صفحة الكاتب : الشيخ صادق الحاج احمد الدجيلي

هدايات مفصلة في اية المباهلة
الشيخ صادق الحاج احمد الدجيلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
((ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ))
البقرة 2
قال تعالى في كتابه العزيز  
(( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكاذِبِينَ))
 ال عمران 61
‏أجمع المسلمون على أن سبب نزول هذه الآية هو أن نصارى نجران قالوا ان عيسى (عليه السلام) هو أحد الأقانيم الثلاثة وذلك بحسب دليل عندهم، وهو انه ولد من غير أب!
 والأقنوم لفظ سرياني يستعمله النصارى ومعناه بالعربية الأصل.
مجمع البحرين ج3 ص 553

فأجابهم النبي (صلى الله عليه وآله) وأبطل حجتهم الا أنهم لم يقتنعوا بذلك،
 فدعاهم (صلى الله عليه واله) إلى المباهلة وأخرج معه علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام)، فأحجم النصارى وامتنعوا عن المباهلة!
 روى ذلك مسلم في صحيحه ج6 ص 12 والترمذي في سننه ج5 ص 50 ‏
والطبري في تفسيره ج3 ص 212 
والطبرسي في المجمع ج2 ص 309.

 ونجران الان: مدينة تقع في الجزء الجنوبي الغربي من المملكة العربية السعودية ، 
ومعنى نجران : خشبة يدار عليها ريتاج الباب، والرتاج: هو اطار الباب . 
وقيل أنها سميت بنجران ؛ لأن أول من نزلها وعمرها شخص يدعى نجران ابن زيدان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
معجم البلدان ج5 ص266

الهِدايات
أولا:-  ‏((فمن حاجك)) : حاجّك أي حاججك من المحاججة و المحاجج، هو المناقش الذي يطلب الدليل والحجة والبرهان،
 قال تعالى ((الم تر الي الذي حاج إبراهيم في ربه)) البقرة 258
 لقد قدم نصارى نجران  دليلا يظنون انه حجة على دعواهم وهي : كون عيسى ابن مريم (عليه السلام) ابنُ الله ، والعياذ بالله،
والدليل ‏الذي قدموه هو تكونه من غير أب،
وهذا في حقيقته جهل؛ حيث عدوا ما ليس بدليل دليلاً وما ليسا بحجة حجة،
 فأجابهم النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) بالآية الكريمة وهي قوله تعالى 
((إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن  )) آل عمران 59 
فخلقُ آدم (عليه السلام) وطريقة وتكونه ادحض لحجتهم؛ حيث انه خلق ‏من غير أب و من غير أم أيضا ، فلو كانت دعواهم حجة لكان الأحق هو كون آدم (عليه السلام) هو ابن الله وليس عيسى ( عليه السلام)؛ لانه خلقه من غير أب وأم، بينما عيسى (عليه السلام) خلقه من أم.
ثانيا:- معنى المباهلة في اللغة من البهل، بمعنى تخلية الشيء وتركه غير مراعى ، 
ذكر ذلك الراغب في المفردات،
مفردات غريب القرآن ص 63
 وهو بمعنى ترك الشخص بحاله وايكاله الى نفسه، وهذا يعني الطرد من رحمة الله عز وجل، فالإنسان لا يستطيع أن يستقيم ‏أو يهتدي إذا اوكله الله الى نفسه،
وعلى هذا روي في الدعاء: (ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا) الكافي ج2 ص524
 و روي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)  في نهج البلاغة ( إن ابغض الخلائق إلى الله رجلان : رجل وكله الله إلى نفسه..) نهج البلاغة ج1 ص51
 وذُكر هذا المعنى في محاضرات في الاعتقادات، السيد علي الميلاني ج1ص36.

