صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

عندما يفلس المجتمع معرفيا / الجزء الأول
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تتكدس البضائع في دكاكين المفكرين (الإسلاميين) والمتفلسفين اللاإسلاميين، ليس بينهما علامة فارقة إلاّ اللهم في التسمية. كل شيء في دكاكينهم يكون معروضا للبيع وبأسعار منافسة، وللمعارف تكون الأسعار تفضيلية رمزية. وعند الإغلاق في المساء توزع على وذاك بالمجان، وما تبقى من (كل شيء) لليوم التالي يكون بالمجان إضافة إلى خدمة التوصيل "دِليفرَي" على البيعة التي هي أساسا بالمجان (بلاش). نبتعد خطوة في كتاباتنا عن السياسة وفنونها وجنونها وتناقضاتها، لنتقدم خطوة نحو مجتمعنا المهمل عمليا والمُعتنى به حد النخاع نظريا وتنظيرا كلاميا إستهلاكيا خارج منطقة التغطية الفكرية، عبثيا لا طائل تحته ولا قوائم يستند عليها ولا حتى عصا يتوكأ عليها وعند الضرورة يهش بها عن الغنم. كلاما هزيلا لا منفعة من قوله ولا مسرة  بسماعه كهواءٍ في شبك. أصبحنا أمة الكلام والناس حولنا أمم تعمل وتكافح وتصنع وتنتج وتتقدم، فبضاعتنا كلامنا ورأس مالنا كلماتنا. فلو أردت أن تكون  وطنيا مخلصا لوطنك الذي يُعد حبه من الإيمان، فما عليك إلاّ أن تجيد الكلام وتتمنطق على الأصول، تشجب وتستنكر وتعترض أو توالي ( لا فرق في الحالتين)، وتزبد وتعربد وتصرخ وتتشنج وتسعل، وتمثل قليلا فتنفعل وتضرب الطاولة وترمي بأوراقك في الهواء وتطلب (كباية مي باردة) من مخرج المسرحية، وذلك أقوى الإيمان. نعمر مجتمعاً بالكلام ونبني وطناً بالكلام في الأحلام، ونساعد الفقراء بالكلام، ونحارب الجهل والتخلف بالكلام، ونغزو الفضاء بالكلام، ونضع قواعد جديدة للخوارزميات ومفكوك نيوتن بالكلام.  فعلى الكلام ألف تحيةٍ مِنّا وسلاما. نشرح أكثر ونفصّل: لو طرق باب احدنا سائل جائع وإلتمسه ان يتصدق عليه بلقيمات يسد بها جوعه، فهل يصلح لمن هو المكرّم المنعّم الشبعان حد التخمة ان يبين لهذا الجائع المسكين فوائد الصوم ومستحبات الإمساك حتى بغير نية الصيام؟ وان الجوع والصبر عليه خير من الشبع و التنعم والرفاهية، كما فعل صاحب القوارير، ليزداد ذلك المتوجع من جوعه همّاً ونكدا وحسرة على العباد، ويعود طويل العمر فيضرب الثريد والعصيد مع أفخاذ الخراف المشويات المحمصات بالخمس مجتمعات.

صاحب القوارير والحمّال المسكين..

إستأجر رجلٌ حمّالاً ليحمل له قفصا مليئاً بالقوارير على أن يعلّمه (للحمّال) ثلاث خِصالٍ ينتفع بها، وأن يركب الرجل الحمار، والحمّال يحمل القوارير على ظهره ويمشي واجرته كما قلنا هي ان يتعلم تلك الخصال. وافق الحمّال بذلك العرض وحمل القوارير على ظهره ومشى، والرجل مستأنس بالركوب ومسترخٍ ومنشرح، وبعد خطوات أخرج من كيس بيده دجاجة مشوية وبدأ يتلذذ بأكلها والحمّال المسكين يكاد يسقط أرضا من شدة الجوع ورائحة الشِواء الشهية. لمّا إنتهى الحمّال إلى ثلث الطريق قال للرجل : هاتِ الأولى (يعني بها الخلصة الأولى).

