صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

قطعانُ المستوطنين تتفلتُ وتتمددُ وجرائمهم تكثرُ وتتعددُ
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 كأن جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أوكل مهامه العدوانية وأنشطته اليومية إلى قطعان المستوطنين، وكلفهم بالمهام القذرة والممارسات المستفزة التي كان وما زال يقوم بها ويحرص عليها، والتزم تجاههم بالحماية والرعاية، والمراقبة والرصد، يشاهدهم وهم يعتدون، ويتابعهم وهم يتسللون، ويبقي قريباً منهم وعلى اتصالٍ بهم، ليتمكن من التدخل السريع لحمايتهم والدفاع عنهم في حال تعرضهم للخطر، أو طلبهم للعون والمساعدة، وأحياناً يشجعهم على أفعالهم الخبيثة، ويقوم بعمليات الاستطلاع لهم، فيرشدهم ويوجههم أو يحذرهم ويمنعهم.

لكنه ينأى بنفسه بعيداً، ويحافظ على صمته في حال اعتدى المستوطنون على الفلسطينيين، وهاجموهم في بيوتهم، أو رجموهم بالحجارة وكتل اللهب المشتعلة، أو اعترضوا سياراتهم وألقوا عليها الحجارة الكبيرة تحطمها وتهشم زجاجها، وتعرض حياة ركابها للخطر، وفيهم الأطفال والشيوخ والنساء والحوامل، ويمتنع قادته عن الإصغاء للفلسطينيين المعتدى عليهم، ويرفض أن يتلقى منهم شكاوى ضد المستوطنين، بل يرفض روايتهم ويكذبهم، وقد يعتقلهم ويتهمهم، ويأتي بجنودٍ يبرؤوا المستوطنين ويشهدون ضدهم، والشواهد على هذه السياسة كثيرة، يعرفها الفلسطينيون ولا ينكرها الإسرائيليون.  

يشعر المستوطنون أن القانون معهم يحميهم ويرعاهم، ويبارك أعمالهم ويشجعهم عليها، إذ لا يمنعهم الجيش، ولا تلاحقهم الشرطة ولا تسألهم أو تحقق معهم، ولا توجه إليهم اتهامات ولا تحيلهم إلى القضاء، وفي حال إحالتهم إلى القضاء للمحاكمة، يبرئ القضاة ساحتهم، وينفون التهمة عنهم، أو يسقطون نية الجرم وقصد العدوان عنهم، وفي أحيان نادرة يصدرون في حق المجرمين منهم أحكاماً مخففة، سرعان ما تسقط بالعفو الرئاسي أو بقضاء ثلثي المدة، أو بدعوى حسن السيرة والسلوك وسلامة النية وحسن الطوية.

ولأنهم أَمنوا العقوبة، واطمأنوا إلى أن القانون يقف معهم وإلى جانبهم، والحكومة تساندهم والأحزاب تدعمهم، ورجال الدين يشجعونهم، والقضاة ينحازون إليهم، وأن أحداً منهم مهما ارتكب فلن يتهم أو يدان، فقد أخذ المستوطنون الإسرائيليون الذين ناهز عددهم المليون مستوطن في القدس والضفة الغربية، يتفننون في جرائمهم، ويبتكرون أشكالاً عديدة لعدوانهم، ويبتدعون وسائل غريبة من العدوان والعربدة والتشبيح والبلطجة، ولا يترددون في ارتكاب أسوأها وأكثرها فحشاً وفظاعةً، إذ لا حرمة عندهم لدماء الفلسطينيين وأرواحهم، ولا حصانة لأموالهم وبيوتهم وممتلكاتهم.