‏ثالثا:- المباهلة استئصال للجميع
وذلك يفهم من خلال طلب النبي (صلى الله عليه وآله) من الله تعالى استأصال جميع الكفار والمعاندين.
إن قلت:- من أين استفدت هذا المعنى، أي استأصال الجميع،؟
 قلت:- ذلك يفهم من خلال إخراج النبي (صلى الله عليه وآله) للأبناء والنساء والانفس ؛ حيث انه بهلاك هؤلاء لا تبقى باقية لهذا الجمع.
 ذكر ذلك السيد العلامة الطبطبائي في الميزان ج 3 ص 223 .

رابعا:- يوم المباهلة قولاً و فعلاً من الله تعالى، بلسان النبي (صلى الله عليه واله) وذلك يكشف عن مكانة ومنزلة النبي (صلى الله عليه وآله) وهو ان قوله وفعله إنما هو عن الله تبارك وتعالى، كما هو ما فاد الآية الكريمة (( وما ينطق عن الهوى 💠 أن هو الا وحي يوحى))  النجم آية 3 و 4

 خامسا:-  ان الله تبارك وتعالى عيّن الكيفية فقال: أدع الأبناء والنساء والأنفس ، و اوكل الى نبيه الكريم ( صلى الله عليه واله) الاختيار وذلك لمعرفة النبي (صلى الله عليه وآله) بتشخيص الفرد المناسب الذي يتطابق مع ارادة الله تعالى، وقل بعبارة مختصرة كان  لله عز وجل بيان الكبرى ، وكان للنبي (صلى الله عليه وآله) اختيار الصغرى، وعلى ذلك نجد في الكتاب العزيز آيات مفادها ايكال الله تعالى الاختيار إلى النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) كقوله تعالى ((وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا)) النساء 63
واية أخرى (( فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين  )) الحجر 94
بمعنى أجهر بالامر الإلهي فصله للناس،
فهذه الآيات تكشف عن ان الله تعالى أوكل الاختيار للنبي (صلى الله عليه وآله).

سادسا:- هذه الأيات تعلمنا أن النبي وأهل بيته (صلى الله عليه وعلى اله) يستطيعون أن يخصموا الموقف لصالحهم في كل مكان وزمان، ولكنهم لا يفعلون الا ما يرضي الله عز وجل ، وان ارادتهم في طول ارادة الله عز وجل لا في عرضها.

سابعا:- الابتهال مصدره ابتهل وابتهل بمعنى الدعاء بتضرع، والتضرع مصدره ضرع بمعنى الدنو ، وعلى ذلك يقال ضرع الرضيع أي تناول ضرع أمه .
فيكون النبي ( صلى الله عليه واله ) قد تقرب إلى الله تعالى بما يحب اللهُ ويريد ، ولا يوجد أقرب إلى الله تعالى من محمد وآل محمد (عليه واله الصلاة والسلام) ، قال تعالى ((قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي)) الشورى 23

‏ثامنا:- الابتهال بمعنى الاسترسأل بالدعاء، وهنا جاء بعد ذكر الابتهال اللعن مباشرة، بمعنى إيصال اللعن بالدعاء فما أن يتم دعائه وتضرعه حتى ينزل البلاء ويستأصل أهل العناد والضلال،
 وهذا ما قاله النبي (صلى الله عليه وآله) (والذي نفسي بيده أن الهلاك قد تجلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولأضطرم عليهم الوادي نارا ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا) 
مجمع البحرين ج2 ص284

‏تاسعا:- اليقين بحتمية النتيجة 
وهذا هو الاعتقاد الحق بقدرة الله عز وجل وحتمية تحقق إرادته حيث يقول ((ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الظالمين))‬‬ ال عمران 61‬‬
 أي أنه متيقن وأمطمئن تماماً ن اللعنة ستنزل على الكاذبين،
 وهنا يتضح مدى اليقين والرفعة التي كان عليها سيد الكائنات (صلى الله عليه وآله)