فقال الرجل : نعم. ثم قال : مَنْ قالَ لكَ أن الرُكوبَ (ركوب الدابة) خيرٌ من المشي فلا تصدقه. هضمها الحمّال وسكت وأطرق. ولمّا إنتهى إلى الثُلثِ الثاني من الطريق الطويل الشاق قال للرجل : هاتِ الثانية.

فقال الرجل : نعم. ثم قال : مَنْ قالَ لكَ أن الشبعَ خيرٌ من الجوع فلا تُصَدِقْه.

فقال له الحمّال مستغربا ومتعجبا : لا أجد أية منفعة من هذه الخصال التي ذكرتها يا عافاك الله!

ولكن الرجل كان لا يزال مشغولا بأكل دجاجته المفضلة اللذيذة فقال للحمّال : صبرا يا هذا ولا تستعجل، فربما النفع والخير في الخصلة الثالثة. إستبشر الحمّال ونسي جوعه وتعبه على امل ان يتعلم شيئا ينتفع به لغد، فلمّا إنتهى إلى باب البيت قال : هاتِ الثالثة.

فقال الرجل : نعم. ثم قال : مَنْ قالَ لكَ أنه وَجَدَ حمّالاً أرَخَصَ منكَ فلا تُصدقه.

غضب الحمّالُ وشعرَ بأن صاحب القوارير قد غشه وخدعه وإحتال عليه وضحك على ذقنه، فرمى قفص القوارير أرضاً فتكسرت جميع القوارير وقال لصاحبها المحتال : مَن قالَ لكَ أنه قد بَقيَتْ في القفص قارورة واحدة صحيحة فلا تصدقه. حالنا هو يشبه كثيرا حال صاحب القوارير، فكم صاحب قوارير في مجتمعنا يأكل أموال الفقراء والمساكين واليتامى وأتعابهم بالباطل دون ان يمنعه وازع خُلُقي أو تأنيب ضمير. نتنعم بالنِعَم وننهر السائل المحتاج ونكتب عن الصبر على الجوع وقلة الحيلة وانعدام ما في اليد. من اغرب ما سمعته هو أني كنت يوما أجلس بجوار احد الميسورين فجاءه احد المنكسرين المعدمين وهمس في أذنه بأن يجود عليه ويتكرم ويتلطف ويرزقه مما رزقه الله تعالى، ولكن صاحبنا إستشاط غضبا وأقطب حاجبيه وإحولت عيناه ونهر الذي أمرنا الله بعدم نهره وقال له : أنتم تحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، اصبروا وتذكروا جوع يوم القيامة!

قلت له : تسكن القصور الفخمة وتركب السيارات الفارهة وتلذذ باصناف الطعام وتدعو الناس للزهد في الدنيا لأن كل ما فيها إلى زوال لا محال.

وهل قَصْرُكَ باقٍ لا يزول يا شيخ؟؟؟!!!

نتحدث عمن يسمونهم مفكرين إسلاميين ومحاضرين اكاديميين ومبلغين دوّارين متجولين وعلى سفر على مدار العام  بحثا عن صيد دسم  فكل بلد له سعره وتعريفته على لغة أصحاب التاكسي، وكذلك البحث عن حضور جماهيري كبير ليزداد بهم  شهرة ويكثر الطلب عليه فيرتفع السعر الذي يغطي كل النفقات : آكل شارب نايم ومتبضع هدايا ثمينة للعيال. والخاسر الوحيد هو المستمع الذي لا يسمع ما ينتفع به في دينٍ أو دنياً ، كالحمَال وصاحب القوارير سيء الذكر. احدهم دعا الناس لشراء البيوت والعقارات وكلّما كانت فخمة كان الإنتفاع بها أكثر، وتحفظ بها (بشراء البيوت) الأموال من الإسراف والتبذير ( أظنه يعني بها الإنفاق في سبيل الله) ثم يواصل دعوته : أول خطوة أينما ذهبتم هي ان تدخروا اموالكم وتشتروا بيتا واسعا فانه من حسن حظ المرء. فقلت له: ومن سوء حظنا أن نستمع إليك يا شيخ!! لقد إستهلك هذا المحاضر المحترم جُلَّ الوقت الثمين في الحديث حول العقار ورأس المال والمضاربة، والتجارة وربحها والخسارة وجبرها، وكأننا نقف مع الذين إشرأبت أعناقهم في النظر إلى شاشات مؤشرات بيع وشراء الأسهم في بورصة وول ستريت أو ناسداك أو في بورصة شارع الكفاح المتواضعة. قلت لمن كنت جالسا الى جواره بعدما انتهت المحاضرة وكانت في ليلة التاسع من شهر محرم الحرام : دَخْلَك يا حاج شو السيد دلاّل عقارات؟

