صفحة الكاتب : زعيم الخيرالله

الأِنسانُ بَيْنَ أزْمَةِ الحَيْوَنَةِ وَحَلِّ الأَنْسَنَةِ
زعيم الخيرالله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قَدْ يَسْتاءُ الانسانُ وَيَمْتَعِضُ مِنْ وَصْفِهِ بالحَيَوانِ ، رُغْمَ أَنَّ المَناطِقَةَ عَرَّفُوا الانسانَ بأَنَّهُ حَيَوانٌ ناطقٌ . وَتَعريفُ المَناطِقَةِ هذا ، ليسَ فيهِ انتقاصٌ مِنْ قَدرِ الانسانِ ،ولاهَدْرٌ لآدَمِيَّتِهِ ؛ لأَنَّ الحَيَوانَ هو : الكائنُ الحيُّ . الكائنُ الذي يقومُ بالوظائفِ الحَيَوِّيَّة من طعامٍ وشرابٍ وممارسةٍ جِنسِيَّةٍ وَتَنَفُسٍ وحركةٍ . الحَيَوانِيَّةُ كُلُّ مابِهِ الاشتراكُ مع الكائناتِ الاخرى ، والأَنْسَنَةُ كلُّ مابِهِ الامتيازُ ، وهي مُتَضَمَّنَةٌ في تَعريفِ المناطقةِ للانسانِ بأَنَّهُ : ( حَيَوانٌ ناطِقٌ ) ، فالحيوانُ هو : مابهِ اشتراكُ الانسانِ مع غيرهِ من الكائناتِ الحَيَّةِ ، وناطقٌ هو مابهِ الامتيازُ والفصلُ بين الانسانِ والكائنات الحيّة الاخرى . الحيونَةُ هي مابه الاشتراكُ ، والانسَنَةُ هي مابه الامتياز.
الانسانُ كائنٌ مُرَكَّبٌ من حيوَنَةٍ وانسنَةٍ . كُلُّ الغرائزِ والانفعالاتِ والاهواءِ والشهَواتِ والانانياتِ داخِلَةٌ في منطَقَةِ الحيونةِ لدى الكائن الانساني ، وكُلُّ الغيريات والدوافعُ النبيلةُ والعقل والايثار داخلةٌ في منطقةِ الانسنَةِ لدى الكائن الانساني . والانسانُ لو تَأَمَلَ ذاتَهُ وراجعَ نفسَهُ بتجردٍ يستطيعُ ان يُمَيِّزَ بينَ المنطقَتَينِ ، ولكنَّ التمييزَ بين المنطقتينِ وحدهُ لايكفي ، بل يُمَثِّلُ الخطوةَ الاولى الضروية باتجاه السير نحو الانسنةِ ، امّا الخطوةُ الثانيةُ والمهمة فهي الارادةُ واتخاذُ القرارِ بتجسيدِ هذهِ المعاني الخيّرة ووضع ِارشاداتِ العقلِ موضعَ التنفيذ .
الحَيْوَنَةُ هي أَزْمَةُ الانسانِ
---------------------
لَو نَظَرنا الى كُلِّ الأزماتِ التي تُحيطُ بالانسانِ ابتداءً مَعَ أَزْمَتِهِ معَ ذاتِهِ ، أَو أزماتهِ الأُسَرِيَّةِ أوأزماتِهِ مع المجتمع ، وأَزَماتِ الحاكمِ مع شعبهِ ، وجدنا أنَّ الجَذرَ الاساسَ في كلِّ هذهِ الأَزَماتِ والمشكلات هي الحيونةُ .
الدولُ التي نحسبُها متقدمةً ، في صراعاتها ، وتطويرِها للاسلحة المدمرةِ ، لاعلاقةَ لهذا التقدم الهائل في تصنيع السلاحِ بالانسنةِ ، بل هوَ تطويرٌ لوسائلِ الحيونةِ .الحَيَوانُ في الغابَةِ يستخدمُ الظُفرَ والنابَ وقوةَ جسمهِ لاخضاعِ خُصومهِ ، والانسان بتصنيعه للاسلحة الفتاكةِ ، وتقدمه في تكنولوجيا السلاح ، لم يُطَوِّرُ انسانيّتَهُ ، وكلُّ التقدم في هذا المجال لاعلاقةَ لهُ بالانسنة ، انما هو تطويرٌ لوسائلِ الحَيْوَنَةِ . الانسانُ طَوَّرَ وسائلَ الحَيَوانِ فاستبدلَ الظفرَ والنابَ بالاسلحةِ الكيميائية والجرثومية والنووية . انَّهُ تطويرٌ لوسائلِ الحيونَةِ ، لاارتقاءٌ في الانسَنَةِ .