عاشرا:-  لماذا قال: ((فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم))  ولم يقل (بعد ما جاءك العلم)؟
وجوابه هو ان (من) هنا تفيد التبعيض،
 والابتهالُ ونتيجته هو جزء من علم الله تبارك وتعالى وهو داخل تحت علم (كن فيكون)
 قال تعالى: ((إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)) يس 82
 الله عز وجل يعطي لعبده ووليه ونبيه (صلى الله عليه وآله) شيئا من هذا العلم أي علم (كن فيكون) ، بحسب حكمته وإرادته، و قال تعالى: ((وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)) الانفال 17
و قال عزمن قائل: (( وإبراء الاكمه والأبرص وأحيي الموتى )) ال عمران 49
فهناك علم إلهي عام ، يعطي سبحانه وتعالى شيئا منه لوليه ونبيه (صلى الله عليه و اله)،
اذن قال ( من العلم ) بهذا الاعتبار ، وهو انه الله تعالى يعطي بعضا من علمه لانبيائه واوليائه.

 احد عشر:- الآية تكشف عما لهذه النفوس المقدسة من منزلة وقرب إلى الله تعالى، حيث انه سبحانه وتعالى يستجيب بهم الدعاء وينزل بهم البلاء على العصاة والمعاندين، فهم إذن الاليق والأفضل والأكمل لاعتلاء منصب الإمامة وقيادة الأمة.

اثنى عشر:- لماذا عبر عن الزهراء (عليها السلام) بالنساء ولم يعبر عنها بالبنت؟
 نسوة جمع مرأة وهو جمع قلة ، ونساء جمع نسوة وهو جمع كثرة ، 
((وقال نسوة في المدينة )) يوسف 30 ،
أي عدد قليل من النساء ،
والمرأة تشمل جميع أشكال النساء الصالحات والطالحات والمؤمنات والكافرات والمؤدبات والصليطات وهكذا.
قال تعالى ((وقالت امرأت فرعون)) القصص 9
و قال أيضا ((قالت امرأة العزيز)) يوسف 51
(( قالت امرأت عمران )) ال عمران 35.

 ويقال للمرأة زوجة إذا كانت العلاقة جيدة وهناك انسجام بين الرجل وزوجته ،
وتكتب امرأة مرة بالتاء الطويلة وأخرى باالمربوطة ، والفرق هو ان المربوطة تكتب في حال النكرة واما الطويلة فتكتب في حال المعرفة.
ويقال للمرأة صاحبة عند انقطاع العلاقة الفكرية والبدنية بين الزوجين،
‏قال تعالى ((يوم يفر المرء من أخيه 💠 وأميه وأبيه 💠 وصاحبته وبنيه)) عبس الايات 34 و 35 و 36
 فعبر بالصاحبة لانقطاع العلاقة وانفصالها ولشدة أهوال القيامة .
فالزهراء (عليها السلام) عبر عنها بالنساء إشارة إلى رفعتها وعظماتها حيث اختزل كل النساء بشخصها (عليها السلام) فهي (عليها السلام) أم وبنت النبي ( صلى الله عليه واله ) فكانت تكنى بأم ابيها ، مقاتل الطلبيين ص29
 وهي زوجة للولي ( عليه السلام) وهي ايضا ام للاولياء الاوصياء (عليهم السلام) .

‏إن قلت: انه سبحانه وتعالى استعمل هذا التعبير في زوجات النبي (صلى الله عليه وآله) حيث قال ((يا نساء النبي لستن كأحد من النساء)) الأحزاب 32 
قلت: هذا التعبير (أي التعبير بالنساء) إنما هو بشرط الصلاح فالتعبير بلفظ النساء يطلق في حال كونهن متقيات أي بشرط التقوى والصلاح،
إذن النساء في هذه الآية لا يقصد منها مطلق النساء ، بل جاء التعبير بلفظ النساء وأن لهن هذه المنزلة إن كن متقيات،
‏فهذه الآية ((يا نساء النبي)) واية المباهلة من وادٍ واحد ،  وهو أن التعبير بالنساء انما جاء لأجل الإشارة إلى المتقيات منهن ، فنسبة النساء الى النبي (صلى الله عليه واله ) انما يكون بشرط تقواهن ، واما مع عدم التقوى فلا.

