صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

الْحَوارِيُّونَ.. الشيعة !!
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ.
 
كلمةٌ تُنسبُ لنبيِّ الله عيسى عليه السلام يخاطبُ فيها تلامذته!
يذكرها متّى في إنجيله (26: 31)، ثمّ يذكر قلّة إيمانهم فيقول: يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ (متى8: 25و26، ومتى16: 8) .
 
أما إنجيل مرقس فينفي عنهم الإيمان تماماً: وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ (مرقس16: 14).
 
ثم يصرِّح إنجيلا متى ولوقا بأن ليس عندهم حبّةُ خردلٍ من إيمان!! (متى17: 19و20، لوقا17: 6).
 
أوصافُ تلامذةِ المسيح عليه السلام في الإنجيل تُثير دهشةَ المسلم، وهو يرى إجلال القرآن الكريم لهم.
 
فالإنجيل يحطُّ من قدرهم، والقرآن يرفع من شأنهم.
الأوّل ينفي عنهم الإيمان، والثاني يثبت لهم الإسلام والإيمان.
 
قال تعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بي‏ وَبِرَسُولي‏ قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) (المائدة111)
 
ألهمهم الله تعالى الإيمان به وبرسوله عيسى فقبلوه، وبشَّرهم عيسى بسيّد الأنبياء والمرسلين وخاتمهم محمد صلى الله عليه وآله فأقروا بذلك، كما بشّر أمته بذلك، وكان الحواريون سبّاقين للإيمان بما أنزل الله، وطلبوا من عيسى الشهادة على إيمانهم ونصرتهم لله تعالى، قال تعالى عن لسان عيسى: (مَنْ أَنْصاري إِلَى الله قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران52)
 
ولمّا صاروا أنصاراً لله تعالى، جعلهم عزّ وجلّ أسوةً للمؤمنين، حينما قال لهم: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصاري إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ) (الصف14)
 
فكشفَ هذا عن منزلة عظيمةٍ لهؤلاء الحواريين، بيّن جانباً منها الإمام الرضا عليه السلام بقوله:
أَمَّا عِنْدَنَا فَسُمِّيَ الْحَوَارِيُّونَ الْحَوَارِيِّينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُخْلِصِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَمُخَلِّصِينَ لِغَيْرِهِمْ مِنْ أَوْسَاخِ الذُّنُوبِ بِالْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ (عيون أخبار الرضا ج2 ص79).
 
إنّ من تميّز بالإخلاص في نفسه، وبمساعدة غيره على التخلُّص من الأوساخ، سيواجه بلا شكٍّ جبهةً عريضةً من أهل النفاق، وهو ما عانى منه هؤلاء الحواريين، فشكوا إلى نبيّ الله عيسى ما يلقون من الناس وشدّتهم عليهم، فقال لهم:  إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَزَالُوا مُبْغَضِينَ، وَإِيمَانُهُمْ كَحَبَّةِ الْقَمْحِ، مَا أَحْلَى مَذَاقَهَا، وَأَكْثَرَ عَذَابَهَا (عن الصادق عليه السلام في المؤمن ص26).
 
هو تشبيهٌ بليغٌ على لسان عيسى عليه السلام، فكم هي المراحل التي تمرُّ بها حبّةُ القمح قبل أن تصل إلى مآلها، وكأنَّها رحلةٌ من العذابات، لكنّ أحداً لا يستغني عنها لعذوبة طعمها، فعليها التحلي بالصبر قبل أن تصل إلى مصيرها، وهكذا هو المؤمن، فصبَّرَهم عليه السلام بكلماته تلك.
 
هذا حال حواريي نبي الله عيسى عليه السلام، وهم الذين قال فيهم الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ معتبر:
إِنَّ حَوَارِيَّ عِيسَى ع كَانُوا شِيعَتَهُ.
 
ثم يقول عليه السلام: وَإِنَّ شِيعَتَنَا حَوَارِيُّونَا.
 