إبتسم وقال : لا، ليس دلّالاً، لكنه أول من يقول الحقيقة دون مراوغة وغش، هو يعيش في قصر عاجي فخم ويريد ان يقول لنا ان العيش في القصور لا يشبه العيش في الخرائب، وان العيش في القصور أجمل وأسعد وأحلى وألذ وأكثر متعة وإستمتاعا. قلت لأحدهم : تسكن القصور وتدعو الناس ان يزهدوا في حياتهم فالدنيا وما تحويه حطام زائل وتجارة هي تبور يوما. والزائل كما يقول العلماء هو اما ان يزول عنك يوما او انت  تزول عنه. والنعمة اما ان تفارقك يوما او ان انت  تفارقها (بعد عمر مديد للجميع). قال لي : أبدا فأنا وإن كنت أسكن القصر  الفخم لكني غير متعلق به فالسكن في القصر او الكوخ البسيط عندي سيّان. قلت يا شيخ  كيف يكون ذلك عندك سيان!! فلو كان ذلك كذلك لإخترت الكوخ على القصر ولشعرت أن الكوخ أكثر فسحة من الفيلا ذات الأربع طبقات في كل طبقة ما شاء الله من الثريات الإيطاليات المرصعات بالاحجار الثمينات، والأرضيات مفروشات بالسجادات النائينيات والكاشانيات المزينات بالرسومات الأثريات القديمات ذات الأسعار الغاليات، والفقراء حولك جيّاع تراهم في طريقك إلى قصرك رواحا ومجيئا بكرة وعشيّان فلا قلب يرق لحالهم ولا يد تمد لمساعدتهم ولا أذن تسمع أنين جوعهم، تنام ليلتك متخوما قد أسرفت في الطعام، وينامون أمام قصرك ومعداتهم خاويات وبطونهم تكاد تلتصق على ظهورهم، يرتعشون من شدة برد  الشتاء القارس، ويتصببون عرقا من شدة حرّ الصيف الساخن. كسرات رغيف خبز مع كأس ماء يقنعهم، ولا تقنع جنابك إلاّ برائحة العنبر والزعفران وبقية الألوان.. يا شيخ لو كان الأمر سيّان لكنت مثل جارنا رحمه الله فقد قضى عمره في بيت لا تتجاوز مساحته الأربعين مترا مربعا بالتمام والكمال، وكان يقول لأولاده : بيتٌ صغير في جوار أمير المؤمنين عليه السلام خيرٌ لي ولكم ألف مرّة من قصر يقسي القلب وينسي ذكر الربّ. ليس معنى هذا ان كل غنيّ يكون قاسي القلب وكما قال الشاعر:

ما احسن الدين والدنيا إذا إجتمعا   ****   واقبح الكفروالإفلاس بالرجل

إنما قولنا في الذي يعيش الغنى ويدعو الناس للفقر ويصبّرهم عليه وهو أحوج منهم إلى النصح والموعظة. لن ولا نسأل الله يوما الفقر بل نستجير بالله منه وندعو بعد كل لقمة نأكلها : اللهم أشبع كل جائع، اللهم أغنِ كل فقير. اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيك وبفضلك عمّن سواك يا حيُّ يا قيوم، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، اللهم أرزقني وارزق عالي من فضلك يا كريم ولا تردني خائبا يا ارحم الراحمين.... نعم، لا نسال الله مالا نطغى به فيُخْسَفَ بنا، ولا جاها نظلم به فيُنتَقَمُ منّا، ولا قوة نبطش بها فنكون من الجبارين، لكن أن نسأل الله الفقر فلا.

وآخر مثله في الإبتلاء..

