صفحة الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي

السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله) في الإعلام الغربي 2003م-2004م – قراءات ورؤى- (الحلقة الثانية)
د . الشيخ عماد الكاظمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

((أسئلة وكالة (الأسوشييتد برس  Associated Press)) 

* س1: ما هي الحكومة التي تريدون في عراق ما بعد صدام حسين؟ وكيف يجب أنْ يتم تشكيلها؟ 
هل ستلعبون دورًا فيها؟
* ج1: شكل نظام الحكم في العراق يحدِّده الشعب العراقي، وآلية ذلك أنْ تجري ﭐنتخابات عامة؛ لكي يختار كُلُّ عراقي مَنْ يمثَّله في مجلس تأسيسي لكتابة الدستور، ثم يطرح الدستور الذي يقرُّه هذا المجلس على الشعب للتصويت عليه، والمرجعية لا تمارس دورًا في السلطة والحكم.
في هذا السؤال وبعد معرفة رأي المرجعية بوجوب أنْ يكون الحكم في العراق بأيدي العراقيين أنفسهم، من دون تدخل للإدارة الأمريكية في ذلك، نرى أنَّ طرح هذا السؤال من خلال وكالة إلام أخرى هو للتأكيد على معرفة ما يدور في دهاليز أزقة النجف التي يقطن فيها مرجع الشيعة الأكبر في العالم، هذا الدهليز الذي لم تستطع القوات الأمريكية بما أوتيت من قوة، وما سُخِّر لها من أذيال أنْ تخترقه، وتتعرف على كُنْه حقيقته، ولقد كانت الإدارة الأمريكية وكما ذكرت سابقًا تتعامل مع المرجعية على وجلٍ وتخوُّفٍ من أي حركة قد تكون في غير صالحها، وفي آذانها ترنُّ النصائح البريطانية في ﭐجتناب المواجهة مهما تمكنت من ذلك، بل لا بد من ذلك. 
لقد كان معرفة نظام الحكم من أهم الموضوعات التي يريد الإعلام الغربي معرفته من قبل المرجعية؛ لثقته التامة بصدقها، ودعوتها، ومدى ﭐستجابة الأمة لها، فكان جواب المرجعية على هذا السؤال بمثابة خارطة الطريق للحكم في العراق، والذي يجب أنْ يكون واضحًا وصريحًا للقوى العالمية والإقليمية والمحلية، فضلًا عن كونه من أعظم مطالب الجماهير، بل هو أعظم مطلب لهم بعد سقوط صنم البعث الأوحد، فكان النظام الذي عرضته المرجعية على وسائل الإعلام والدوائر الأخرى هو النظام الديمقراطي العالمي، القائم على ﭐختيار الشعوب للحاكم، وهذا ما عليه أغلب البلدان في العالم الداعية لتحقيق الحرية، والقائمة على ﭐحترام رأي الشعوب، حيث الدستور الذي يحدد مهام الحاكم، والنظام الذي يقوم عليه الحكم، ولقد كانت أمريكا تحاول بصور متعددة عدم إجراء ﭐنتخابات في العراق في الوقت الحاضر، وفي دعوة المرجعية إلى ذلك كمال الحكمة والتسديد الإلهي، يقول لاري دايموند: ((وأفصح عن مخاوف الحكومة الأمريكية من عواقب إجراء ﭐنتخابات مبكرة نوح فليدمان إنَّه على الأرجح إلى حد بعيد ألَّا يجعل الناتج الدستوري النهائي أشخاصًا كثيرين في الحكومة الأمريكية سعداء، فهو لن يظهر بالمظهر الذي كان الناس يتخيلونه، ومن المستبعد أنْ تكون أي حكومة عراقية منتخبة ديمقراطيًّا حكومة علمانية، ومن المستبعد أنْ تكون مؤيدة لإسرائيل، وبصراحة من غير المحتمل إلى حد ما أنْ تكون مؤيدة لأمريكا))، فلقد كان السيد السيستاني (دام ظله) على بينة من عمق المؤامرة التي تريدها سلطات الاحتلال. 
فلقد كان لسماحة السيد السيستاني رأي صريح واضح في مسألة الدستور، من خلال الاستعانة بعراقيين منتخبين لكتابة دستورهم، وهذه الرؤية العميقة للمرجعية لم تكن الإدارة الأمريكية على ﭐستعداد لتنفيذها كاملة أو تهيئة الظروف الملائمة المستقلة لها، وقد أكد ذلك لاري دايموند بقوله: ((كما أنَّ بريمر لم يكن مخلصًا تمامًا حين تعهد بأنْ يكتب العراقيون وحدهم الدستور بِرُمَّته ليجسد ثقافتهم ومعتقداتهم)). 
وهذا يبيِّن مدى التحدي الذي كانت تواجهه ا لمرجعية في مسألة كتابة الدستور، وثباتها من أجل تحقيقه، وما كان يبذله الأمريكان من أجل التفرُّد في القرارات السياسية وغيرها، فلم تسمح للأمم المتحدة بذلك، فكانوا في كُلِّ فرصة يحاولون إبعاد الأمم المتحدة من التدخل في شؤون العراق، كما كان يريد ذلك السيد السيستاني (دام ظله)، وقد أكد ذلك الخلاف والانشقاق مساعد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة في لقاء تلفزيوني بأنَّ الخلاف بيننا وبين الأمريكان خلاف كبير ودائم في موضوعات متعددة.
* س2: هل تريدون من أبناء الطائفة الشيعية الكريمة أنْ يتعاونوا مع الإدارة المدنية الأميركية في العراق؟ 
ج2: الذي نريده هو أنْ يُفسح المجال لتشكيل حكومة منبعثة من إرادة الشعب العراقي بجميع طوائفه وأعراقه.

