صفحة الكاتب : صبيح الكعبي

في رحاب القرآن
صبيح الكعبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

(َيسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) صدق الله العلي العظيم . وردت روايات كثيرة عن تفسير هذه الآية الكريمة في سبب نزولها ومعناها وقد بحثنا في العديد من تفاسير القرآن , فوجدنا ان اكثر التفاسير مع جل الاحترام والتقدير ذهبت بعيدا عن معناها الحقيقي كونها اعتمدت ظاهر القول ولم تتطرق لباطنه وتغور بعيدا في اعماق الآية الكريمة , ولنقف معا على حقيقة التفسير والبعد الإيمانية والعقائدية لها والمغزى من نزولها وتفسيرها , قال المفسرون لنكون على بينة من امرنا ونسلك الطريق المستقيم لما اراد الخالق سبحانه وتعالى منا بالتدبر في آياته وتفسيرها بالشكل الصحيح والعلمي لأن الاهواء والمؤثرات وعدم العلمية تؤدي بنا الى الهلاك , وقد خص سبحانه وتعالى عباده المقربين بأن التفسير للقرآن مذكور في هذه الآية الكريمة (وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا )وبهذا نبين حقيقة غائبة عن البعض في رحاب( لا خير في قراءة بدون تدبر ولا عبادة بدون تفقه ) , حتى تتوضح مصداقية الرسالة ومغزى مبعثها وفهم اسرارها لأننا نذهب بعيدا عن الصواب تحت ظروف وعقد وهذا يؤدي بنا الى نار جهنم وبئس القرار , الغاية ان نتعلم ديننا ومفاتيحه وابوابه قبل ان نلج الى نار حامية لا تبقي ولتذر, علُنا نصيب كبد الحقيقة ونتقي نارا وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين والعياذ بالله (في تفسير الطبري: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظُهورها ولكنّ البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها "، وأنّ رجالا من أهل المدينة كانوا إذا خاف أحدُهم من عَدوِّه شيئا أحرم فأمِن، فإذا أحرم لم يلج من باب بيته واتخذ نَقبا من ظَهر بيته. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كان بها رجلٌ محرم كذلك - وأنّ أهل المدينة كانوا يُسمُّون البستان " الحُشّ" - وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دَخل بُستانًا، فدخله من بابه، ودخل معه ذلك المحرم، فناداه رجلٌ من ورائه: يا فلان، إنك محرم وقد دخلت! فقال: أنا أحمس! فقال: يا رسول الله، إن كنت محرما فأنا محرم، وإن كنت أحمسَ فأنا أحمسُ! فأنـزل الله تعالى ذكره: " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظُهورها "، إلى آخر الآية، فأحل الله للمؤمنين أن يدخلوا من أبوابها.
عن ابن عباس قال العوفي عن ابن عباس : سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهلة ، فنزلت هذه الآية : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس [ والحج ] ) يعلمون بها حل دينهم ، وعدة نسائهم ، ووقت حجهم وقال أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : بلغنا أنهم قالوا يا رسول الله ، لم خلقت الأهلة ؟ فأنزل الله ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس) يقول جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم ، وعدة نسائهم ، ومحل دينهم . وكذا روي عن عطاء ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، والربيع بن أنس ، نحو ذلك .
مواقيتَ لكم ولغيركم من بني آدم في معايشهم، ترقبون بزيادتها ونقصانها ومحاقِها واستسرارها وهلالكم إياها، أوقات حَلّ ديونكم، وانقضاء مدة إجارة من استأجرتموه، وتصرُّم عدة نسائكم، ووقت صومكم وإفطاركم، فجعلها مواقيت للناس. وأما قوله " والحج "، فإنه جعلها أيضًا ميقاتًا لحجكم، تعرفون بها وقت مناسككم وحَجكم. الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ يسألونك عن الأهلة ﴾ سأل معاذ بن جبلٍ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن زيادة القمر ونقصانه فأنزل الله تعالى: ﴿ يسألونك عن الأهلة ﴾ وهي جمع هلال ﴿ قل هي مواقيت للناس والحج ﴾ أخبر الله عنه أنَّ الحكمة في زيادته ونقصانه زوال الالتباس عن أوقات النَّاس فِي حجِّهم ومَحِلِّ دُيونِهم وعِدَدِ نسائهم وأجور أُجرائهم ومُدَد حواملهم وغير ذلك ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا ﴾ كان الرَّجل في الجاهلية إذا أحرم نقب من بيته نقباً من مؤخره يدخل فيه ويخرج فأمرهم الله بتر ك سنَّة الجاهليَّة وأعلمهم أنَّ ذلك ليس ببرٍّ ﴿ ولكن البرَّ ﴾ برُّ ﴿ من اتقى ﴾ مخالفةَ الله ﴿ وأتوا البيوت من أبوابها ﴾ وذهب ابن كثير والجلالين والبغوي بكتابه معالم التنزيل في تفسير قوله تعالى نفس المعنى الذي ذهبوا اليه في ظاهر الاية الكريمة