هذا الشيخ المحترم يدعو الناس أن يكنزوا الذهب وليس الفضة، لأن الذهبّ ذهبٌ كما يصفه جناب الشيخ. وصف موجز وشامل وهل البلاغة إلاّ الإيجاز. ويواصل الشيخ حديثة: قللوا من مشترياتكم واقبضوا ايديكم واكنزوا الذهب فالقرش (الذهبي) ينفع لليوم النحاسي. ويواصل الشيخ الكريم : نحن مقبلون على أزمات وزمان قحط وصعوبة عيش وفقر وجوع وووو. لا أحد يتصور اين يسكن الشيخ وماذا يركب جنابه الكريم. ليس لدينا مشكلة مع شخص الشيخ والعياذ بالله لكن عندنا وقفات مع طرح الشيخ حفظه الله وما الكتابة هنا وهناك إلاّ من اجل الفات نظر من يهمنا امره وطرحه. الشيخ يدعو الناس بأن يهتم كل بنفسه كما في يوم القيامة " يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ". ويدعو تماما عكس ما ندعو إليه، يدعو لنشر ثقافة الأنا البغيضة بين الناس وان يحفظ الناس أموالهم ولا يبذرونها بمساعدة المحتاجين فغدا الكل يصبح محتاجا لأن الفتن والأزمات في طريقها إلينا والغلاء سيضرب أطنابه ويكون فاحشا وقد اعذر من أنذر!!! يا شيخ.. مهما كان القادم عظيما فالله تعالى الذي مؤمن به ونعبده ولا نشرك بعبادته أحدا ونستعين به هو أعظم وأعظم وأعظم

. مهما كان القادم عظيما فقد أعددنا لكل هول لا إله إلاّ الله. يا شيخ :
أعددت لكل هول لا إله إلا الله))
ولكل هم وغم ما شاء الله
ولكل نعمة الحمد لله
ولكل رخاء الشكر لله
ولكل أعجوبة سبحان الله
ولكل ذنب أستغفر الله
ولكل معصية إنا لله إنا إليه راجعون
ولكل ضيق حسبي الله
ولكل قضاء وقدر توكلت على الله
ولكل عدو اعتصمت بالله
ولكل طاعة ومعصية لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)).

يا شيخ جاء في الحديث القدسي الشريف : "يا إبن آدم لا تسألني رزق غد كما لا أطلب منك عمل غد.

الخطيب في النجف الأشرف ووالدي..

جرت العادة ان يكون هناك مجلسا حسينيا في صحن امير المؤمنين عليه السلام وكان الخطيب اللامع الكربلائي الحسيني السيد حسين الشامي يرتقي المنبر كل ليلة جمعة على ما أتذكر قادما من مدينة كربلاء الحبيبة المقدسة وقاصدا زيارة جده مولى الموحدين عليه السلام. كان السيد يحيى المجلس بمحاضرات راقية وهادفة  ويتعرض فيها للموعظة الحسنة. في الأثناء برز أحد الخطباء وكان سيدا كذلك وبدأ يقرأ في ذات المكان اثناء غياب السيد الشامي. طلب منه والدي ان يمدد المجلس لأسبوعين بدل الأسبوع ولكن السيد وقتها طلب من والدي مبلغا ضخما فقال له والدي : سيدنا شعجب تطلب هذا المبلغ الكبير؟ فبرر السيد ذلك بانه يشتري المصادر بأسعار مرتفعة. فقال له الوالد: بإمكانك ان تستعير المصادر من المكتبات وإذ أردت فخادمك محمد جعفر يؤمنها لك. أبى السيد ورفض واصّر على المبلغ. وافق والدي رحمه الله وبدأ السيد الأسبوع الإضافي. حضرت مع والدي مجلس السيد في صحن أمير المؤمنين ع ولما انتهى السيد من المجلس دنا منه الوالد وقال له: سيدنا كان بإمكانك ان تحذف هذه العشرة دقائق التي تعرضت بها لحياة السلحفاة ودرعها وأكلها، وتلك العشرة  التي تحدثت بها عن هجرة الطيور وسباتها الشتوي، ان تحذف تلك المقاطع التي لا تنفع الزوار بشيء وتسامحنا في المبلغ!

