صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

كيف نجادل بالتي هي أحسن ..؟ القضية المهدوية مثالا ..
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا يخفى بأن الجدال والمراء واللجاج وما يشابهما هي من الأمور التي إن لم تكن محرّمة في الشريعة فهي مكروهة ومرجوحة وفيها من التدني الأخلاقي الشرعي الكبير والواضح ، والجدال كما يعرّفه صاحب الميزان : هو الحجّة التي تستعمل لفتل الخصم عما يصرّ عليه وينازع فيه من غير ان يريد به ظهور الحق ..

غير أن هذه المرجوحية تكون بالعنوان الأولي والمطلق ، لأن الجدال يكون أحياناً واجباً وراجحاً على كل المستويات الفقهية والعقائدية والأخلاقية عندما يطرو عليه عنوان آخر .

ونذكر من تلك الإستثناءات الطارئة التي تجعل من الجدل مطلوباً هو عندما يكون مقدمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعنوانه العام والعريض ، قال تعالى ( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) ، فعدّت الآية الجدل من اشكال وأساليب الدعوة الى الله تعالى ولكن بقيد ( الأحسن ) .

ولقد التفت صاحب الميزان الى شيء لطيف جداً بالآية المباركة وهو أن : الحكمة مأذون فيها بجميع افرادها ، والموعظة تنقسم الى حسنة وغير حسنة ، والمأذون منها هو الحسنة فقط ، وأما المجادلة فتنقسم الى حسنة وغير حسنة ، والحسنة منها تتفرع الى التي هي أحسن ، والمأذون منها هي ( التي أحسن ) .. مما يدل على حساسيتها وضيق مساحة المأذون منها مقارنة بالموعظة والحكمة ..

والسؤال الذي ينبثق هنا : كيف يكون الجدال بقيده القرآني ( الجدال بالتي هي أحسن ) عموماً وفي القضية المهدوية مثالا .. ؟

ويمكننا أن نضع العديد من الأجوبة لهذا السؤال ولكننا سنقتصر على جوابين مهمّين هنا :

1. أن يكون الجدال بالقرآن الكريم ، في الكافي بسنده عن الامام الصادق ع في قوله تعالى ( ادع ال ... وجادلهم بالتي هي أحسن ) ، قال : بالقرآن .

وعلّق عليه صاحب الميزان بقوله : ومحصّله الجدال على سنّة القرآن الذي فيه أدب الله .

2. أن يكون الجدال عن علم ، وسواء كان العلم بالموضوع الذي تدور حوله المجادلة أو بالأسلوب العلمي للجدل بإعتباره صناعة لها أصولها وقواعدها وكما هو مثبت في علم المنطق ، قال تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ) .

أما فيما يخص المجادلة بالقرآن أو بأدب القرآن في نطاق القضية المهدوية فيكون مثلاً من خلال :

1. المحاججة بالآيات القرآنية التي تؤصّل مبدأ وجود حجّة وخليفة لله على أرضه ، أو الآيات التي تؤكد على إمكانية امتداد عمر الإنسان الى آلاف السنين ، أو الآيات التي تتحدث عن وراثة الأرض ومعالم التمكين للمؤمنين في نهاية عمر البشرية ، أو الآيات التي فُسّرت بالإمام المهدي ع روائيا .. الخ

2. أن نتّبع آداب وأساليب القرآن في المحاججة ، وهي كثيرة ، منها ، أسلوبه في الإعتماد على البديهيات العقلية ، او تفنيد حجة الخصم بالنقض أو المنع ، أو الإعتماد على عنصر التأريخ .. الى غيرها من أساليب وأشكال المحاججة القرآنية المبحوثة والمُستقرءة في محلها ..

فإذن ، من كانت لديه ثقافة ومهارة قرآنية كافية وخاصة فيما يتعلق بموضوع القضية المهدوية وأساليب المحاججة والمجادلة في القرآن الكريم سيكون أقدر من غيره على المجادلة بقيدها القرآني كما قلنا وهي ( بالتي هي أحسن ) ، لأن القرآن الكريم هو أحسن الحديث ، قال تعالى ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ .. ) ، وهو اصدقه ، قال تعالى ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ) ..

وأما الجدال حسب فنون هذه الصناعة ، فنذكر :

1. تعتمد صناعة المجادلة في إفحام الخصم على مادتين مهمّتين ، هما القضايا المشهورة والقضايا المسلمة ، أما المشهورة فهي المتعارفة عند جمهور الناس أو جمهور المهتمين والمتخصصين في مجال ونطاق الموضوع المُجادَل فيه وأما القضايا المسلمة فهي التي يقتنصها المجادل من خصمه ويلزمه بها .. والقضية المهدوية من أكثر القضايا شهرة بين المسلمين بل بين كافة الأديان من حيث خطوطها العامة ومبادئها الرئيسة .

فالأديان السماوية والمذاهب الإسلامية تتفق على أنه لا بد من وجود قائد محنّك يطبّق عدالة السماء على الأرض ويحقق أعلى مراتب السعادة عليها وإن اختلفت أسماؤه وألقابه ، فتارة يسمّى بالمهدي وتارة بالمخلّص وثالثة بالمُصلح .. الخ ، فلا يستطيع الخصم إنكار هذه الحقيقة المشهورة وأمثالها ..

2. هنالك في صناعة الجدل المنطقية ما يسمّى ب ( المواضِع ) ، والمواضع عبارة عن قضايا ذات مفاهيم أو أحكام كلّية يستنبط منها المجادل قضايا جزئية في موضوعه يستفيد منها في جداله وافحام خصمه من غير أن يستطيع ردّها أو دحضها .. وكذا القضية المهدوية فإنها تنتمي الى أهم الأفكار والأحكام الكلّية ، العقلية والفلسفية والدينية وحتى باقي المجالات ، كالاجتماعية والعلمية .. الخ وتطبيق هذا الأمر ومقدار الإستفادة منه يعود إلى حذاقة المجادل ومهاراته ، فعليه أن يعتمد على ذلك ويضعها إلى جانب القضايا المشهورة التي تخص القضية المهدوية في - 1 - اعلاه ..

3. لا يستحسن أن يُستهلك الجدال من قبل الطرفين بالنقاش واللجاج حول جزئيات وتفاصيل لا تدخل في أصل إثبات الموضوع ، فالنقاش حول قضية زواج الإمام في الغيبة مثلاً أو أين يسكن الإمام الآن أو هل قابله أحد في عصر الغيبة .. الخ كلها من الأمور التي لا تؤثر على أصل العقيدة واصل وجودها ..

4. ليمازج المدافع عن القضية المهدوية بين " المعقول " و " المنقول " ويسمو على ما هو أقرب للخرافات والأساطير ، فالقضية المهدوية غير فقيرة لذلك ولو ركزنا على مبادئها وأسسها لرأينا انها لا ينكرها إلا معاند أو مُغالط أو من كان لديه مآرب ..

تعليمات وشرائط ونصائح صناعة الجدل كثيرة ولولا حرصنا على الإيجاز لذكرناها ..

اللهم عجّل لوليك الفرج ..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/01/11



كتابة تعليق لموضوع : كيف نجادل بالتي هي أحسن ..؟ القضية المهدوية مثالا ..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net