صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

الفلسطينيون ملعونون أينما ثقفوا محرومون أينما وجدوا
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هل بدل بعض العرب والمسلمين كلام الله سبحانه وتعالى وحرفوا كتابه، وقلبوا مفاهيمه وغيروا معانيه، وأبطلوا أحكامه وعطلوا سننه، فأصبح الفلسطينيون في قاموسهم هم الملعونين والمغضوب عليهم، وهم الذين يجب أن يطردوا من بلادهم، وينفوا من أرضهم، ويشردوا بعيداً عن وطنهم، ويعذبوا في حياتهم، ويعانوا طيلة عمرهم، ويقاسوا في حلهم وترحالهم، ويسجنوا ويعتقلوا ويسحلوا، ويعذبوا ويهانوا ويضطهدوا، ويؤخذوا بالقوة والعنف ويقتلوا تقتيلاً، فهذا هو جزاؤهم الذي يعتقدون، وعاقبتهم التي يريدون، وكأنهم هم اليهود والذين أشركوا، الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه، وأكد عليه رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم " مَّلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا سُنَّةَ اللهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ".

ويكأنهم لم يقرأوا كتاب الله عز وجل ولم يعرفوه، أو طمس على قلوبهم فلم يفهموا مراده ولم يفقهوا أحكامه، أو أن في آذانهم وقراً فلا يسمعونه ولا يستجيبون إلى أمره، أو أنهم علموا كلامه سبحانه وتعالى وخالفوه، وفهموا أوامره وعصوه، أو آمنوا بكتابٍ غيره وأشركوا معه سواه، ونسوا بأن كلمة الله هي العليا، وأن كلامه الخالد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكنهم ضلوا الطريق وعُميَّت عليهم الحقيقة، وغاب عن ضمائرهم الحق، فغدوا لا يعون شيئاً ولا يفقهون أمراً، وأخشى أن يكونوا ممن ذكرهم الله في كتابه "أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ".

أم أن لهم كتاباً آخر تَنزَّلَ عليهم أو أوحيَّ به إليهم، منه يقرأون وفيه يدرسون، ومنه يستقون الأوامر ويشرعون الأحكام، فوجدوا فيه أن اليهود إخوانهم، وأنهم أقرب إليهم مودةً ورحمةً، وأنه يحق له مساكنتهم ومجاورتهم، والاعتراف بهم والتعاون معهم، وزيارتهم واستقبالهم، والعمل معهم وتبادل الخبرات وإياهم، وأنه لا يجوز مقاتلتهم أو إعلان الحرب عليهم، بل ينبغي وفق زعمهم مسالمتهم وتصديق روايتهم والإيمان بمظلوميتهم، والاعتراف بدولتهم وتطبيع العلاقات مع شعبهم، والعمل معهم على رفع الظلم عنهم، ووقف الإساءة إليهم، ومساعدتهم في العودة إلى الأرض المباركة التي وعد الله لهم، فقد آمنوا أن فلسطين هي إسرائيل، وأنها للإسرائيليين وحدهم، وهي أرضهم المشروعة، وبلادهم الخاصة، ومملكتهم القديمة، وموطن أنبيائهم الأوائل ورسلهم السابقين، وفيها هيكلهم العتيد وعزهم التليد ومجدهم القديم، وإليها تهفو قلوبهم وتحن نفوسهم، وتتطلع إلى العيش فيها أجيالهم.

وكأنهم في كتابهم الجديد يدرسون أن الفلسطينيين أعداؤهم، وأنهم ليسوا إخوانهم، ولا تربطهم بهم أواصر قربى ودمٍ ولسانٍ ودينٍ، ولا حقوق لهم عندهم، ويصفونهم بأنهم عاقون لا يحفظون الفضل ولا يعترفون به، وأنهم ينكرون الجميل ويعضون اليد التي تمتد إليهم بالمساعدة والعون، ويسيئون إلى البلاد التي آوتهم وأكرمتهم، ولهذا فإنهم لا يستحقون الاعتراف بهم والتضحية في سبيلهم، بل لا ينبغي رحمتهم أو الرأفة بهم، ولا يجوز نصرتهم أو التضامن معهم، ولا تصح مساندتهم أو الوقوف إلى جانبهم، وليس من العدالة والإنصاف الإصغاء إلى روايتهم أو تصديق حكايتهم، فهم الذين أضاعوا بلادهم، وفرطوا في أوطانهم، وتنازعوا فيما بينهم، وأضروا بأنفسهم وبقضيتهم، وأساؤوا إلى شعبهم وأهلهم.

فرح اليهود بكتاب العرب الجديد وهللوا له وابتهجوا به، وارتسمت على شفاههم ابتسامةٌ عريضة وسكنت قلوبهم فرحة كبيرة، فقد فتحت بلادٌ كانت موصدة أمامهم، وممنوعةً عليهم، وغير مسموحٍ لهم الاقتراب منها أو المرور فيها، لكنها اليوم أصبحت أمامهم مفتوحة ولهم مشروعة، يزورونها علناً، ويتجولون في شوارعها ليلاً ونهاراً، ويشترون ومنها ويبيعون إليها ويتجارون معها، وقوانين البلاد معهم تؤيدهم وتساعدهم، وتحرسهم وتحميهم، وتضمن أمنهم وتسهر على سلامتهم، رغم أنهم في أغلبهم جواسيسٌ وعملاءٌ، ومفسدون ومخربون، يتآمرون على بلادنا، ويطمعون في خيرات أوطاننا، ويتربصون شراً بشعوبنا، ويتطلعون إلى الكيد بنا والإساءة إلينا.

غريبٌ أمر هؤلاء العرب المطبعين، وهم في حقيقتهم شرذمةٌ قليلون، لا يشكلون في مجتمعاتهم أكثرية، ولكنهم السلطة الحاكمة والمتحكمون في وسائل الإعلام ورؤوس الأموال، فيفرضون رأيهم قهراً بالسيف أو إرغاماً بالمال، أو تهديداً بالفقر والجوع أو السجن والقتل.

إنهم لشعوبهم غائظون، ولهم مستفزون، ولقناعاتهم مخالفون، إذ لا يعبرون عنهم، ولا ينطقون باسمهم، ولا يعكسون حقيقة مواقفهم وعمق إيمانهم بالقضية الفلسطينية، التي هي بالنسبة لهم كالقلب من الجسد، توازي بلادهم قدراً، وتتساوى مع أوطانهم عزاً.

وكذا القدس والمسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فهو بالنسبة لشعوبهم آيةٌ في كتاب الله، وجزءٌ من عقيدتهم، وأساسٌ في دينهم، لا يفرطون فيها ولا يتنازلون عنها، ولا يساومون أحداً عليها، ولكن حكامهم اشتروا بآيات الله عز وجل ثمناً بخساً، وبدلوا دينهم بوعدٍ مكذوبٍ وأجرٍ غير مضمونٍ وبدلٍ أثيم ملعونٍ، وغضبٍ من الله عليهم دائمٍ، فاستحقوا لعنة الله ورسوله والناس أجمعين.

يظن الإسرائيليون أنهم بما نالته رماحهم استطاعوا كسر إرادة الفلسطينيين وفل عزيمتهم وإضعاف قوتهم، وأنهم سيستطيعون بعد التهافت الذي حدث، والتساقط الذي قد يقع، ابتلاع فلسطين إلى الأبد، وشطب اسمها من التاريخ والمستقبل، وأن الفلسطينيين سيشعرون بأنفسهم وحدهم في الميدان، لا ناصر لهم ولا معين، ولا سند لهم ولا ظهير، مما سيضطرهم إلى التنازل والتفريط، والتخلي والنسيان، والرحيل والمغادرة، والقبول بالبدل والتعويض، وبالتوطين والتجنيس، وما علموا أن الفلسطينيون سيقاتلون ولو كانوا وحدهم، وسيصمدون ولو تخلى الجميع عنهم، فكيف بهم وهم يشعرون بمعية الله عز وجل معهم، وأنه يكلأهم ويرعاهم، ويحفظهم ويثبتهم، وأن شعوب الأمة كلها تقف معهم وإلى جانبهم، وهم يعارضون إرادة حكامهم وسياسات بلادهم، التي يرون فيها كفراً وردةً، وخيانةً وغدراً.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/08/22



كتابة تعليق لموضوع : الفلسطينيون ملعونون أينما ثقفوا محرومون أينما وجدوا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net