ثلاثة عشر:- حينما نريد أن نحاجج ونناقش الامم الأخرى ونقدم لهم الدليل الناصع والواضح والقوي ونلزمهم بما نقوله وندعيه، فإننا نقدم اشرف الخلق وأفضلهم،
‏والقدوة الصالحة للإنسانية جميعا وهم : محمد وآل محمد (صلوات الله وسلام عليهم) وليس كل إنسان أو كل صحابي كما يدعي غيرنا.

أربعة عشر:- ‏اللعن يعني الطرد والأبعاد من رحمة الله على سبيل السخط ،
((ألا لعنة الله على الظالمين)) هود 18
وهذا يعني أن أعداء أهل البيت مطرودون من رحمة الله ، ولذا ورد في زيارة عاشوراء (اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلك) ،
 إذن رضا الله تعالى والقرب منه يكون بلعن أعداء أهل البيت (عليهم السلام) وبغضهم وعدم موالاتهم والتبري منهم في الدنيا والاخرة ، كما جاء في الفاظ زيارة الاربعين ( معكم معكم لا مع عدوكم ).
 وكذلك هي النتيجة الحتمية في الآخرة ((فريق في الجنة وفريق في السعير)) الشورى 7
خمسة عشر:- ‏قلنا أن اللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى وهو لازمُ الظلم، بمعنى ان من يتعرض للعن إنما هو بسبب ظلمه وبسبب ما اقترفت يداه وما التزمه من ظلم تجاه نفسه أو تجاه الآخرين .
وظلمه: بمعنى جار عليه ولم ينصفه، وكذلك بمعنى وضع الشيء في غير موضعه،
‏والنصارى لعنوا لأنهم ظلموا الله تعالى حينما قالوا بأن لله ولدا، وظلموا النبي (صلى الله عليه) وآله وأهل بيته (عليهم السلام) حينما قرنوا بينهم وبين هذه النفوس المقدسة ، 
وهذا درس عظيم للأمة بأن لا تقرنوا  ولاتساوا أحدا بمحمد واله (صلوات الله وسلام عليهم) ؛ لان في ذلك ظلم لهم ،لانه لا يقرن ولا يساوى بهم أحدا.

ستة عشر:-  تقديم وعرض الإسلام لكل شعوب العالم بشكل كامل وبمنظومة متكاملة متمثلة بمحمد وال محمد (عليهم الصلاة والسلام)  قال تعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)) المائدة 3
 فالإسلام المتكامل التام والمرضي للناس عند الله انما هو الإسلام المقرون بولاية محمد واهل بيته (عليهم الصلاة والسلام).

سبعة عشر:- ‏نحن نرى خمسة ذوات مقدسة، ولكنهم في حقيقتهم واحد ،
(أولنا محمد أوسطنا محمد اخرنا محمد وكلنا محمد)
 الغيبة النعماني ص 88 و بحار الأنوار ج 26 ص6
 ولهذا نرى أنه عبر بأبنائنا وبنسائنا و بأنفسنا وذلك باستعمال الضمر نا، فهم جميعهم (صلوات الله عليهم) في حقيقتهم حقيقة واحدة وإن كان ظاهرهم هو التعدد.

  ثمانية عشر:- محمد وال محمد (صلوات الله عليهم) كما أنهم مصدر البركة والعطاء والفيض الإلهي، كما نقرأ ذلك في الزيارة الجامعة (السلام عليكم يا محال معرفة الله ومساكن بركة الله )، فهم كذلك محال انتقام الله ونزول عذابه فإننا نقرأ في الزيارة الجامعة أيضا (من أحبهم فقد أحب الله ومن ابغضهم فقد ابغض الله ، سعُد من والاكم وهلك من عادكم وخاب من جحدكم ، من جحدكم كافر ومن حاربكم مشرك ومن رد عليكم ففي آسفل درك من الجحيم) .