لا نققل من أهمية المحاضرات والكتابات فقد كتبنا قبل عدة أيام عن استثمار الوقت بالمطالعة والقراءة وكذلك الإستماع لما فيه الخير والصلاح. هذه مجتمعة تشكل مادة وطاقة ووقودا للإنطلاق نحو العيش الكريم الذي يسوده التعاون وتأطره المحبة ومد يد العون وحب الإيثار وبناء الوطن وقبله بناء الإنسان الصالح الذي سوف يعتني بالوطن وبمن يعيش على أرضه ويتنفس هواءه. سوف لن نخطو الخطوة الأولى والمهمة دون العمل والتفاني به واتقانه على خير وجه.

الأبراج والمولات التجارية..

بعث لي أحد الأصدقاء صورا متنوعة عديدة لـ (مولات ) مراكز تجارية، وأبراج شاهقات ناطحات وغير ناطحات، وطرقات تزينها الأشجار الخضراء، وحدائق غنّاء، ومتنزهات فسيحات، وكتب تعليقا على تلك المناظر وقال : متى يصبح عندنا مثل هذا يا جعفر؟

قلت : بسيطة سيدنا الجليل، فقط عندما تعمل النخبة وأنت منهم بدل أن تطلبوا من الآخرين أن يعملوا لكم. نتعمق في الشرح أكثر ونقول : من الممكن بمكان أن نستورد كل شيء من الدول الأعضاء في الكرة الأرضية، نستورد الصلب والحديد والخشب والورق والقماش وعيدان الكبريت وصابون الغار(صابون رگي) وطلاء الأضافر والزيتون والرمان والموز والحمص والعدس والكشمش والزبيب واللوز والجوز والبندق والفستق والنفط والغاز والماء والكهرباءوأخيرا قرأت انه حتى بالإمكان شراء الهواء فهناك قنانٍ معبأةِ بالهواء تماما كقناني الماء، قنينة تحتوي على هواء طوكيو لمن كان اهله يسكنون طوكيا وقد اشتاق لشم هواء طوكيو وقنينة أخرى معباة بهواء بيونس ايرس وثالثة بهواء بوركينا فاسو. استيراد كل ما خطر على بالِ وجالَ في رأس، لكن هل يا ترى بالإمكان إستيراد من يفكر لنا كيف نعمل ومتى نعمل وأين نعمل وماذا نعمل!!! تلك لعمري معضلة المعضلات.

مفكرون ومتفلسفون من بلادي..

ربما يكون هذا العنوان الثانوي من هذا المقال المتواضع مادة للتندر والتبسم ولا بأس بذلك والدنيا هموم ( أزاحها الله عنا وعنكم وعن كل مهموم) لكنه في الواقع يعكس التقهقر الذي نعيشه ونتعايش معه، كبكتيريا الأسنان التي تتعايش مع المضادات والمطهرات في معجون الأسنان فتفسد عمله وتجعله مجرد رائحة نعناع منعشة يشبه علكة السهام طعما ومفعولا، لذلك ينصح أطباء الأسنان بتغيير معاجين الأسنان من حين لآخر لمنع تعايش تلك البكتيريا  وتكاثرها فتنخر بالاسنان وتسوسها. كذلك هي الأفكار الفاسدة عندما تعشعش في أدمغة بعض المفكرين المتفلسفين فينتج عنها نخر للفكر وتسوس للمعرفة فيطرحون خزعبلات يسمونها فكرا وفلسفة وحلولا سحرية. مصيبتنا أضحت وللأسف بمن كنا نظنه الطبيب المداوي واذا به هو المريض المتداوي. مبتلون واقعا بمن يعيش على أوجاعنا وآهاتنا وآلامنا ويحملها ـ بعد إعادة تدويرها ـ بضاعة مزجاة لا يشتريها منه إلاّ تجّار الفضائيات والأرضيات وأصحاب القاعات، والثمن الذي يقبضه نقدا وعدا هو ان يقدموه لنا كمفكر إسلامي وباحث رباني وفهيم نفساني ومحلل استراتيجي. بين الفينة والأخرى وعند الأزمات وكثرة واشتداد المعاناة يطل علينا أصحاب تلك الداكين التي ذكرتها في المقدمة بضاعتهم هواء في هواء، ولهذا تراهم (منفوخين)، ومن كان جلّ حمله هواء كيف لا تكون منتفخا (منفوخا)؟! الإشكال في كيفية خروج الهواء فتارة يخرج من الفم على شكل تخريف وهذيان وتارة يخرج من مكان آخر على شكل آخر. نعم للأسف مرة أخرى،هذا هو واقع الحال ولم اكن مبالغا فيه. مفكر فطحل ودكتور يطلب من مسؤول احدى الدول ان يجعل له (يسويله) بغداد مثل عاصمة بلاده ونسخة عنها ويرجوه لذلك ويلتمسه. بأس الفكر انه تخريف. كنت اظنه سوف يشحذ ههم الشباب ويشد على أيديهم ويتقدمهم حاملا شجرة يغرسها في الطرقات ليجلس غدا ويستظل بظلها ويأكل من ثمرها ويستمتع بالنظر إلى جمالها ويشكر الله تعالى أحسن الخالقين ويكون قدوة ومثالا حسنا يحتذي به وله اجر عمله فـ "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة". أعدت قراءة طلب هذا الدكتور المحترم عدة مرات ولأول مرة أراني عاجزا عن فهم سطر واحد من التفلسف المعاصر. ناديت أحد الأولاد المحترمين  ليشرح ويبسّط لي المعنى الفلفسفي حسب معرفتي وقدر استطاعتي لأفهم ما ذا يقول المفكرون جدا. فقال متواضعا جزاه الله خيرا : لا يا سيدنا حاشاك من عدم الفهم لكنك مصدوم!

