صفحة الكاتب : شعيب العاملي

الزهراء.. نورٌ من نور الله   سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، سيما بقية الله في الأرضين، واللعن على أعدائهم إلى يوم الدين.
 
اقترابُ الأيام الفاطمية فرصةٌ لإحياء اسم الصدّيقة الكبرى، والمحدَّثة العظمى عليها السلام.
 
جميعنا لم نعرف فاطمة، وعدم المعرفة هو مقتضى القاعدة، وليس خلاف القاعدة!
وهذا يعني أن معرفتها غير ممكنة!
 
ورد في الرواية المعتبرة: إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ لِأَنَّ الْخَلْقَ فُطِمُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا.
كلُّ الخلق وليس الإنس فقط، بما فيهم الجن والملائكة إلى أعلى عليين، كلُّهم فطموا وانقطعوا عن معرفتها.
فأيُّ جوهر تكون؟
 
إن جملةً واحدة في القرآن الكريم كافيةٌ لتجسّد هذه العظمة، فلقد كان كلُّ الخلق وبعثة الأنبياء مقدمةً لخلق وبعثة الخاتم (ص)، وما يُحيِّرُ هنا هو أن الله تعالى قد مَنَّ على جميع المؤمنين من الأولين والآخرين ببعثة الخاتم.. ومنّ الله على الخاتم بعطيَّة هي الصديقة الكبرى!
قال تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَر * إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾.
 
ورد في الحديث الشريف: لِفَاطِمَةَ عليها السلام تِسْعَةُ أَسْمَاءٍ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فمن كانت أسماؤها (عند الله) فأين مستقر (مُسَمَّاها)؟!
و(العِنديَّة): ﴿عِنْدَ مَليكٍ مُقْتَدِر﴾ غيرُ قابلة للإدراك! ويستفاد من هذه الرواية أن واضع الأسماء هو نفس الذات القدّوسية الإلهية.
 
أما أسماؤها، فكلُّ واحدٍ منها بحرٌ:
الأول: فَاطِمَةُ.
وقد ورد في التفسير عن سادس الأئمة (ع): إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ لِأَنَّ الْخَلْقَ فُطِمُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا، وإنما تفيد الحصر.
 
الثاني: الصِّدِّيقَةُ.
الثالث: الْمُبَارَكَةُ.
وهذا الإسم ورد في الإنجيل، ولكنّها مباركةٌ بأيّ بركة؟
بالعلم الحسنيّ، والشجاعة الحسينية، والعبادة السجادية، والمآثر الباقرية، والآثار الجعفرية، والعلوم الكاظمية، والحِجج الرضوية، والجود التقوي، والنقاوة النقوية، والهيبة العسكرية، والآخر مَن كانت بعثةُ تمام الأنبياء والمرسلين في طريق ظهوره.
ثمرة المعصومين (ع) من هذه الشجرة الطيبة.
هذه هي فاطمة المباركة: ﴿إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَر * إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾.
 
وَالطَّاهِرَةُ وَالزَّكِيَّةُ وَالرَّضِيَّةُ وَالْمَرْضِيَّةُ وَالْمُحَدَّثَةُ وَالزَّهْرَاءُ.
ولكل واحدٍ من هذه الأسماء شرحٌ.
 
وهي الحوراء الإنسية، ليست إنسيّة فقط، بل حوراءُ في غطاءٍ إنسانيّ.
هي المباركة وأيُّ بركة!
هي الثمرةُ التي لها أحد عشر جوهرة، واحدٌ منها: ابن النبي (ص)، الذي أعطاه الله تعالى زجاجة يجمع فيها دمه، ووضعها في قائمة العرش، فهي تهتزّ إلى يوم القيامة!
 
هذه بركتها، فكيف تكون معرفتها ميسّرة وممكنة؟
نحن نكتفي بهذه الرواية، المروية في علل الشرائع، وسندها في غاية القوة.
 
عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ: لِمَ سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ زَهْرَاءَ؟
وفِقه هذا الحديث مفصّل وموسّع جداً، فنعرض منه بقدر الميسور.
فقال: لِأَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَهَا مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ: فمبدؤها هو هذا، هي مخلوقةٌ ولكن من أيّ شيء؟ من نور عظمة الله تعالى.
 
قلتم في الركوع عمراً: (سبحان ربي العظيم)، فمبدأ (العظيم) مَنشَأ خلق فاطمة عليها السلام.
مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ: من نور الله، ومن عظمة الله، هذا مبدأ خلقها.
 
فَلَمَّا أَشْرَقَتْ أَضَاءَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ بِنُورِهَا: أي أنّها أشرقت على كل عوالم الوجود.
وَغَشِيَتْ أَبْصَارُ الْمَلَائِكَةِ، وَخَرَّتِ الْمَلَائِكَةُ لله سَاجِدِينَ: فقه الحديث يحتاج لبحث مفصّل.
 