مناطِقُ النفوذِ بينَ القُوى الكُبرى وتقاسُمُها ، هوَ تطويرٌ لمنطقِ الغابةِ ، ففي الغابة هناك سيدٌ هو الاسد اذا دخلَ اسدٌ اخرُ الى منطقةِ نفوذهِ لايسمح لهُ الاسدُ السيد باقتحامِ منطقةِ نفوذهِ ، ويكون الصراعُ بينهما عنيفاً . هذا هو منطق القوى الكبرى في الصراع على مواقع النفوذ ،وهذا المنطَقُ ماهو الا تطوير لمنطق الغابةِ الحيوانيِّ .
الأَنْسَنَةُ هيَ الحَلُّ
--------------
استعرضنا ازمات الانسان ومشكلاتهِ وصراعاتهِ الحادّةِ مع ذاتِهِ ورّبِّهِ واسرتهِ ومجتمعهِ وصراعات الدولِ فيما بينها ، وارجعنا كلِّ ذلك الى الحيونةِ الكامنةِ في اعماقِ الأِنسانِ والتي تُحَرِّكُ مجملَ سلوكِهِ . ولكن ماهو الخلاصُ بعد تشخيصِ الازمةِ والمشكلة ؟ وهل بامكان الانسان ان يتغلبَ على الحيوَنَةِ المتجذرةِ في اعماقهِ ؟
والجواب : نعم ، بامكان الانسان ان يتغلبَ على حيونتهِ ، ويرتقي نحو الانسنَةِ ، ولكنَّ ذلكَ ليسَ بالامرِ السهل بل يحتاجُ الى تربيةِ وجهاد للنفس وكبحِ جماحها ، وضبطِ هواها ، والنفسُ فرسٌ جموحٌ توردُ صاحبها كلَّ هَلَكَةٍ ، كما وصفها اميرُ المؤمنين عليٌّ (ع) :
(ألا وإنّ الخطايا خَيْلٌ شُمُسٌ، حُملَ عليها أهلُها، وخُلِعت لُجمُها فتقحمّت بهم في النارِ، ألا وإنّ التقوى مطايا ذُلُلٌ، حُمل عليها أهلُها، واُعطُوا أزمّتَها، فأوردتهم الجنّةُ).
الانسانُ الكاملُ تكونُ عندَهُ منطقةُ الحيْوَنَةِ مُصَفَّرَةً ، وتكون منطقةُ الانسنَةُ هي الفعّالَةُ . جاء رجلٌ الى الامام الباقر عليه السلام فقال لهُ : انتَ البقرةُ فقال(ع) : رسولُ الله سماني باقرَ العلم ، فقال الرجلُ : انت ابنُ الطبّاخةِ قال(ع) : تلكَ حِرفتُها ، فقالَ الرَّجُلُ : انتَ ابنُ البّذيئةِ فقال(ع) : اِنْ كنتَ صادقاً فيما تقولُ اسألُ اللهَ أنْ يغفرَ لأُمِّي وان كنتَ كاذِباً اسألُ اللهَ أن يغفرَ لكَ.
في هذا اللقاءِ نجد انسانيَّةً كاملةً لامكان فيها لمنطقةِ الحَيْوَنَةِ ، فهي منطقةٌ مُصَفَّرَةٌ عند الانسانِ الكاملِ بارادتهِ وليستْ مُصَفَّرَةً تَصفيراً قسرياً كما هو الحالُ مع الملائكةِ الذين لايعصون اللهَ ويفعلونَ مايأمرُهم به الله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). التحريم: الاية: (6).
وخلاصةُ القَولِ : كُلُّ أَزَماتِ الانسانِيَّةِ وانهياراتِها وتراجعاتِها ونكساتِها سَبَبُها حيوَنَةُ الانسانِ ، ولاحَلَّ الا بتصفيرِ منطقةِ الحيونةِ واطلاقِ وتفعيلِ منطقة الانسنّةِ .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زعيم الخيرالله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/11/26



كتابة تعليق لموضوع : الأِنسانُ بَيْنَ أزْمَةِ الحَيْوَنَةِ وَحَلِّ الأَنْسَنَةِ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net