إنَّ هذا السؤال كما أرى قائم بعد اليأس الحاصل من تعاون المرجعية الدينية مع الإدارة الأمريكية بصورة مباشرة، حيث أرادت تلك الإدارة من إيجاد بديل للمرجعية يمثلها تتفاوض معه مباشرة، ويكون حلقة وصل بينهما، وليس بينها وبين القيادات السياسية العراقية، وأظن أنَّ المراد في السؤال (أبناء الطائفة الشيعية) لا يعني موقف شيعة العراق في التعامل مع الإدارة الأمريكية عامة، بل خصوص القادة منهم، أو كلاهما ليتم بعد موافقة المرجعية معرفة مَنْ يمثلها منهم، وهذا يصب في السياسية الأمريكية القائمة على التخوُّف والاستدراج الخفي للحصول على مآربها، ولكن ما أراه أنَّ جواب المرجعية كان أبعد وأعمق من السؤال، حيث أجابَتْ!!، وطلبَتْ!!، وحددَتْ !! موقفها في آنٍ واحد، وهو أنَّها واقعًا لا تريد ذلك؛ لأنَّ هذا سيفسح المجال في الوقت الحاضر والمستقبل للتدخلات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة، مع إضفاء الشرعية على ما تقوم به، وطلبت من الأمريكان أنْ يتركوا الأمر للعراقيين وعدم التدخل في شؤونهم، وحددت أنَّ تشكيل الحكومة هو من شأن العراقيين لا لأحد له الحق في ذلك مطلقًا.
أظن أنَّ جواب المرجعية كان دقيقًا جدًّا وصائبًا في عدم التعامل مع الأمريكان بأنفسهم أو بما يمثلهم، وإنما من خلال الطرق الطبيعية للسياسيين، وفي ذلك درسٌ مهمٌّ يمكن الإفادة منه لمواقف المرجعية في التأريخ، الحديث حيث إمكانية تزوير الحقائق من قبل الأعداء، ونسبة تصريحات للمرجعية تخالف مواقفها المعهودة؛ لذلك لم نَرَ موقفًا واحدًا يخالف الآخر في مواقف المرجعية تجاه الإدارة الأمريكية وقوات الاحتلال، منذ دخول قواتهم عام (2003م) إلى حين خروجها عام (2011م)، وما رافق ذلك من مواقف كثيرة.

* س3: هل تحاول إيران أنْ تلعب دورًا سياسيًّا في العراق حاليًّا؟
وهل حاول الإيرانيون الاتصال بكم؟
* ج3: يفترض بجميع الحكومات أنْ تحترم سيادة العراق وإرادة شعبه، ولا تتدخل في شؤونهم، وليس لدينا ﭐتصال بأيَّة جهة أجنبية فيما يخصُّ الشأن العراقي.

