صفحة الكاتب : جمعة عبد الله

قراءة في رواية (عند باب الازج ) للاديبة نيران العبيدي
جمعة عبد الله

محاولة تجريبة مبدعة في تقنيات ادوات تداعي السرد الحر . ان يعطي أهمية بتناول احداث المتن الروائي بنطق الشخوص المحورية , والكشف بما يحملون في جعبتهم من تجربة حياتية ومعاشية في سياق احداث النص الروائي , ضمن الاطار العام للأوضاع في المرحلة الزمنية والمكانية . وفي منعطفاتها الدالة وخاصة ان النص الروائي يقف على عتبات مراحل العراق السياسية في أزمنتها المتعاقبة , في غمار الصراع المحتدم على عصب الحياة العامة , التي تقف على ثلاثة أعمدة رئيسية وهي ( الدين . السياسة . الحب ) وتجلت هذه الاعمدة على عتبات ابواب بغداد في موروثها الشعبي , والتي رسمت صورة الاكبر للعراق بكل ميادينه الدالة . وكما تناولت رواية ( منعطف الصابونجية ) فأن رواية ( عند باب الازج ) هي مكملة لتناول الاحداث في المراحل التي مرت على العراق , واذا كان الجزء الاول تناول المرحلة العهد الملكي . فأن هذا الجزء يتناول فترة معينة من بداية الستينيات من القرن الماضي حتى انقلاب البعث عام 1963 . التي أتسمت هذه الفترة السياسية بالصراع الملتهب والعاصف , ضمن الصراع العام , الذي أتسم بالتخبط والفوضى والخلافات الحادة , لجميع اطراف الصراع من الاحزاب ( اليمين واليسار ) والقيادة السياسية أيضاً . التي فقدت الرؤية السياسية الواضحة . فكانت تحمل ضبابية لا تفرق بين صديق وعدو , وتجاهلت قاعدتها الشعبية التي ترتكز عليها , واحتضنت من يخطط لايقاع بها وغرقها بالدماء . لقد ادارت القيادة السياسية بوصلتها أو ادارت ظهرها لقاعدتها الشعبية , وراحت تضيق عليهم الخناق والمحاصرة عليهم , حتى الاعتقال والسجن , وخاصة من زعيمها ( عبدالكريم قاسم / ابو الفقراء ) .مما خلق التشويه الفكري والفوضى والتخبط , بأنها فقدت حاضنتها الشعبية من خلال ممارسات الخاطئة التي سلكتها ( اغتيالات على قدم وساق ؟ عبدالكريم قاسم نكث عهده وانقلب على الشيوعيين , يطارد البعض ويقبض على البعض الآخر . أصبح مثل ورقة تهزها الريح حيثما تشاء في يوم عاصف , لا أعتقد هناك هناك مستقبل إلا هذه الفوضى ) ص15 . والمتن الروائي يغوص الى الاعماق في هذه الفترة الحرجة بالفوضى . من خلال هذه التقاسيم الثلاث ( الدين . السياسة . الحب ) على مسرح الاحداث . نجد انها تغوص في الزيف والفشل والاحباط والاخفاق والازمة , لم نجد اي واحد منها , لم يصل الى مرامه وحقق النجاح . فمن ناحية الدين فقد أنشغل بالمسائل الثانوية والهامشية في تخدير الناس دون ان يقدم الدعم والانقاذ في معاناتهم . في الجانب السياسي تحول الخلاف السياسي الى ارقة دماء ومجازر , الذي توج في انقلاب دموي عام 1963 . في الحب الفشل والاحباط والخيبة تلاحقه , نجد في وكما عرفنا في رواية ( منعطف الصابونجية ) الشقيقات الثلاث ( بدرية . صبيحة . مديحة ) أصابتهن العنوسة بسبب الاهل , الذين وضعوا شروط لطالبي الزواج , أن يكون من طبقتهم الغنية والباشوية والاستقراطية . مما دفع ( بدرية ) ان تنجرف الى دور البغاء , بعد فشل حبها من الفنان وعازف الكمان ( كرجي اليهودي ) لتنهي حياتها بالقتل على يد ابن عمها ( مرهون ) من اجل شرف العائلة وغسلاً للعار . و( أحمد مسلماني / يهودي ) في هذا النص الروائي ( عند باب الازج ) يتقمص دور رجل الدين المسلم , حتى اعتبر من اولياء الله الصالحين في جبته الدينية , واصبح خادم حرم مقام ( عبدالقادر الكيلاني ) احد مريدي الحلقات الصوفية , لكنه فشل في الحب في كسب أمرأة يود الزواج منها . هذا يعطي دلالة بليغة , بأن الحب اليهودي غير صالح للبقاء ( كرجي وأحمد مسلماني ) رغم مواقعهما المميز .