إن النسبة بين حواريي عيسى وحواريي محمد وآل محمد كالنسبة بين عيسى من ومحمد وآله.
 
فكما فضَّل الله تعالى محمداً وآله على جميع الأنبياء، فضَّلَ شيعتهم على شيعة جميع الأنبياء.
 
ورغم ما بلغه حواريو عيسى، فصاروا أنصارَ الله، وأنصارَهُ إلى الله، ومع كلّ مرتبتهم العظيمة تلك وإخلاصهم ما بلغوا الذي بلغه شيعة آل محمد، يكمل الصادق عليه السلام فيقول:
 
وَمَا كَانَ حَوَارِيُّ عِيسَى بِأَطْوَعَ لَهُ مِنْ حَوَارِيِّنَا لَنَا.. فَلَا وَاللَّهِ مَا نَصَرُوهُ مِنَ الْيَهُودِ، وَلَا قَاتَلُوهُمْ دُونَهُ، وَشِيعَتُنَا وَاللَّهِ لَمْ يَزَالُوا مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ رَسُولَهُ ص يَنْصُرُونَّا، وَيُقَاتِلُونَ دُونَنَا، وَيُحْرَقُونَ وَيُعَذَّبُونَ وَيُشَرَّدُونَ فِي الْبُلْدَانِ (الكافي ج‏8 ص268).
 
أيُّ وسامٍ هذا الذي خطَّه الإمام عليه السلام على صدر شيعته؟!
 
إنّ عظمة كلّ أحدٍ تظهر بعد عقيدته وعلمه بما قدّمه في سبيل الله، وقد قدّم شيعة آل محمد ما لم يقدم الحواريون، شيعة عيسى، فنُصرَةُ أولئك كانت باللسان فقط، ونُصرَةُ الشيعة كانت باللسان والفعل، فقاتلوا دون آل محمد.. تحت لواء عليٍّ والحسن والحسين عليهم السلام.. وقعدوا لمّا قعد إمامهم، وصاروا من المنتظرين لإمامهم الحجة، وهم يُحرَقون ويُعذَّبون ويُشرَّدون في البلدان، وتنالهم الأيدي الآثمة بكلِّ جريمة بشعة، ولا تزال إلى يومنا هذا.
 
ثم قال الصادق عليه السلام: جَزَاهُمُ اللَّهُ عَنَّا خَيْراً..
 
الله تعالى هو المجازي لهؤلاء الشيعة، نيابةً عن محمد وآل محمد، فالله الغنيُّ القدير الذي لا يؤوده شيء، يجازي عن أحبِّ خلقه قوماً أحبوهم ودافعوا عنها، فأيُّ خيرٍ هذا الذي سيناله هؤلاء المحبون المُضَحُّون؟
 
هكذا نفهم التشيّع، مرتبةً من أعلى مراتب الإيمان، تُحَمِّلُ صاحبها مسؤولياتٍ جسام، فليس التشيُّع بطاقةً أو هوية، إنّه إيمانٌ وعِلمٌ وعَمَل.. يستحقُّ به صاحبُه مجاورةَ النبيين والشهداء والصدِّيقين، ويصير بذلك أفضل من حواريي عيسى عليه السلام.
 
فأين هم هؤلاء؟ وما هي أوصافهم؟
 
يقول أمير المؤمنين عليه السلام في وصفهم:
أُولَئِكَ الْأَقَلُّونَ عَدَداً، وَالْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ قَدْراً، الْمُتَّبِعُونَ لِقَادَةِ الدِّينِ، الْأَئِمَّةِ الْهَادِينَ، الَّذِينَ يَتَأَدَّبُونَ بِآدَابِهِمْ، وَيَنْهَجُونَ نَهْجَهُم‏.. (الكافي ج‏1 ص335)
 
اللهم اجعلنا من المتأدبين بآدابهم، والناهجين نهجهم، واختم لنا على ذلك، بحق محمد وآله.
 
والحمد لله رب العالمين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/02/17



كتابة تعليق لموضوع : الْحَوارِيُّونَ.. الشيعة !!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net