صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

أفراحٌ إسرائيليةٌ ومكاسبٌ أمريكيةٌ وخيباتٌ عربيةٌ
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عكفت الإدارة الأمريكية في واشنطن، ومبعوثوها إلى منطقة الشرق الأوسط برئاسة جاريد كوشنير، للتحضير لمؤتمر السلام الذي سيعقده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوقيع على اتفاقية السلام الجديدة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والكيان الصهيوني، حيث يحرص الرئيس الأمريكي ضمن حملته الانتخابية الرئاسية، على حضور ومشاركة أكبر عددٍ من قادة وزعماء الدول العربية، وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية، التي سيزورها كوشنير بعد دولة الإمارات لإقناعها بضرورة المشاركة في حفل التوقيع وإلا، فضلاً عن دولٍ عربيةٍ أخرى موقعة رسمياً، وأخرى مطبعة عملياً سراً وعلناً.

تأتي زيارة الوفد الأمريكي الإسرائيلي المشترك إلى "أبو ظبي" ضمن الخطة الأمريكية الإسرائيلية، التي تهدف إلى تعزيز فرص فوز الرئيس ترامب لولايةٍ ثانيةٍ، وضمان تفوق نتنياهو في أي انتخاباتٍ برلمانية قادمةٍ، في حال حل الكنيست وذهب إلى انتخاباتٍ رابعةٍ، ولكن هذا لا ينفي بالمطلق سعي الطرفين معاً لخرق جدار المقاطعة العربية، وتوقيع اتفاقيات سلامٍ مع بعض الأنظمة، وتفعيل عملية تطبيع العلاقات معها، تمهيداً لتجريد الفلسطينيين من حاضنتهم العربية، وحرمانهم من العمق الذي كان لهم قديماً، ودفعهم بيأسٍ للقبول بالشروط الإسرائيلية، وبما هو معروضٌ عليهم أمريكياً وإسرائيلياً، وإلا فإنهم سيجدون أنفسهم فجأةً وحدهم في العراء، لا أحد معهم يساندهم، ولا من يقف معهم ويؤيدهم.

لم يخفِ الإسرائيليون فرحتهم الكبيرة بهذه الزيارة، إذ غص مطار "بن غوريون" بمئات الصحفيين والمصورين ووكالات الأنباء، ومعهم آلاف المتابعين والمراقبين، التي راقبت عجلات الطائرة المدنية الأولى التابعة لشركة العال الإسرائيلية، التي ستحط لأول مرةٍ بصورةٍ علنيةٍ في مطار العاصمة الإماراتية "أبو ظبي"، ولكن فرحة الإسرائيليين كانت مضاعفة، كون هذه الرحلة التي كانت تستغرق قديماً أكثر من ثمانية ساعاتٍ، فإنها ستستغرق هذه المرة مدة ثلاثة ساعاتٍ فقط، كونها ستحلق في الأجواء الأردنية والسعودية للمرة الأولى، وهي في طريقها إلى مطار "أبو ظبي" الدولي، وكأنها بهذه الرحلة تحقق تطبيعاً مزدوجاً، وفتحاً ثنائياً لعاصمتين عربيتين، ودولتين سنتين أساسيتين غنيتين محوريتين في المنطقة، مما سيسهل عليها بعد ذلك التطبيع مع غيرهما، وفتح المزيد من المجال الجوي العربي لطيرانهم المدني أولا، ثم العسكري الذي سيأتي بعد ذلك يقيناً.             

ستفتح هذه الطائرة التي سيحفظ الإسرائيليون نوعها وشكلها، الطريق نحو المزيد من الرحلات المتبادلة بين الطرفين، وستدشن خطوط الملاحة المدنية المنظمة والمبرمجة بينهما، ورغم أنها حملت اسم السلام بلغاتٍ ثلاثة، العربية والعبرية والإنجليزية، إلا أنها احتفظت باسمها الأصلي "كريات جاد"، وهو الاسم العبري للمستوطنة الاسرائيلية التي أنشئت على أراضي بلدتي الفالوجا وعراق المنشية الفلسطينيتين.

علماً أن وفداً إسرائيلياً آخر سيتوجه إلى "أبو ظبي" في الأيام القليلة القادمة، ولكنه سيكون وفداً أمنياً وعسكرياً له مهمة خاصة ووظيفة محددة، وهو الوفد الذي أرجأ نتنياهو رحلته، وفصل مهمته عن مهمة الفريق الأول، الذي ستكون مهمته احتفالية دعائية مهرجانية، يرسلون من خلالها رسائل سياسية إلى الدول العربية الراغبة وتلك الخائفة المترددة، وإلى الفلسطينيين عامةً، يخبرونهم فيها أننا انتصرنا عليكم، وأننا لم نعد وحدنا، بل باتت دولكم العربية معنا، وأنظمتها إلى جانبنا، تؤيدنا وتناصرنا وتطبع معنا، بينما أنتم أصبحتم وحدكم ولا أحد معكم يساندكم ويؤيدكم.