الشيء الذي يجب الاشارة اليه . بأن براعة الاديبة ( نيران العبيدي ) قدمت بانوراما بغدادية في تراثها الشعبي ومناطقها ومعالمها الشعبية , وهي تقدم خدمة الكبيرة الى الجيل الجديد , في التعرف على هوية بغداد القديمة . ومن أجل تسليط الضوء على أحداث المتن الروائي , لابد من استعراض ادوار شخوصها المحورية وهم :

1 - أحمد مسلماني : اليهودي الذي تقمص دور رجل الدين المسلم حتى اصبح من أولياء الصالحين في مساعدة الفقراء والمتسولين واطعامهم , ونال احترام الناس , واصبح خادم حرم مقام ( عبدالقادر الكيلاني ) ومن المريدين في الحلقات الصوفية . كأن شخصيته تقمصت شخصية عازف الكمان والمطرب ( كراجي ) الذي هام حباً ب ( بدرية ) التي انزلقت الى دور البغاء , وفي هذه الرواية , يقوم بدوره ( أحمد مسلماني ) , يعيش من عرق جبينه في بيع بضائع بسيطة ( خردة فروش ) ينادي على بضاعته في لهجته أو لكنته الخاصة في اللازمة , التي يكررها في المناطق والشوارع الشعبية ( اصيح يا سامعين الصوت .

ابيع لكم

خردة فروش

تعالن يا حلوات

شوفن شكو عند عمو مسلماني

أحلى قلادة من البصرة

عطور دهنية من الهند

بخور عطر بيتك ) وملازمته بهذا النداء :

تعالن يا حلوات , تعالن يا بنوات

التمن على عمكن الذي اضاع بدر البدور وذبها بهبية

تعالن على المسودن

مسودان الي يحب بهذا البلد

مسودن البهرزي ( يقصد صديقه الحميم ( حسين البهرزي اليساري الذي أحب ضحى )

الناس جميعاً مسودنين

يولوا هذا العراق مسودن مسودن

رددوا معي ) ص53 ( مسودن / يعني مجنون )

وهي اختصار عميق للواقع السياسي المتسم بالفوضى العارمة والتخبط , وان كلمة مسودن هي كناية اطلقها الناس على ( عبدالكريم قاسم / ابو الفقراء ) في التناقض السياسي الصارخ بالسياسة العمياء التي لا تفرق بين الصديق والعدو . هذا التخبط ادى الى مقتله بأسوب وحشي . من الذين وضع ثقته بهم , وهم يحفرون في الايقاع به , عكس قاعدته الشعبية , الذين يكيلون الحب والاعتزاز بشخصيته المحبوبة , فقد صعد في بداية الثورة , الحزب الشيوعي , احد اركان الداعمة للزعيم عبدالكريم , وهو يملك شعبية عارمة حتى اشتهرت احد أغاني تلك المرحلة ( يا أم الفستان الاحمر / فستانك حلو مشجر ) وجاهر في تنظيم المظاهرة المليونية دعماً للثورة وقائدها الزعيم , ورددت الجماهير الحاشدة ( الحزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي ) ص59 ولكن حدث العكس شدد الخناق والتضييق على الحزب بالاعتقال والسجن , وفتت وشتت القاعدة الشعبية المناصرة له , وحتى في ساعة انقلاب البعث , هبت جماهير الشعبية والفقراء الى مقر قيادته للدفاع عنه وطالبته بالسلاح لقمع الانقلابيين . وهي تهتف بحماس ( يا كريم انطينا سلاح باسم العامل والفلاح ) ص143 .

وفي صباحات احد الايام المشؤومة في تاريخ العراق , سمع ( احمد مسلماني ) اناشيد وعزف موسيقى عسكرية من المذياع , فهرول مرعوباً يأكله الخوف الى صيقه ( حسين البهرزي ) وقال بصوت مرتجف :

( - أستاذ حسين أتعرف نشيد لاحت رؤوس الحرابي

- قلت : نعم تلمع بين الحرابي

- قال : أستاذ هذا نشيد حركة مايس وانا أعرفونه جيداً

ينشدون نشيد النازية لابادة اليهود

بهذا النشيد قتل أبناء عمومتي

بفرهود اليهود ) ص139 .