الصدمة..

فعلا انها لصدمة وربما كارثة ان يكون على الأقل خطابنا (ان لم نقل عملنا) بهذا التردي والتقهقر الى الوراء وما اصعبه علينا. مفكر يطلب الوجبات الجاهزة التي من أقل اضرارها انها تسبب السمنة والبدانة وأقل مضاعفات البدانة هي الخمول وصعوبة الحركة والتثاقل الى الأرض، ناهيك عن الاضرار الصحية الكثيرة (عافانا وعافاكم الله). يشجع الوجبات الجاهزة واستيراد المعلبات (الفكرية) ولا (يزحم) نفسه بلبس بذلة العمل والجد فيه والإخلاص والإبداع أسوة ببقية خلق الله في مشارق الأرض ومغاربها، لينهض بنا إلى حيث المجتمعات والشعوب والدول وربما الى حيث القرى الصغيرة والارياف العصرية الجميلة المتحضرة.

ومفكر متفلسف آخر مثله والنفخ في ذات الصور..

هذا المحترم أراد أن يكون لامعا واكثر رواجا في اسواق الافكار الفاسدة بإعتباره مفكرا (اسلاميا او اسلامويا). أريد لو يسمح لي القاريء الكريم أن أتوقف هنا قليلا قبل اكمال هذه الفقرة لأتساءل : كيف يكون لمفكر اسلامي يعترض على الفكر الإسلامي؟ هذه صدقا لا أفهمها. كما أني لا أستطيع فهم من هو مثلا رياضي ولكنه في كل مناسبة ينعى الرياضة ويصفها بأنها مضيعة للوقت ومتعبة للأبدان ومكلفة بتجهيزاتها. وبكلمة أخرى أكثر وضوحا :لا أفهم كيف لعلماني لا يؤمن بشيء معين يعارض ويحارب كل شيء؟ مثلا يفترض بمن يؤمن بمطلق الحريات وان ليس للحرية حد يحدها ولا قانون ينظمها، يفترض بمن يؤمن بمثل هذا ان لا يحارب الحجاب ويتهم المحجبات بأنهن جاهلات ومتخلفات ومعزولات ومعقدات وهو خلو من ذلك كله؟ أمّا صاحبنا المفكر الإسلامي المتحضر فإنه يعترض على احد خطباء المنبر الحسيني على قوله : البركة والشفاء في زاد الحسين عليه السلام وان كان الزاد هو قطعة حلوى. ما الغريب في كلام هذا المحترم الخطيب؟ ونتساءل هنا : هل الإعتراض على عدم الشفاء بقطعة الحلوى أم الإعتراض على أصل الشفاء بزاد الحسين ع اساسا؟

