صفحة الكاتب : د . حميد مسلم الطرفي

تفجيرات بغداد رسالة تحذير اقليمية
د . حميد مسلم الطرفي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يُشكل الأمن الداخلي واحداً من أهم مرتكزات الدول واستقرار مؤسساتها ، بل هو الداعي الأول لقيام الدولة وفق جميع النظريات التي تتحدث عن نشوئها ؛ وعليه فهو ضرورة لبقائها واستمرار هيكليتها أياً كان نظام الحكم الذي تنتهجه الدولة ديكتاتورياً كان أو ديمقراطياً ، ودينياً أو علمانياً ؛ لذا فاستهداف أمن الدولة يعني في أول ما يعني السعي لاسقاطها . ولأهمية ما تقدم ظلت داعش تُنَظّر لمنهجها في اسقاط الدول واستلام الحكم على مبدأ النكاية والإنهاك لأمن الدول ومن ثم إدارة التوحش الحاصل نتيجة الفراغ الأمني ( الفوضى) ثم التمكين واستلام زمام الأمور كما جاء في كتاب إدارة التوحش لابي بكر ناجي أحد أبرز منظري هذا التنظيم الإرهابي . 
داعش أعلنت مسؤوليتها عن تفجيري بغداد الداميين في ٢١/١/٢٠٢١ وهي ليست المرة الأولى لاستخدامها هذا الأسلوب من التفجيرات الانتحارية فمنذ دخول مؤسسها الزرقاوي للعراق وهو يتباهى بهذا النوع من القتل العشوائي للمدنيين رجالاً ونساءً ، صغاراً وكباراً فكل ما دبت به الحياة هدفاً مشروعاً وسائغاً للتنظيم ؛ لكن المفارقة أن هذين التفجيرين جاءا بعد ثلاث سنوات تقريباً من دحر التنظيم وهزيمته هزيمة نكراء في سوريا والعراق وتمكن الأجهزة الأمنية والعسكرية من تفكيك شفراته وخيوطه التنظيمية والوصول إلى معظم أسراره واعتقال قياداته البارزة وبالأخص في العراق ، فكيف استطاع العودة لممارسة جرائمه وتجنيد الانتحاريين من جديد ؟ 
كل من اطلع على شبكات التنظيم وآليات عمله يجزم بأنه مخترق من مخابرات العديد من الدول ، وأن أبو بكر ناجي نفسه يفرد صفحات من كتابه الآنف الذكر ( إدارة التوحش) للبحث عن حلول لمعالجة هذا الاختراق تحت عنوان ( مشكلة الاختراق والجواسيس ) هذا طبعاً إذا أنكرنا أن التنظيم بكامله صنيعة أمريكية كما صرح بذلك رئيس الولايات المتحدة المهزوم دونالد ترامب والذي أكّد أكثر من مرة على أن من صنع داعش هي الإدارة الأمريكية في عهد باراك أوباما وهلاري كلنتن ، وإلا فكل سياسات التنظيم وأفعاله هي بأوامر أمريكا وحلفائها في المنطقة ولا يختلف العقلاء في أن أهم حليفين لأمريكا في المنطقة هما اسرائيل والسعودية ، فما هي الرسائل التي أرادها داعمو داعش عبر هذه العملية بعد يوم واحد من تنصيب جو بايدن رئيساً لامريكا ؟ 
أبرز هذه الرسائل تحمل توقيع السعودية موجهة للقيادة العراقية بالدرجة الأساس أنها - أي السعودية - لازالت لاعبة قوية في المنطقة وأن ادعاء ايران بأن وقوفها إلى جانب العراق هو الذي هزم داعش وأزاح خطرها والترويج إلى أن العراق وايران بحلفهما في محاربة التنظيم حققا النصر ، هذه الدعاوى تنقصها الحجة والبرهان ويجب أن تتوقف فالسعودية قادرة على إعادة الحياة للتنظيم في أي وقت تشاء . 
وتريد السعودية القول أيضاً أن زوال ترامب لايعني أنها باتت خارج تفاعلات الإقليم ولا يعني أنها ترضى بالتهميش والإقصاء فهي لاتزال تُمسِك بخيوط قد لا يستطيع مؤسس التنظيم - أي أمريكا- الإمساك بها وهي بذلك تريد تذكرة القيادة العراقية بأن عليها أن تتعامل معها كشريك أساسي في هزيمة داعش سواءً كانت مقتنعة بذلك أم لا ، وتكف عن مبادلة الود ورد الجميل لايران ، وإلا فإنها تعود لممارسة ذات الدور الذي كانت تلعبه منذ عام ٢٠٠٣ وحتى عام ٢٠١٧ عام تحرير الموصل حيث تُمد التنظيم بآلاف المجاهدين من الانتحاريين وغير الانتحاريين وبملايين الدولارات من التبرعات ومن خزينة المملكة المخصصة لزعزعة الاستقرار واسقاط النظام في العراق وسوريا . 
إننا لا نشك أن عملية تجنيد انتحاري وإعداده ونقله وتجهيزه تحتاج إلى أموال وخبرة كافيين لإنجاح العملية ، وهذه الخبرة والقدرة المالية قد لاتتوفر إلا لدى أجهزة مخابرات دول كالسعودية ، ونقر ونعترف أن الساحة العراقية لازالت مخترقة من هذه الأجهزة رغم بحبوحة الأمن التي تحققت وتطور أداء أجهزة الدولة الأمنية ، وفي ذات الوقت لا بد من الإقرار أيضاً أن طبيعة الأهداف المنتقاة للتنظيم مدنية ، أسواق ، كسبة ، أماكن تجمع العمال تجعل من الصعب منع الاختراق نهائياً خاصةً تحت ظل تجاذبات سياسية حادة بين الكتل الحاكمة وغياب مركزية القرار ؛ وبناءً عليه فإن ردة الفعل المتخذة من القائد العام وفي غضون أربعة وعشرين ساعة المتمثلة بتغيير قيادات أمنية كبيرة شملت قائد خلية الصقور الاستخبارية ابو علي البصري وقائد الشرطة الاتحادية وقائد عمليات بغداد واستبدالهم بآخرين تبعث على الشك والريبة في أن الرجل كان ينتظر الفرصة بمثل هذا الحدث ، فوفرت له الدولة الراعية هذا الظرف من حيث لا يعلم لإبعاد أشخاص في القيادات الأمنية لا ترغب بهم هي أو اسرائيل ولكي يكون هذا الاختراق سبباً مقنعاً للكاظمي لإزاحتهم من مناصبهم . في الختام ندعو الله بالرحمة لشهداء العراق وبالشفاء العاجل للجرحى وان يحفظ بلاد النهرين من كل سوء . 
د. حميد مسلم الطرفي 
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حميد مسلم الطرفي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/01/26



كتابة تعليق لموضوع : تفجيرات بغداد رسالة تحذير اقليمية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net