  1. - حسين البهرزي : اليساري من عائلة فلاحية , بعد ما اشتد الخناق والملاحقة البوليسية في مدينته ( بهرز ) , لانه من النشطاء اليساريين , اضطر الى الهرب الى بغداد , لكي يتخلص من المضايقات .التجأ الى بيت ( احمد مسلماني ) ورحب به , حين صرحه بالحقيقة بأنه مطارد من قبل الشرطة بسبب آرائه السياسية , وقد , واصبح صديقه الحميم . لكن وجد في بغداد اتعس حالة من مدينته , في المطاردة والملاحقة , من اشقياء السياسة في تخويف الناس والاعتداء عليهم , والمضايقة الطلبة اليساريين , فأضطر الى الانقطاع عن كليته الجامعية . أحب ( ضحى ) الطالبة الجامعية في كلية التجارة والاقتصاد , ومن عائلة غنية ومن سلالة الباشواتية من الاستقراطيين , ورغم الفارق الطبقي بينهما . هو ابن فلاح فقير وهي من عائلة غنية , لكن ارتبطت به بعلاقة حب قوية وتأثرت بافكاره اليسارية . وان حبهما الحقيقي أذابت الفوارق الطبقية فتقول له ( احببتك لانك ابن ديرتنا وهوايات مشتركة كثيرة تجمعنا , أمامك لا أشعر بأدني من البنت البغدادية , أنا امرأة سومرية أمام فارسها

يقول : أنت لي وحدي واقول : لوحدك ياحشاشة الروح ) ص41 .

رغم انها تحمل ذكريات سوداوية من خالتها ( بدرية ) من قاتلها ( مرهون ) لكن تجد في هذا الحب سنابل ترقص في الحقول الذهبية . وفي عشية الانقلاب عام 1963 . ضاعت اخبار( حسين ) كما ضاعت آخبار الآف من المغيبين والمحتجزين عند سجون مليشيات ( الحرس القومي ) المنتشرة في الاماكن العامة والطرقات وهي تحمل بنادق بور سعيد , تقيم الحواجز ونقاط التفتيش للمارة , بحثاً عن المطلوبين من اليسار . وفي أحد الايام وهي تبحث عن حبيها ( حسين البهرزي ) مع أمه , التي جاءت الى بغداد تبحث عن ابنها, بعدما انقطعت أخباره , لتقف ( ضحى ) مع عدوها القديم , الطالب الجامعي ( احمد ابو شامة ) الذي كان باخلاق سافلة ومنحطة , وكان عدواني تجاه الطالبات والطلاب , وكان منبوذاً من الجميع , وفي أحد المرات تحرش بها , لكن صدته , لتجده أمامها مع مجموعة من الحرس القومي على أذرعهم الشرائط الخضراء , ليتطلع اليها بعدوانية كأنه وجد صيد ثمين , ويأمرها بالوقوف ويقول :

( - ست ضحى أنتِ تحت الاحتجاز , بتهمة التخريب والتآمر على الثورة )ص168 .

3 - مرهون ابن نسيبة : هو الذي اقترف جريمة قتل بنت عمه ( بدرية ) بحجة الدفاع عن الشرف وغسلاً للعار , وحكم عليه بالاحكام الثقيلة . ولكنه اختلط مع السجناء الشيوعيين وتعلم القراءة والكتابة , وتثقف بالوعي السياسي , حتى اصبح واحداً منهم , وبعد خروجه من السجن , كان أنساناً جديداً آخر , انتبه الى جريمته وشعر بالخجل العار بما تلطخت يديه , واصبح ناشطاً سياسياً وحزبياً واقتنعت به ( مديحة ) شقيقة ( بدرية ) بسلوكيته الجديدة , ووافقت على الزواج والارتباط به , وجدته مدافعاً عن المرأة التي تعاني من الظلم الاجتماعي . عانى من الملاحقات البوليسية , حتى وجد نفسه محاصراً ومطوقاً من قبل افراد من ( الحرس القومي ) مطلوباً لهم كمعارض يساري عشية الانقلاب . تيقن ان حياته انتهت الى هذا الحد , ونظر الى بغداد بالنظرة الوداع الأخيرة , وهو يندب حظه من الخيبات والخسارات , وقال بتحسر وقهر في لحظات حياته الاخيرة ( خيبة حبي حين أحببت بدرية خاتون , وخيبة حين قتلتكِ بكلتا يدي وخيبة حين تعلمت الابجدية وعرفت واقعي بين البشرية , وخيبة آخرى حين دخلت الحزب , وخيبة حين أنجبت على كبر من أختكِ مديحة ) ص152 .

هكذا تحولت بغداد الى مدينة الرعب , لم تنقطع رشقات الرصاص والانفجارات , وصبيحة الانقلاب كانت الطائرات تحوم حول مقر قيادة ( عبدالكريم ) وتدكه بالحمم النارية , واجهضت الثورة من المتآمرين في الداخل والخارج , ولعب ( جمال عبدالناصر ) في تجهيز افرد الحرس القومي بالبنادق بور سعيد , ويشترك بالتآمر على الثورة والعراق , ويركب القطار الامريكي البريطاني لاغتيال الثورة (لقد فعلها عبدالناصر ) .

× الكتاب : رواية . عند باب الازج

× المؤلف : نيران العبيدي

×عام الاصدار : عام 2021

× عدد الصفحات : 172 صفحة


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جمعة عبد الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/03/13



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في رواية (عند باب الازج ) للاديبة نيران العبيدي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net