أمّا عن الشِق الأول فنقول : وهل هناك من نص مذكور على ان الشفاء بزاد الحسين عليه السلام يكون محصورا بـ (التمن والقيمة) فقط مثلا؟

وامّا عن الشِق الثاني فنقول : ان الحكم على الأشياء في الجواز وعدم الجواز هو واحد. بمعنى أنك لو اشكلت على الشفاء بزاد الحسين ع فما قولك باشلفاء بماء زمزم. وزمزم ان كنت تجهلها ايها المفكر الإسلامي هي بئر يقصدها عموم المسلمين للتبرك من ذلك الماء المبارك وبنية الشفاء والأكثر من ذلك هو التضلع في شرب ماء زمزم. وبما أننا لا نكتب لفئة معينة، علينا ان نبيّن معنى التضلع الذي هو ان تشرب وتكثر من شرب ماء زمزم بحيث تشعر ان الماء قد ملأ جوفك ووصل إلى أضلاعك. هذه يا دكتور عقائد المسلمين التي نلت الدكتوره فيها. هذا كلّه من ناحية، ومن ناحية أخرى فأنت الدكتور والمفكر الإسلامي والمنظر ومع ذلك فانه يصعب عليك الفهم بأن الله قد يجعل الشفاء في زاد الحسين ع  كما قد يجعل الله الشفاء من الأسقام بماء زمزم، وسقيا زمزم باقية وستبقى وهي خير شاهد. أعود فأقول أن كنت تشكل عل الشفاء بزاد الحسين ع، فالزاد هو طعام يؤكل فربما إحتوى على فيتامنات وبروتينات وكربوهيدرات وزيوت طيّارة وما الى آخره وانت مع ذلك تشكل على الخطيب ذلك، فبأية وسيلة توضيحية وبأية لغة سنشرح لك أن الله قد جعل الشفاء بتربة الحسين عليه السلام  كرامة للمولى ع. إذا كنت تشكل على الشفاء بزاد الحسين ع ومن قبله بماء زمزم فكيف السبيل لإقناعك ايها المفكر الإسلامي بان الشفاء قد يكون بتربة الحسين ع دون ادنى ريب كما ان الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم هم من ذريته دون ادنى ريب كذلك. أيها الدكتور المحترم اما علمت لماذا يُقصد الحسين عليه السلام كل ليلة جمعة وفي سائر الليالي والايام، ذلك ان الله قد جعل إستجابة الدعاء تحت قبته المطهرة كرامة أخرى للمولى ع. أرجو من الله يا دكتور أن أكون في خدمتكم وسببا في إلفات نظركم وان تذكرني بعد ذلك بالدعاء كما اني اصلي لك بالتأكيد. لقد ذكرنا في مناسبة سابقة ان لتربة كربلاء رائحتها الزكية وعطرها الفوّاح الآسر لكن لا يشمّ ذلك العطر إلاّ الأنف العطري الإيماني. آمل أن يكون كلامنا تحفيزيا وليس تشهيريا شخصيا آنيا انفعاليا. ما يهمنا بالدرجة الأولى هو نشر الفضيلة وما ينفعنا في الدنيا والآخرة وعلى الاقل هكذا نظن وهكذا نتمنى والتوفيق بيد الله وهو من وراء القصد وانما الأعمال بالنيات. ليست هناك حساسية شخصية معينة فكل الذين ذكرتهم في المقال  احترمهم واتمنى لهم حظا اكثر سعادة كما اني لست منافسا لهم في الصنعة والمهنة. أكرر دوما بأن لدينا كمّاً هائلا من القواعد الأخلاقية التي تسمو بنا على الصغائر والضغائن والأنا المقيتة، لكننا لا نعمل بتلك القواعد الراقية ومنها "رَحِمَ اللهُ مَنْ أهدى إليَّ عُيُوبي". لقد قلبنا هذه االقاعدة الأخلاقية الت وضعها الإمام الصادق عليه السلام ووضعنا عكسها : (الويلُ الويلُ لمن ذكرَ لي عيوبي).

 

نسأل الله العافية


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/12/30



كتابة تعليق لموضوع : عندما يفلس المجتمع معرفيا / الجزء الأول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net