تسعة عشر:- ‏كل من لم يعرفهم ولم يؤمن بهم فهو ظالم لهم، فهؤلاء النصارى جعلوا أنفسهم في دائرة الظلم لهم، وذلك بأنكار نبوة النبي محمد (صلى الله عليه واله) وولايته التي هي ولاية اهل بيته (عليهم السلام)، وانكار سادات البشرية و أقرب الخلق إلى الخالق، فالآية تكشف عن نحو من الالزام بمعرفتهم (عليهم الصلاة والسلام) والقرب منهم ، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال:  (نحن باب الله الذي يؤتى منه، بنا يهتدي المهتدون)، الكافي ج واحد ص 32 
وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال : ( ‏إن الله تبارك وتعالى لو شاء لعرف العباد نفسه ، ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله والوجه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا او فضل علينا غيرنا فإنهم على الصراط لناكبون ، فلا سواء من اعتصم الناس به ولا سواء حيث ذهبت الناس الى عيون كدرة، يفرغ بعضها في بعض، و ذهب من ذهب إلينا الى عيون صافية تجري بأمر ربها لا نفاد لها ولا انقطاع ) ، الكافي ج1 ص184

عشرين:- مسألة الاقتداء واتخاذ المثل الأعلى مسألة فطرية يبحث عنها الإنسان في كل زمان ومكان ، و أفضل و أكمل الامثال العليا هم محمد وال محمد (عليهم الصلاة والسلام) فيجب اتخاذهم أسوة وقادة وأمثال عليا والاقتداء بهم في جميع مفاصل الحياة، الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والسياسية والعسكرية وغيرها،

واحد وعشرين:- ‏عناصر الافتخار عند النصارى ثلاثة:
 الإبن عيسى ابن مريم (عليه السلام) و الأم مريم بنت عمران (عليه السلام) و الحواريون اصحاب عيسى (عليه السلام) فأجابت هذه الآية المباركة على قولهم بأن الزهراء (عليها السلام) أفضل من مريم (عليها السلام) و أن الأبناء الحسن والحسين (عليهم السلام) أفضل من عيسى (عليه السلام) وان علي (عليه السلام) أفضل من الحواريين مجتمعين،ومن أراد النفصيل فلدينا بحث مستقل عن فضل الزهراء والحسن والحسين( عليهم السلام ) على مريم وابنها عيسى ( عليهما السلام ).

اثنين وعشرين:- ‏ما ادعيتموه أيها النصارى من بنوة عيسى (عليه السلام) لله سبحانه وتعالى باطل وغير صحيح بل هذا جهل وظلم لله عز وجل و أن البنوة الصائبة والصحيحة هي بنوة الحسن والحسين (عليهم السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله) وليست بنوة عيسى (عليه السلام) لله عز وجل.

ثلاثة وعشرين :- ‏تعلمنا الآية المباركة الالتجاء إلى القوي القادر في كل شيء ؛ لأن الإنسان ضعيف قال تعالى ((وخلق الإنسان ضعيفا)) النساء 28 
فيحكم العقل بالرجوع إلى الله و الالتجاء اليه تعالى ليستمد الإنسان منه قوته وشجاعة، ولذا ورد في دعاء يستشير (أنت المعطي وأنا السائل أنت القوي وأنا الضعيف أنت العزيز وأنا الذليل)

أربعة وعشرين:- ‏الحاكم بيننا وبينكم أيها النصارى هو الله سبحانه وتعالى ((افحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)) المائدة 50 
وعند الرجوع إلى الله في الحكم تكون هناك سرعة في الحساب والجزاء في المنازعات ((ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق الا له الحكم وهو أسرع الحاسبين)) الانعام 62
وفي اية المباهلة رجوع في الحكم بين النبي (صلى الله عليه واله ) وبين النصارى الى الله تعالى،  فكان هناك طلب للسرعة في انزال الحكم حيث قال تعالى (( ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين )) فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) : (والذي نفسي بيده أن الهلاك قد تجلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولأضطرم عليهم الوادي نارا ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا) 
مجمع البحرين ج2 ص284
وهذا فيه دلالة على سرعة انزال العقوبة بهم ، فتعلمنا هذه الاية الكريمة بأن الحاكم في الخلافات و المنازعات هو الله سبحانه وتعالى وكذا من أوكل الله عز وجل إليه فض النزاعات والخلافات وهو النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) قال تعالى ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)) النساء 65