وجاء في تفسير الميزان / الجزء الثاني

 

في الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن ابي حاتم عن ابن عباس قال : سأل الناس رسول الله ( صلى الله عليه وآلة وسلم ) عن الاهلة فنزلت هذه الآية ( يسئلونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس ) يعلمون بها أجل دينهم وعدة نسائهم ووقت حجهم.
أقول : وروى هذا المعنى فيه بطرق أخر عن ابي العالية وقتادة وغيرهما ، وروي أيضا أن بعضهم سأل النبي ( صلى الله عليه وآلة وسلم ) عن حالات القمر المختلفة فنزلت الآية، وهذا هو الذي ذكرنا آنفا انه مخالف لظاهر الآية فلا عبرة به.
وفي الدر المنثور أيضا : أخرج وكيع ، والبخاري ، وابن جرير عن البراء : كانوا إذا أحرموا في الجاهلية دخلوا البيت من ظهره فأنزل الله : وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها.
وفي الدر المنثور أيضا اخرج ابن ابي حاتم والحاكم وصححه عن جابر قال : كانت قريش تدعى الحمس وكانوا يدخلون من الابواب في الاحرام وكانت الانصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الاحرام فبينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الانصاري فقالوا : يا رسول الله إن قطبة بن عامر رجل فاجر وإنه خرج معك من الباب فقال له : ما حملك على ما فعلت قال : رأيتك فعلته ففعلته كما فعلت قال : إني رجل أحمس قال : فإن ديني دينك فأنزل الله ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها.
اقول : وقد روي قريبا من هذا المعنى بطرق أخرى ، والحمس جمع أحمس كحمر وأحمر من الحماسة وهي الشدة سميت به قريش لشدتهم في امر دينهم أو لصلابتهم وشدة باسهم.
وظاهر الرواية ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان قد أمضى قبل الواقعة الدخول من ظهور البيوت لغير قريش ولذا عاتبه بقوله : ما حملك على ما صنعت ( الخ) ، وعلى هذا فتكون الآية من الآيات الناسخة ، وهي تنسخ حكما مشرعا من غير آية هذا ، ولكنك قد عرفت ان الآية تنافيه حيث تقول : ليس البر بأن تأتوا ، وحاشا الله سبحانه ان يشرع هو أو رسوله بأمره حكما من الاحكام ثم يذمه أو يقبحه وينسخه بعد ذلك وهو ظاهر.وفي محاسن البرقي عن الباقر ( عليه السلام ) في قوله تعالى : وأتوا البيوت من أبوابها قال يعني ان يأتي الامر من وجهه أي الامور كان. وفي الكافي عن الصادق ( عليه السلام ) : الاوصياء هم أبواب الله التي منها يؤتي ولولاهم ما عرف الله عز وجل وبهم احتج الله تبارك وتعالى على خلقه. أقول : الرواية من الجري وبيان لمصداق من مصاديق الآية بالمعنى الذي فسرت به في الرواية الاولى ، ولا شك ان الآية بحسب المعنى عامة وإن كانت بحسب مورد النزول خاصة ، وقوله ( عليه السلام ) ولولاهم ما عرف الله ، يعني البيان الحق والدعوة التامة الذين معهم ، وله معنى آخر أدق لعلنا نشير إليه فيما سيأتي إنشاء الله والروايات في معنى الروايتين قال: فالتفت عيسى(عليه السلام) إليه وقال له: تدعو ربك وفي قلبك شك من نبيه ؟ فقال: يا روح الله وكلمته، قد كان ما قلت، فاسأل الله أن يذهب به عني.

فدعا له عيسى فتقبل الله منه، وصار الرجل من جملة أهل بيته. وكذلك نحن أهل البيت لا يقبل الله عمل عبد وهو يشك فينا.واتقوا الله في أوامره ونواهيه ( لعلكم تفلحون) لكي تظفروا بالهدى وفي الكافي، عن الصادق (عليه السلام): الأوصياء هم أبواب الله التي منها يؤتى ولو لا هم ما عرف الله عز وجل وبهم احتج الله تبارك وتعالى على خلقه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صبيح الكعبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/08/19



كتابة تعليق لموضوع : في رحاب القرآن
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net