لا نخدع أنفسنا ولا نكذب على بعضنا، فقد كسب الإسرائيليون وما خسروا، وحققوا أكثر مما توقعوا وأفضل مما حلموا به وتمنوا، وفرح معهم الأمريكيون وسعدوا، فها هي العواصم العربية أمامهم تباعاً تفتح، وأنظمتها لهم كلياً تخضع، وأسواقها بهم وبمنتجاتهم ترحب، وتاريخهم الأسود معها يشطب ويبيض، ويغير ويستبدل، وكأنها ما احتلت أرضاً عربية، ولا استباحت حرمة دولةٍ عربيةٍ، وما شردت شعبها وقتلت أبناءها، وجاست فيها خراباً وتدميراً.

لجأ العدو ورعاته، وتوجه وحماته، عبر اتفاقيات السلام نحو حروبٍ فيها يكسبون وخلالها يربحون، ولا يتكبدون فيها خسائر، ولا يواجهون فيها صعاباً أو تحديات، بل يخوضونها بثقةٍ وطمأنينةٍ، وسلامةٍ وأمانٍ، فالجبهة التي تواجههم رخوة ناعمة، وادعةٌ مسالمةٌ، ترحب بهم وتبش لهم، وترفع القبعة تحيةً لهم، ولا تبدي تجاههم غضباً أو عليهم سخطاً، بل تخف لاستقبالهم، وتزين الصالات لقدومهم، ويصطف المسؤولون في المطار لمصافحتهم والترحيب بهم، وتهيئ الفرق الموسيقية لتعزف نشيدهم الوطني، وترفع في سماء بلادها أعلامهم التي كان رفعها جريمة، والاعتراف بها خيانةٌ وتفريطٌ.

اليوم يحصل الإسرائيليون على صكوك البراءة والغفران والمسامحة والنسيان، ويمهدون السبيل للحصول على المزيد منها ليدخلوا الجنة العربية، وينعموا بخيراتها ويستنفدوا أموالها ويستفيدوا من مقدراتها، ويستغلوا كل شيءٍ فيها خدمةً لمشروعهم، وتوظيفاً لتحقيق أهدافهم، فالغاية المرجوة من اتفاقياتهم لا تتوقف عند التطبيع وتبادل الزيارات، وفتح الأسواق والمشاركة في الاستثمارات، بل إنهم يتطلعون إلى شطب القضية الفلسطينية وإنهائها، ونسيان اسم فلسطين واستبداله بإسرائيل، التي ستكون جارةً لهم وجزءاً أصيلاً من نسيج المنطقة وتركيبة سكانها وهوية أهلها.

ثبتت القاعدة وتغيرت المعادلة، وفهمها العدو وأدركها، رغم النشوة التي يعيشونها، والسكرة التي ملأت رؤوسهم، إلا أنهم باتوا يدركون أنهم لن يربحوا في معاركهم معنا، ولن يفوزوا في حروبهم ضدنا، ولن يحققوا أهدافهم المرجوة من عدوانهم علينا.

فقد تبدلت الأحوال وتغيرت الظروف، وانتفض الشعب وثار الأهل، وقست شوكة المقاومة، وتثلم سيف العدو وانكسر رمحه، وتمرغ أنفه وشاه وجهه، ولم يعد قادراً أن يكون فارس الميدان، ولا الجيش الذي لا يقهر، بل بات يغلب ويكسر، ويهزم ويدحر، ويخسر ويفقد، ويبكي وينتحب، وإن حقق كسباً محدوداً فقد غدا يدفع مقابله أثماناً باهظة وخسائر كبيرة، وبات يدرك أن زمانه قد ولى، وأن تفوقه النوعي قد انتهى، وأن غلبته لم تعد أكيدة ولا مضمونة، فلا حروبه الكبرى تنفعه، ولا حروبه الصغرى بين الحربين تجديه، فخسائره البشرية في معاركه الصغيرة قد أوجعته وآلمته، وهزائمه المدوية وفشله المتكرر في حروبه الكبيره قد أيأسته وأقنطته.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/09/02



كتابة تعليق لموضوع : أفراحٌ إسرائيليةٌ ومكاسبٌ أمريكيةٌ وخيباتٌ عربيةٌ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net