لا يتوقف المستوطنون كل يومٍ عن الاعتداء على السكان الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم، فهم يدهسونهم بسياراتهم، ويلقون الحجارة على بيوتهم، ويشعلون النار فيها، ويرجمون سياراتهم ويهشمون زجاجها، ويلقون عليها الصخور الكبيرة والحجارة الضخمة، ويطلقون النار عليهم، ويدمرون أعمدة الكهرباء والهاتف، ويكسرون أبواب المحال والمتاجر، ويحطمون الواجهات والمداخل، ويعتدون على الحقول والمزارع، ويحرقون الأشجار ويخلعون بالجرافات أشجار الزيتون وغيرها، ويفتحون على البساتين والأراضي المزروعة المياه العادمة ومياه الفضلات القذرة، ويعترضون المواطنين في الشوارع، ويقطعون عليهم الطريق، ويجبرونهم على أفعال مشينة غير لائقة، ويطلقون عليهم كلابهم الضارية، ويصعقونهم بمسدسات الكهرباء، ويفتحون في وجوههم اسطوانات غازٍ خانقٍ، ويرشقونهم بالبنزين ويلقون عليهم المواد الحارقة، كما فعلوا من قبل مع محمد أبو خضير الذي جرعوه البنزين قبل أن يشعلوا فيه ناراً.

ولا يترددون في اقتحام بيوت الفلسطينيين واحتلالها بالقوة، وإخراج أصحابها منها وإلقاء أمتعتهم وآثاثهم خارجها، أو هدمها وإشعال النار فيها، خاصةً في الأحياء الشرقية من مدينة القدس المحتلة، التي يتعرض سكانها العرب للضرب والتعنيف، والتضييق والمماحكة، ولا يتورع بعضهم عن الادعاء بأنه تعرض لمحاولة اعتداء من فلسطيني، حتى تأتي الشرطة وجنود الجيش يشبعون الفلسطيني ضرباً إن لم يطلقوا النار عليه، ويقتادونه إن لم يكن مصاباً إلى مراكز الاعتقال، أو يتركونه على الأرض ينزف إن كان مصاباً، ولا يقومون بإسعافه وتقديم المساعدة له، ولا يسمحون لإخوانه الفلسطينيين بنجدته ومحاولة إسعافه وإنقاذه.

أما إن تاه مستوطنون معتدون، ولم يتمكنوا من الوصول إلى أهدافهم، ووقعوا في شر أعمالهم، وعلا صراخهم وسُمعَ نحيبهم، فإن جيش العدو يتدخل بسرعة، ويُفَعِّلُ قادة أجهزته الأمنية قناة التنسيق الأمني مع المخابرات الفلسطينية، لتؤمن خروجاً آمناً للمستوطنين المعتدين، ولتضمن سلامتهم وتحول دون الاعتداء عليهم، وهم الذين دخلوا البلدات الفلسطينية حاملين معهم معاول الهدم ومشاعل الحرق وبنادق القتل، ولولا قدرٌ من الله عز وجل أربكهم وأفقدهم بوصلتهم وأفشل مهمتهم، لكانوا ارتكبوا جرائم كبيرة وهربوا، وكثيرٌ من الذين ضلوا وتاهوا، وفشلوا ورجعوا أو أُعيدوا وسُلِموا، عادوا من جديدٍ أكثر من مرةٍ لمحاولة الاعتداء والتخريب.

يحزن الفلسطينيون كثيراً عندما يروا أن سلطتهم الوطنية لا تستطيع حمايتهم، ولا تحاول كف العدوان عنهم، ولا تقوى على معاقبة المعتدين عليهم أو توقيفهم واعتقالهم، ويؤلمهم كثيراً منظر عناصر أمنهم الوطني وهم يحيطون بالمستوطنين الإسرائيليين يحمونهم، ويمتنعون عن توبيخهم ويترددون في توجيه اللوم إليهم، بينما يقومون باعتقال مواطنيهم وتعذيبهم في حال اتهامهم بالتخطيط لعمليات مقاومة ضد العدو ومستوطنيه، ولعلهم بأفعالهم هذه التي تفتقر إلى النخوة والشهامة، وينقصها النبل والشجاعة، يشجعون المستوطنين على المزيد من العدوان، الذين كانوا سيرتدعون خوفاً وسيمتنعون جبناً، وسيتراجعون ذلاً وصغاراً، لو أنهم رأوا من السلطة الفلسطينية حُدُقاً محمرةً، وأيادي على الزناد قابضةً، وهمماً للكرامة متوثبةً، وغضبةً للحق ثائرةً، وغيرةً على الشعب وكرامته حاضرةً.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/02/14



كتابة تعليق لموضوع : قطعانُ المستوطنين تتفلتُ وتتمددُ وجرائمهم تكثرُ وتتعددُ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net