إنَّ هذا السؤال كما بينت سابقًا يعدُّ محوريًّا ودقيقًا بالنسبة للإدارة الأمريكية، والإعلام الأمريكي، ودوائر البحث الأمريكية، حيث التجربة الإيرانية الكبيرة التي فرضت وجودها بقوة في العالم، ورفضت أي نوع من الهيمنة الأمريكية والغربية على مصالحها، ولكن كان الجواب واضحًا بأنَّ الشأن العراقي لا يمكن أنْ يحدده إلا العراقيون، وما يوجد من تجربة حكم في البلدان المجاورة التي نتفق معها عقائديًّا لا يعني ضرورة تطبيق نظام الحكم نفسه، وأنَّ ولاية الفقيه التي تخشاها أمريكا والغرب لا تطبق في العراق، وفي الجواب رسالة إلى جميع الدول الإقليمية المجاورة للعراق وغيرها بوجوب ﭐحترام الشعب العراقي وعدم التدخل في شؤونه العامة والخاصة، وإنَّ هذا التدخُّل هو بمثابة فرض إرادة خارجية على الحكومة والشعب، وفي ذلك إساءة واضحة للعراقيين، وهذا الموقف الوطني للمرجعية كان ثابتًا واضحًا صريحًا منذ ذلك الوقت إلى اليوم، حيث دعوات المرجعية في لقاءات العامة والخاصة للسياسيين العراقيين وغيرهم بأهمية أنْ يكون للعراق كيان خاص به، يقرر مصيره أبناء بلده، والمرجعية لا ترضى بتدخل أي دولة في شؤونهم ما لم يطلب منها رسميًّا من الحكومة العراقية، على وفق سياسة المصالح المشتركة بين البلدان، وهذا الجواب ليس هو خاص بالدول غير إيران، بل يشمل الجميع كما هو في الجواب؛ إذ لكُلِّ بلد وضعه الخاص به، والذي قد لا يشترك مع الآخرين فيه.


* س4: هل أبناء الطائفة الشيعية الكريمة موحدون في العراق حاليًّا؟ وكيف هي العلاقة مع المراجع الأخرى؟
* ج4: العراقيون بجميع طوائفهم ومذاهبهم، من الشيعة وغيرهم، موحدون في المطالبة باحترام إرادتهم في تقرير مصيرهم، ورفض أنْ يخطط الأجنبي لمستقبلهم السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي.

إنَّ في السؤال الرابع تأكيدًا لما مضى من ﭐستفسارات بهذا الشأن لمعرفة الواقع السياسي والمجتمعي للعراقيين، ومدى تأثير المرجعية فيه، وعلى أساس هذا المعرفة يتم بيان الخطط المستقبلية له، فكان الجواب إيجابيًّا من حيث وحدتهم في مطالبهم بالحكم الوطني وعدم تدخل الأجنبي، وهذه الرؤية التي يريد معرفتها الأعلام من المرجعية هي رؤية في صميم المعرفة السياسية والعسكرية؛ لعلمهم التام بصدق المرجعية وواقعيتها في جوابها المنبثق من واقع الأمة التي لها يد ووجود في أغلب كياناته، بخلاف الرؤية السياسية للسياسيين أو الإعلامية  للإعلاميين، وبذلك يمكن الحصول على معلومات أكبر مصداقية، وأكثر دقة، والمرجعية  لا تخشى ذلك، بل إنَّ المرجعية قد أكدت للإدارة الأمريكية من خلال هذه الوسائل الإعلامية بأنكم تتدخلون في مفاصل الحياة للعراقيين، ونحن على معرفة تامة بذلك، وأنَّ جميع تحركات الإدارة وأعوانها مرصودة لدينا، ونحن نحذر الشعب دائمًا من المخططات المعلنة والخفية، في شتى مجالات الحياة التي تحاولون التدخل فيها، والسيطرة عليها، سواء السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية،  أو الثقافية، وقد أثبتت الأيام عمق نظرة المرجعية، وصدق تحليلها لتلك التدخلات المقيتة، التي كانت سببًا رئيسًا لتدمير البلاد في مجالات شتى؛ ﭐنتقامًا وحقدًا على الشعب العراقي الذي لم يسِرْ خلف الإدارة الأمريكية، بل سار خلف المرجعية الدينية في المطالبة بتحرير بلادهم من الاحتلال الأمريكي، وتصديهم للمخططات الاستعمارية التي تريد إخضاع العراق والعراقيين لهم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . الشيخ عماد الكاظمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/12/13



كتابة تعليق لموضوع : السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله) في الإعلام الغربي 2003م-2004م – قراءات ورؤى- (الحلقة الثانية)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net