خمسة وعشرين:- ‏عبر عن الحسن والحسين (عليهما السلام) بالأبناء لأن الإبن بناء الاب، فالأب هو الذي يبني الإبن أي يوجده ويربيه، وينصرف الأبن للذكر لأنه بناء للاب وليس للأنثى ؛ لأن الأنثى تبني لزوجها وليس لأبيها،
 إن قلت:-  لماذا عبر عنهم بالأبناء ولم يقول الأولاد؟
 قلت: الولد من الولادة والولادة بمعنى الإخراج و الحدوث وهو شامل ذكر والأنثى، ‏ولو عبر بالولد لفات معنى البناء ودقته في لفظ الأبناء.
 إذن الحسن والحسين (عليهم السلام) هم يثبتون بناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل لولاهم لما بقي بناء الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) وهذا ما يستبطئنه حديث النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) : (حسين مني وأنا من حسين)، بحار الانوار ج43 ص261
 وحديث الأمام الحسين (عليه السلام) : ( ما خرجت اشرا ولا بطرا ولا مفسدا انما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي رسول الله ) بحار الانوار ج44 ص329
‏وأن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو الذي يتم هذا البناء بأكمل صورة وأبهى طلعة ؛ حيث يملؤها قسطا وعدلا بعد أن ملأت ظلما وجورا،  فهو الذي يختتم البناء الكامل ، ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)) المائدة 3
 وذلك بولاية الائمة (عليهم السلام) بمصادقيهم الأثني عشر ، اولهم علي وآخر المهدي (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
ستة وعشرين:- ‏تقديم الأبناء ثم النساء ثم الانفس ، وذلك لنكتة بلا غاية تربوية وهي أن الإنسان يدافع ويحمي الأضعف، والأضعف هم الأبناء فيحميهم ويدافع عنهم ويحافظ عليهم ثم من بعد ذلك النساء لانها أقوى من الأطفال فلذلك ثنى بها ، ثم من بعد ذلك يأتي الحفاظ على النفس ، بل أن النفس تفدى في سبيل الأبناء والنساء ، في سبيل الأم والزوجة والبنت والأخت.

سبعة وعشرين:- ‏لماذا كان هناك تعدد في الاصناف المدعوة للمباهلة والاحتجاج، ولماذا عطف بينها بالواو الذي يقتضي المغايرة بين تلك الأصناف؟
والجواب: أن هذا يكشف عن نكتة دقيقة وهي أن الاحتجاج بأي صنف من ذلك المجموع احتجاج تام ومحقق للنتائج المرجوة ؛ لأن كل صنف من تلك الاصناف تمام الاهلية لتحقيق البرهان والحجة، فلو تمت المباهلة من خلال لأبناء او النساء او الآنفس ‏لجاءت النتائج واحدة، وهي الظفر والفوز ودحض حجة الخصم ؛ لأجل تمامية الأهلية في كل صنف على حدة كما ذكرنا ؛ وإنما دعى مجموع الاصناف لكون ذلك أبلغ وآكد في الاحتجاج ، 
ان قلت:- كيف يكون هناك تغايرفي تلك الأصناف مع انهم (صلوات الله وسلامة عليهم) ذوات واحدة كما ذكرتم في النقطة السابعة عشر ؟
قلت : ان كونهم واحد ذلك باعتبار حقيقتهم كما هو مفاد حديث امير المؤمنين (عليه السلام) آنف الذكر حيث قال ( وكلنا واحد) ، أما التغاير فهو باعتبار الظاهر لا باعتبار الحقيقة ، ومما يدل على ذلك بالإضافة الى الحديث،  ما تقدم أيضا وهو ان الحجة قائمة بكل صنف على حدة ، وهذا يكشف عن وحدتهم بلحاظ الحقيقةً لا بلحاظ الظاهر.

