صفحة الكاتب : حسين فرحان

المولدات الأهليَّة.. لوحة بألوان سلكيَّة
حسين فرحان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 عصب الحياة البديل في العراق ما هو إلا بنية تحتيَّة أسستها يدٌ شعبيَّة بأدوات بسيطة اعتمدت في إنشائها على الإمكانات المتواضعة التي لا تراعي ما ينبغي مراعاته في إنشاء المشاريع لدى وزارات الدولة أو الشركات الكبرى.
عصب الحياة الذي حلَّ ضيفاً ثقيلاً بعد غياب العصب الأصلي (الكهرباء الوطنية) لسنوات طوال وحضوره المتواضع المجدول المبرمج الناكث لعهود ساعات التجهيز عند ارتفاع درجات الحرارة في صيف الخمسين درجة مئويَّة، لم يجرؤ يوما أنْ يقول للمولدة الأهلية ذات الضجيج ارحلي فقد ثنيت لي الوسادة وابتسمت لي أعمدة الضغط العالي وقرت أعين المحولات بإطلالتي البهية ذات الأحد عشر ألف فولت، فالمليارات من موازنات السنوات السابقة لم تترك لهذا التيار الوطني أنْ يكون وطنياً إلى حد النخاع من دون أنْ يخالطه تيارٌ آخر يحمل معه نسائم دول الجوار ويمر بعداداتها التي تطبع أرقامها الكبيرة في فواتير التسديد.
المولدات الأهلية سرقت من العراق سكون ليله بضجيج محركاتها واختطفت زرقة ونقاء سمائه بذلك الدخان الأسود الذي يتصرف وفق ما تمليه عليه حركة الرياح فإنْ سكنت ارتقى للأعلى وإنْ تحركت دخل للبيوت من دون استئذان عبر مبردات الهواء التي لا تميز ما يدخل إليها من صنوف الهواء وأشكاله وألوانه وروائحه فالمهم أنْ يكون بارداً يكفي لأنْ يمنع نوبات التعرق المزعجة التي تقض مضاجع الكادحين. المولدات الأهلية ترسم لوحة سريالية ملونة بألوان الطيف السلكي الأحمر والأسود والأصفر والأزرق والأخضر، وتتخذ شكلاً موحداً كأنما اتفق عليه جميع أصحاب المولدات في مؤتمرهم التأسيسي الذي لم ينعقد يوماً، والمشهد العام في هذه اللوحة هو انطلاقٌ جميع هذه الأسلاك من عمود رئيسي في بناية المولدة باتجاهات متعددة حيث البيوت التي تنتظر تدفق بعض (الأمبيرات) عبر عصب الحياة البديل، وأهم ما يميز هذه الفوضى السلكية أنها صنعت فرص عمل للقادرين على ارتقاء سلالم الالمنيوم في أي وقت من اليوم لإصلاح ما يفسده الدهر في هذه الأسلاك أو ما تتلفه الشاحنات الكبيرة حين مرورها في الأزقة، وما أروعه ذلك الشعور بالزهو والنصر للشخص العائد لمنزله بعد إصلاح العطل في ذلك الجزء من هذا العصب بعد أنْ أعطى لعامل الدرج أجرته. أما انقطاع كهرباء المولدة -مع سلامة السلك- فله أسباب عدة أهمها تلك (الجوزة) العادلة التي صنعت خصيصاً لتمنحك حقك من دون زيادة، فالزيادة تعني قطع التيار وقطع التيار يعني انقطاع النت والمحتوى الذي تتابعه، أو انقطاع ما تشاهده عبر التلفاز، أو استيقاظ طفل مزعج بسبب الحر بعد أنْ بذلت مجهوداً كبيراً لأجل أنْ ينام، وقبل اكتشاف (الجوزة الالكترونية) كان يتحتم عليك أنْ تتصل بحضرة جناب صاحب الصرح العظيم لكي يرفعها مرة أخرى أو تضطر لقطع نومتك السابعة والذهاب لإبلاغه بهذا الخلل الفني. هناك مشهد آخر يتكرر كل شهر وتحديداً في اليوم الثالث أو الخامس منه، وهو يوم التسديد، إذ يشنُّ صاحب المولدة حملة شعواء على جوزات عباد الله بالإطفاء والتشغيل تنبيهاً لهم وتذكيراً بموعد الدفع المسبق الذي لا يحتمل التأخير وهو يمني النفس بأنْ يمتلك تلك الآلية التي تمتلكها شركات الهاتف النقال وجبايتها لمستحقاتها عبر بطاقات الشحن.. لكي لا يشغل فكره بعد ذلك برواتب تأخرت عن موعد إطلاقها ولا بتقاعس البعض عن التسديد.. صاحب المولدة هو الآخر يبحث عن حلول للأزمة المالية ولكن من جانبٍ واحد. المولدة الأهلية أصبحت متلازمة مع الحالة النفسية للمواطن كما هي متلازمة مع الواقع بكتلتها الكبيرة المشوهة وصوتها ودخانها ومنظر أسلاكها ومزاج أصحابها، إلا أنها رغم ذلك كله سدت النقص الحاصل في الكهرباء الوطنية وكفتنا مؤونة التفكير بإنشاء سراديب تحت الأرض تقيناً حر صيفنا اللاهب. والعودة للفانوس وجرار الماء.                                                                                                                                                                                                                                                               ................................ حسين فرحان


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسين فرحان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/03/20



كتابة تعليق لموضوع : المولدات الأهليَّة.. لوحة بألوان سلكيَّة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net