قراءة في كتاب
عنوان الكتاب: الاعجاز العلمي في القرآن الكريم
المؤلف: الدكتور حميد النجدي
الناشر: دار الأنصار
الطبعة الثانية 1428 هـ| 2007 م
يعدّ القرآن الكريم الكتاب الوحيد من بين الكتب السماوية الذي لم يتعرض للتحريف، فلم تغير من هذه الحقيقة كثرة الفرق الاسلامية التي اتفقت على النص القرآني الشريف الذي حفظه الله تعالى. وهذه بحد ذاتها معجزة من المعاجز الباهرة للقرآن الكريم. وهي خصوصية خص الله بها القرآن الكريم دون غيره من الكتب السماوية الأخرى.
فقد قرأ المسلمون الأوائل القرآن الكريم ولم يدركوا المراد من بعض الآيات، لاسيما التي تشير إلى الأمور العلمية. فمثلا، الآية الكريمة (وإذا البحار سجرت)(التكوير| 6)، كان معنى التسجير اشعال النار. فكيف يشتعل الماء نارا؟ بيد أن الانسان في وقتنا الحاضر يدرك أن الماء مكوّن من عنصري الهيدروجين الذي يشتعل بطبيعته والاوكسجين الذي يساعد على الاشتعال مما يؤدي إلى تكوين شعلة تذيب الحديد.
على أننا ينبغي ألا ننسى أن القرآن كتاب هداية ودستور أمة وليس كتابا علميا، لكنه يشتمل على اشارات علمية.
كما يجدر بنا أن نذكر أن تفسيرنا لتلك الآيات يأتي في إطار الاحتمال لا القطع لكون تأويل القرآن لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من جانب، ولعدم تحميل الآيات أكثر مما يقتضي من جانب آخر.
كما ينبغي ألا ننسى أن ثمة نظريات علمية لم تثبت صحتها على نحو قاطع، لذلك لا يمكن أن نحمل الآيات الكريمة عليها على نحو قاطع.
وجدير بالذكر، أن منهج الآيات الشريفة التي تشير إلى العلوم يثبت أمورا منها: أن القرآن الكريم لا يشتمل على ما يناقض ما توصلت إليه العلوم الحديثة. وهذا ما لاحظه العالم الفرنسي موريس بوكاي مؤلف كتاب(دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة). كما أنه سبق العلوم الحديثة بإيراد حقائق علمية صحيحة لم يتوصل إليها الانسان إلا بعد قرون من التنزيل. وهذا هو الاعجاز بعينه.
كما أن أي مؤلَّف يضعه الانسان تستبين أخطاؤه مع تقدم العلوم وتطور الكشف العلمي، لكن القرآن الكريم يثبت صدق ما يقدمه من معلومات في المجالات كلها: التشريعية والعلمية واللغوية والبلاغية وسواها، دون أي اختلاف ولا تعارض. وهذا دليل قاطع على أنه من عند الله.
والقرآن الكريم مستمر في تلك العملية في كون الآيات تسبق العلوم فيما تتوصل إليه. فقد وعدنا الله في الكشف عن (الآيات) مستقبلا، كما في قوله (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(فصلت| 53).
كانت البيئة التي نزل بها القرآن الكريم في غاية التخلف العلمي والديني والحضاري والسياسي. وبقي القرآن منذ ذلك الحين يتحدى كل العصور بما جاء به من مبادئ وأفكار.
ثم أن الله جل شأنه ذكر في كتابه الكريم ما يدل على أنه ليس من وضع البشر. من ذلك ما قدمه من تحديد لجنس الجنين والتغذية الصحية وتحريم لحم الخنزير.
على ان ثمة مواضيع كثيرة تناولها الكتاب الكريم، نقتطف بعضا من بينها.
فقد ذكر سبحانه بصدد تحديد الجنس أن المسؤول عن ذلك هي نطفة الرجل وليس كما كان شائعا بويضة المرأة. فقال سبحانه (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ)(النجم 45-46). وقال كذلك (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ)(القيامة 36-39). فالضمير في التعبير(منه) يعود على مني الانسان الذي يعود للرجل. وتؤكد ذلك الآية الكريمة (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ...)(البقرة| 223). فالمرأة مثل الأرض التي تعطي محصولا مما يبذر فيها.
وعن البحار يذكر القرآن الكريم الآية الكريمة (...أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ...)(النور| 40). وحديثا عرف الناس أن ثمة قسمين للبحر: البحر القاري والبحر اللجي، والأخير هو الجزء العميق من البحر الذي يحوي معظم الماء. وحينما تُليت هذه الآية على عالم البحار(كوستو)، أدرك أن ذلك ليس من كلام الانسان. فما كان منه إلا أن أعلن اسلامه.
وعن أخفض نقطة على وجه الأرض تذكر الآيات الكريمة من سورة الروم (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ)(2-3) كلمة(أدنى) وهي إشارة إلى البحر الميت الذي يمثّل أخفض نقطة على وجه الأرض التي تنخفض بمقدار 1300 قدم عن مستوى سطح البحر.
وعن عمد السماء الوارد ذكرها في الآية 2 من سورة الرعد (ٱللَّهُ ٱلَّذِى رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍۢ تَرَوْنَهَا) وفي الآية 10 من سورة لقمان (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ...)، ثمة إشارة إلى أن هنالك أعمدة غير مرئية. فهي الاشارة إلى قوة الجاذبية التي اكتشفها نيوتن (1642-1727)، كما تشير إلى القوة الطاردة التي تبقي الأجرام السماوية في مواقعها بأبعاد مناسبة. وقد أشار الامام علي(عليه السلام) لذلك بقوله: (هذه النجوم التي في السماء مدائن، مثل المدائن التي في الأرض مربوطة كل مدينة إلى عمودين من نور).
وعن توسع الكون يذكر أن أينشتين عندما طرح نظريته النسبة عام 1915، توصل بعد عامين من خلال معادلاته إلى أن الكون في حالة توسع دائم. وكان السائد لدى العلماء حينئذ أن الكون ساكن. كما كانت مجرة درب التبانة هي أبعد ما توصلوا إليه. لذلك كانت معادلاته تخرج بنتائج مختلفة عن المتوقع. لكن الفيزيائي الكساندر فريدمان في عام 1922 أكد صحة نتائج معادلات أينشتين. وفي عام 1929 توصل العالم الفلكي أدوين هبل من خلال مراقباته الطويلة بمرصده إلى أن هنالك ملايين المجرات غير مجرتنا. وتبتعد تلك المجرات بسرعات تفوق الخيال عنا وعن بعضها.
وعاد أينشتين إلى نظريته بعد اربع عشرة سنة من السكوت عن اتساع الكون، أي عام 1931.
وقد فسر دوبلر ظاهرة اختلاف اللون بين النجوم عام 1942. وتمكن العلماء من خلال ذلك من معرفة سرعات النجوم وكذلك سرعة تباعد المجرات عن بعضها.
وقالوا إن الكون بهذه الحالة ماض إلى ما يشبه الانفجار. وهذا ما تتحدث عنه الآية 47 من سورة الذاريات (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ).
ومما يؤيد ذلك قوله تعالى في الآية 104 من سورة الأنبياء (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ...)، أي نعيده كما بدأ، في إشارة إلى ما حدث في الانفجار العظيم الذي بدأ به الكون.
وختاما فالكتاب نزهم علمية في كتاب الله، تناول كثيرا من الحقائق العلمية التي لا يمكننا ذكرها كلها في هذه العجالة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat