صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

الإمام الهادي.. أمينُ الله على وحيه   سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


 بسم الله الرحمن الرحيم
 
كان البحث في فروع نقل الخمس من بلدٍ لآخر..
ومِنَ الجهة العلمية فإنّ القدر المتيقن من نواب إمام العصر في زمان الغيبة هو الأعلم من سائر العلماء، فالأعلم هو المتيقن، ومع وجود الأعلم يكون غير الأعلم مشكوكاً، ومقتضى الأصل الاقتصار على القدر المتيقن في من ثبتت ولايته، الكبرى هي الرجوع للأعلم.
 
أما من جهة الصغرى، فمن هو الأعلم؟ وما هي طريق تشخيص الأعلم؟ هل الأعلم هو الأكثر اطّلاعاً؟ أم الأكثر تأليفاً كما ادعى كاشف الغطاء؟
 
الحق في المسألة أن كثرة التأليف ليست المناط، ولا الأمور الأخرى التي ذكرت هي المناط، فمناط الأعلمية هو كونه الأدقّ نظراً في المسائل الفقهية، فكلُّ من كانت دقّة نظره وعمق فكره أكبر فهو أعلم العلماء، هذه الكبرى وهذه الصغرى.
 
العلمية واضحة، من كان من أهل العلم فإنه قادرٌ شاء أم أبى على تشخيص أن هذا الدرس أدق أو ذاك الدرس، هذا الفكر أو ذاك الفكر، هذه هي الطريق، فلا كثرة التأليف هي المناط ولا الشهرة والاسم، فتمام المناط هو عبارة عن تحصيل السعة العلمية والدقة النظرية.
 
لم يكن عند المرحوم السيد عبد الهادي الشيرازي أيّ مؤلف، لكن بعد وفاة المرحوم السيد أبو الحسن الاصفهاني، فإن السيد الميلاني أرجعَ أقاربه للسيد الشيرازي، لأنه كان أدقّ نظراً.
 
هذه المسألة هي المدار في التقليد من حيث الكبرى حيث ينبغي الرجوع للأعلم، ومن حيث الصغرى فأن الأعلمية والأدقية هي في الآراء العلمية، كما لو صِرت مريضاً وتعدد الأطباء، فلمن ينبغي الرجوع؟ للأعلم في الطب في هذا المرض.
 
ولو كان الأعلم تقياً، فإن كون غيره أتقى ليس مرجحاً لغيره، نعم لو كانا في مستوىً واحدٍ في العلمية فإن الأتقى مرجح، لكن هذه الأرجحية لا تعيّن الرجوع إليه، فإن كان الآخر الأعلم متقياً فإنه يكفي بمقدار كونه عادلاً، ولا يلزم الأعدل. لكن الأعلمية لازمة.
 
هذا ثابت بالفطرة في كل الأمور، فمن مرض عليه الرجوع للخبراء في الطب، ومن ابتلي بمعاملات الأرض ينبغي أن يرجع للمهندس المعماري، وفي كل هذا إن كان هناك اختلاف بين الأعلم وغير الأعلم فإن الفطرة حاكمة بالتبعية للأعلم.
 
وهذه الفطرة في الفقه هي الأصل في المطلب، ويمكن استفادة ذلك من الآيات: ﴿يَرْفَعِ الله الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجات‏﴾.
 
أما هذه الدنيا، فقد اختلط الحابل فيها بالنابل، فصار عليٌّ جليس بيته وهو أعلم من في الأرض!
 
يروى أن الخضر لما لاقى موسى عليه السلام: أَقْبَلَ طَائِرٌ عَلَى هَيْئَةِ الخُطَّافِ، فَنَزَلَ عَلَى البَحْرِ، وَأَخَذَ بِمِنْقَارِهِ فَرَمَى بِهِ إِلَى الشَّرْقِ، ثُمَّ أَخَذَ ثَانِيَةً فَرَمَى بِهَا إِلَى الغَرْبِ، ثُمَّ أَخَذَ ثَالِثَةً فَرَمَى بِهَا إِلَى الشَّمَالِ، ثُمَّ أَخَذَ رَابِعَةً فَرَمَى بِهَا إِلَى الجَنُوبِ، ثُمَّ أَخَذَ خَامِسَةً فَرَمَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ أَخَذَ سَادِسَةً وَرَمَى بِهَا إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ أَخَذَ مَرَّةً أُخْرَى فَرَمَى بِهَا إِلَى البَحْرِ.
 
وَجَعَلَ يُرَفْرِفُ وَطَارَ.. إِذْ بَعَثَ الله مَلَكاً فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ.. قَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ (أي الطائر): وَحَقِّ مَنْ شَرَّقَ المَشْرِقَ، وَغَرَّبَ المَغْرِبَ، وَرَفَعَ السَّمَاءَ، وَدَحَى الأَرْضَ.
 