ثمانية وعشرين:- ‏لماذا وردة الفاظ الأبناء والنساء والانفس بالجمع ؟
ذلك لأجل أن يبين أن اشرف وأفضل وأكمل الأبناء على مر التاريخ بل وقدوة الأبناء على جميع مراحل الحياة هم الحسن والحسين (عليهم السلام) وأن اكمل النساء و أفضلهن هي الحوراء الأنسية سيدة العوالم فاطمة الراضية المرضية (عليها السلام) وان اكمل وأشرف وأرفع الإخوان والأصحاب والأرحام والأقارب هو علي بن أبي طالب (عليه السلام).

تسعة وعشرين :- ‏لماذا عبر عن علي (عليه السلام) بالنفس؟
 ذلك لأن النفس هي المدبر لشؤون الجسم والبدن وهي المحافظة عليه والمدافعة عنه، وعلى ذلك يعبر عن الدم بأنه نفس، فنقول (ذو نفس سائلة)؛ لأن الدم هو الموقوم لحياة الجسد  ولولاه لما بقيت الحياة لذلك الجسد ، ومن هذا نفهم انه عبر عن علي (عليه السلام) بالنفس لأن به قوام الإسلام وبولايته كمال الدين ، وبه كان الدفاع والحفاظ على هذا الدين العظيم ، ومن عدة جهات ، كالجهاد والعلم والحكمة وغير ذلك.

ثلاثين :- ‏عبر بالآية ((تعالوا)) ومعنى تعال: اي اقترب،
 كأنما يريد أن يقول للنصارى: أنتم تدعون انكم الأقرب إلى الله! 
وأنا أقول: إنني واهل بيتي أقرب إلى الله تعالى، فالحكم الفاصل بيننا في تحديد ذلك هو الله تعالى.

واحد وثلاثين:- ‏مع تبديل المواقع للاصناف المدعوة للمباهلة تكون النتيجة واحدة،  فالزهراء (عليها السلام) نفس النبي (صلى الله عليه وآله) وبضعته وروحه التي بين جنبيه، والحسن والحسين (عليهم السلام) كذلك (الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا) مناقب ال ابي طالب ج3 ص154
وكذلك علي (عليه السلام) نفسه أيضا كما هو مفاد تطبيق اية المباهلة ، ولذلك إضافهم إلى ضمير المتكلم فقال ابنأنا نسائنا انفسنا، فهي نفس واحدة تتجلي في كل لي مرة بصورة معينة ، النفس المحمدية والنفس العلوية والنفس الفاطمية والنفس الحسنية والنفس الحسينية ، ‏فانظر إلى دقة القرآن الكريم حيث يجعل الامر بين الأبناء و بين الانفس، وعلى ذلك نقرأ في الزيارة الجامعة (إن أرواحكم وأنواركم و طينتكم واحدة طابت وطهرت بعضكم من بعض).

اثنين وثلاثين:- ‏الإعلام في أمر الولاية وإبرازها للناس، وهذا ما ينسجم مع آية المودة ((قل لا أسألكم أجرا إلا المودة في القربي)) الشورى 23، 
وهذا دليل على الشعائر وكيفية إظهاريها ، وهذا من عظيم شعائر الله التي هي من تقوى القلوب، فلابد أن يكون الولاء لمحمد وآله (صلى الله عليه وآله) حسياً بتعظيم ظاهري ملموس ومحسوس وليس قلبيا نفسيا فقط.


والحمد لله رب العالمين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ صادق الحاج احمد الدجيلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/08/15



كتابة تعليق لموضوع : هدايات مفصلة في اية المباهلة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net