يقول أمير المؤمنين عليه السلام في وصف الملائكة: مِنْ مَلَائِكَةٍ أَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ، وَرَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِكَ، هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ، وَأَخْوَفُهُمْ لَكَ، وَأَقْرَبُهُمْ مِنْك.‏
ومن الملائكة من جاوزت السماء السابعة رؤوسهم، وثبتت في الأرض السابعة أقدامهم، هؤلاء الملائكة غشيت أبصارهم وخرّوا ساجدين لما رأوا هذا النور!
هذا باطن فاطمة عليها السلام، وهذا معنى الزهراء، وهذا سِرُّ عجز الخلق عن معرفتها، كل الخلق، وليس الإنسان وحده.
 
نحن ذكرنا فاطمة عليها السلام عمرنا، لكنّا لم ندرك حقيقة هذا الإسم.
تتمة الحديث:
وَقَالُوا: إِلَهَنَا وَسَيِّدَنَا، مَا هَذَا النُّورِ؟
ينبغي أن تدققوا في فقه الحديث..
فَأَوْحَى الله إِلَيْهِمْ: لمن أوحى الله تعالى؟
لجبرئيل، وفيه: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى‏‏﴾.
وهنا يحار العقل، أوحى لهم تعالى:
هَذَا نُورٌ مِنْ نُورِي: من يفهم آية النور يفهم ذلك ﴿الله نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ﴾.
 
المشكاة هي الزهراء، والمصباح الأول هو الإمام الحسن المجتبى، والمصباح الثاني هو سيد الشهداء (ع).
﴿نُورٌ عَلى‏ نُور﴾: النور، ذلك الظهور الذي بقي تمام الأنبياء وكلُّ المرسلين في انتظار إشراقه، ﴿يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشاء﴾.
 
فالنتيجة أن آية النور فاطمة، والمصباح الأول الحسن بن علي، والمصباح الثاني الحسين بن علي، و﴿نُورٌ عَلى‏ نُور﴾: وليُّ العصر، آخر أبنائها المعصومين (ع).
 
وبعد أن قال تعالى: هَذَا نُورٌ مِنْ نُورِي، قال:
أَسْكَنْتُهُ فِي سَمَائِي، خَلَقْتُهُ مِنْ عَظَمَتِي، أُخْرِجُهُ مِنْ صُلْبِ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِي، أُفَضِّلُهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ: فما أضعه في صلب خير الأنبياء هو سيدة النساء، سيدة نساء المؤمنين، سيدة نساء بني آدم، سيدة نساء أهل الجنة.
 
ولفهم هذا المطلب، ينبغي معرفة من هنّ نساء أهل الجنة؟
إحداهنّ آسية بنت مزاحم، وهي التي أوتد فرعون يديها ورجليها وألقى على صدرها رحىً عظيمة وبقيت على إيمانها، هذه الجوهرةُ أَمَةٌ للصدّيقة الكبرى، أفلا يكون فهم مقاماتها فوق تصورنا؟
 
وَأُخْرِجُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ أَئِمَّةً يَقُومُونَ بِأَمْرِي، يَهْدُونَ إِلَى حَقِّي، وَأَجْعَلُهُمْ خُلَفَائِي فِي أَرْضِي بَعْدَ انْقِضَاءِ وَحْيِي.
 
النتيجة أن فاطمة لؤلؤة، وكلُّ ما بين العلم الحسنيّ إلى الغيبة الإلهية لولي العصر، كلُّه جواهر هذه اللؤلؤة، ولقد كانت هذه اللؤلؤة أجرَ رسالة خاتم الأنبياء.
 
هذه شَمَّةٌ من مقام الصديقة الكبرى، وهذا مبدأ هذه الجوهرة.
لقد رَأَى النَّبِيُّ (ص) فَاطِمَةَ وَعَلَيْهَا كِسَاءٌ مِنْ أَجِلَّةِ الْإِبِلِ، وَهِيَ تَطْحَنُ بِيَدَيْهَا، وَتُرْضِعَ وَلَدَهَا، فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ الله (ص) .. فَأَنْزَلَ الله ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى﴾‏.
هذا فِقه الحديث، أنّ ما أعطاه الله للخاتم (ص) هو أثرُ طحن فاطمة بيديها، ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى﴾‏
 
البحث مفصَّلٌ، والمناسبة القادمة مهمة جداً، وصاحب العزاء وليّ العصر صاحب الزمان عليه السلام.
 
والحمد لله رب العالمين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/01/05



كتابة تعليق لموضوع : الزهراء.. نورٌ من نور الله   سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net