لَيَبْعَثَنَّ الله فِي آخِرِ الزَّمَانِ نَبِيّاً اسْمُهُ مُحَمَّدٌ (ص)، وَلَهُ وَصِيٌّ اسْمُهُ عَلِيٌّ عليه السلام وَعِلْمُكُمَا جَمِيعاً فِي عِلْمِهِ، مِثْلُ هَذِهِ القَطْرَةِ فِي هَذَا البَحْرِ.
 
هذا عليٌّ عليه السلام، لكن بعد رسول الله جلس عمر مكانه! أجلسوه وهو لم يكن يعرف مسائل الصلاة! لم يكن يعرف مسألة الكلالة في الإرث!
 
هذه الفطرة.. لقد كان عليٌّ عليه السلام الأعلم في كل شيء، لكن المسلمين بعد خاتم النبيين عملوا خلاف هذه الفطرة، ومن العجائب أنّ صحيح البخاري ينقل في ثلاث موارد عن الخاتم صلى الله عليه وآله نفسه: عليٌّ مني وأنا من علي.
 
فبماذا يجيب شيخ الأزهر؟ ان اجتمع كل علماء الحجاز وأجابوا على هذا السؤال.. فأنا أول سني!
 
من جهةٍ علي أعلم الكل بإجماع الكل! ومن جهة أخرى أبو بكر يقول بإقراره: وليتكم ولست بخيركم! ان زغت فقوموني!
هذا إقرار أبي بكر، أما عمر فكان فعله أسوأ من أبي بكر، فقد صار خليفةً وهو لا يعرف الصلاة! ثمّ عثمان.. وأمره غير قابل للبيان!
 
فلنعلم قيمة هذه النعمة التي نحن فيها، ولا نحيد عن طريق عليٍّ وأولاده!
 
غداً شهادة الإمام العاشر عليه السلام، فهل عرفنا نحن الإمام العاشر؟
ورد في حديث اللوح تعبيرُ الله تعالى عن الإمام العاشر عليه السلام بأنّه: أَمِينِي عَلَى وَحْيِي‏: أي أنّ الوحي المنزل على 124 ألف نبي كله عند الإمام العاشر عليه السلام، فثبت بقول الله تعالى (أَمِينِي عَلَى وَحْيِي) أنّ أمين كلّ الوحي من آدم عليه السلام إلى الخاتم (ص) هو الإمام علي النقي عليه السلام.
 
فهل فهمنا هذه الكلمة؟ ما هي معرفتنا نحن بإمامنا العاشر؟ قبل ان تصل النوبة للآخرين.
 
لقد صمّم المتوكل على إذلال الإمام عليه السلام، والمتوكل العباسي بلا دين، وكان قد بنى الملوية في سامراء، وكان يصعد بالحصان إلى قمتها، وكلّ رجال البلد كانوا أسفلها، وكان يعطي أمراً أن يكونوا جميعاً مشاةً وهو الراكب وحده، وكان الإمام العاشر يسير مشياً في ركاب المتوكل، فسأله عن حاله فأجاب: أَنَا أَكْرَمُ عَلَى الله مِنْ نَاقَةِ صَالِحٍ ﴿تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾‏، وهذا وعدٌ ليس في طريقه كذب، وفي الليلة الثالثة قَتَلَ ابنُ المتوكل أباه، هذه هي الإحاطة.
 
في أيام المتوكل كانت أمور الجيش قد أنيطت بالأتراك، وكان رأس ورئيس الترك (بغاء) ويروي أبو هاشم الجعفري أنّ الإمام عليه السلام قال:
 
اخْرُجُوا بِنَا حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى تَعْبِيَةِ هَذَا التُّرْكِيِّ، فَخَرَجْنَا فَوَقَفْنَا، فَمَرَّتْ بِنَا تَعْبِيَتُهُ، فَمَرَّ بِنَا تُرْكِيٌّ فَكَلَّمَهُ أَبُو الحَسَنِ عليه السلام بِالتُّرْكِيَّةِ، فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ، فَقَبَّلَ حَافِرَ دَابَّتِهِ، قَالَ: فَحَلَّفْتُ التُّرْكِيَّ وَقُلْتُ لَهُ: مَا قَالَ لَكَ الرَّجُلُ؟
قَالَ: هَذَا نَبِيٌّ.
قُلْتُ: لَيْسَ هَذَا بِنَبِيٍّ.
 
قَالَ: دَعَانِي بِاسْمٍ سُمِّيتُ بِهِ فِي صِغَرِي فِي بِلَادِ التُّرْكِ مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ إِلَى السَّاعَة‏.
 
أيُّ إحاطةٍ هي هذه؟ الإمام العاشر عليه السلام في سامراء مطَّلِعٌ على كلّ شيء، غاية الأمر، أن الجهل قد أصاب الجميع!
 
ولو كان هناك علمٌ لكان ينبغي على هذه الدولة أن تكون من رأسها لقدمها صفاً ولواءً واحداً في العزاء والمأتم!
 
قول هذه العبارة سهلٌ، لكن معرفتها من أصعب الأمور: أَمِينِي عَلَى وَحْيِي، عليُّ بن محمد الهادي عليه السلام.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/02/14



كتابة تعليق لموضوع : الإمام الهادي.. أمينُ الله على وحيه   سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net