإختصار شديد: الذي لايحسن الظن مع الخالق كيف يحسن الظن مع المخلوق.

 

نسأل الله العافية


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/07/15



كتابة تعليق لموضوع : الآثار العظيمة لحسن الظن بالله تعالى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net