صفحة الكاتب : د . حميد مسلم الطرفي

التطبيع الخليجي مع اسرائيل قراءة مغايرة
د . حميد مسلم الطرفي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في البدء لابد من القول أن الإمارات أو البحرين أو الدول التي ستلتحق بهم لم تعلن التطبيع إلا وقد كانت تقيم علاقات سرية مع الكيان الصهيوني ومنذ سنوات ، ولماذا كانت سرية لأن ملوك وأمراء الخليج يعلمون علم اليقين أن شعوبهم ومهما أترفوها وفسّخوها وغسلوا أدمغتها لكنها ترفض العلاقة مع اسرائيل ، لذا أبقوا على العلاقة سرية مع هذا الكيان . منذ عام ١٩٤٨ والعالم الغربي وأمريكا والقوى المؤيدة للصهيونية يسعون جاهدين لأن يكون الكيان الصهيوني دولة طبيعية لها ما لها وعليها ما عليها وفق الشرعة الدولية من جهة وفي ضمير وتفكير الشعوب الاسلامية عامة والعربية خاصة من جهة أخرى . اسرائيل هذا الكيان المفروض بالقوة والقهر على المنطقة لازال حتى اليوم ظاهرة استثنائية يرفضها الوجدان العربي ولا يقر لها بالبقاء ولا التحول إلى جزء من الجسم الطبيعي للمنطقة والعالم يؤدي وظائفه مع سائر الأجزاء المكونة لهذا الجسم ، بل على العكس من ذلك فإن الثقافة السياسية والدينية لدى ٩٥٪‏ من الشعب العربي تنظر لهذه ( الدولة) على إنها غدة سرطانية في الجسم العربي والعالمي . إن السعي الحثيث من قبل أمريكا بأن تحول هذا الاستثناء إلى قاعدة ، وتحول الرفض الطبيعي للجسم الحي لكيان غريب دخل فيه إلى القبول والتعايش ، هذا السعي لن ينجح على المدى المتوسط والبعيد لأنه يخالف القوانين الطبيعية لتشكيل الدول ووجودها . التاريخ والجغرافية والسكان ، والثقافة الاجتماعية ، والدين ، كلها عوامل إعاقة حقيقية بوجه تحول هذا الكيان إلى دولة طبيعية بأركانها الأربعة التي حددها فقهاء العلوم السياسية ( اقليم ، شعب ، نظام سياسي ، سيادة) . ما قاله ترامب بشأن المملكة العربية السعودية في حملته الانتخابية الأولى ٢٠١٦ بأن السعودية لن تبقى مدة اسبوعين إذا ما سحب الحماية العسكرية عنها ينطبق تماماً على اسرائيل وليس على السعودية ، لأن الثانية قد لا تبقى كنظام سياسي ولكن يمكن بقاءها كدولة في حين ان الأولى ينتفي وجودها كدولة تماماً وإن امتلكت كل وسائل القوة ، لأنها أصلاً ظاهرة شاذة وليست دولة كاملة الاركان .
النجاح الحقيقي لاسرائيل وأمريكا هو قدرتها على تغيير ما هو مستقر في الوجدان والعقل العربي والاسلامي حول اسرائيل ووجودها وتاريخها وعدوانها واستهتارها ، حينها يكون التطبيع تطبيعاً شعبياً وليس رسمياً أو حكومياً .
قد يقول قائل إن الشعوب تسير حيث يسير حكامها ( الناس على دين ملوكهم ) ، نعم هذا صحيح ولكن حين يكون الحكم بالسيف ، فإذا مازال السيف عن الرقاب ارتدت الشعوب لعاداتها ووجدانها ، فلم تفلح كل مقاصل الملوك أن يغيروا عادات وتقاليد شعوبهم ، وإن بدى لهم أنهم غيروها ، فكمال مصطفى اتاتورك حارب الحجاب وألغى المدارس الدينية وتبنى العلمانية الشاملة ومحاربة مظاهر الدين علناً وهاهي تركيا اليوم تفخر من جديد بانتمائها للاسلام وتعج شوارعها وكلياتها ودوائرها الرسمية بملايين المحجبات ومثله كم حاول رضا بهلوي أن يحول ايران إلى دولة علمانية وأخذ يطارد المحجبات في الشوارع ، وسار على ذلك ابنه محمد رضا بهلوي ، إلا أن ذلك ساهم في أن تقوم الثورة الاسلامية في ايران عام ١٩٧٩.
قادة الدول المطبعة يدركون ذلك ولكنهم في ذات الوقت يدركون أيضاً أن رفض التطبيع في عهد ترامب قد يكلفهم كراسيهم فهم بين نارين بين أن يرضوا شعوبهم ويبتعدوا عما يستفزها وبين أن يرضوا ترامب الذي يطمح بتجديد رئاسته وهو على أبواب الانتخابات . إرضاء ترامب يحمي سلطانهم في الأمد القريب ولكن استفزاز الشعوب يزلزل هذا السلطان في الأمد المتوسط والبعيد ، وهذه سنن التاريخ وقوانين السياسة ،التطبيع سيكون مبرر لدعوات مناهضة الأنظمة المطبعة وسيزيد الفجوة بين السلطة والشعب
وسيسلب شرعية الحكم من حكام الخليج إن عاجلاً أو آجلاً .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حميد مسلم الطرفي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/09/21



كتابة تعليق لموضوع : التطبيع الخليجي مع اسرائيل قراءة مغايرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net