صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

(تداعيات الترسيم الثقافي) سماحة العلامة الراحل السيد محمد علي الحلو (طاب ثراه)
علي حسين الخباز

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من العسير جداً أن نقف بتصوراتنا ما لم نتنزع من أذهاننا غمار الموروث بكل مخلفاته والتحقيق في استنباط الواقع ان (محنة التأريخ) في خضوعه للعملية التلقينية بعد أن تساهم في تحديد شخصية ما ويتبعها في ذلك الملتقى الذي ينصاع لما تمليه عليه المفردة التاريخية بغض النظر عن حيثياتها ودواعيها.

 ومن اهم تلك الأمور التي تنصاع تحت المؤثرات التقليدية للموروث المعلومات القادم من دواعي شتى، أي ان تكوين الشخصية التاريخية بملامحها الحقيقية تخضع لدواع موروثة تدخل في ترسيم ملامحها، واهم تلك الدواعي والمؤثرات: 
أولاً- المؤثرات السياسية وترسيم ملامحها على أساس مدى تعاطيها مع الواقع السياسي للحاكم الذي يفرض على المشروع التاريخي رؤيته الخاصة وان يحدث ملامح الشخصية التي لابد للمؤرخ ان يرسمها في مخيلته التاريخية، او ضمن مفرداته التي تحدد مشروعه التاريخي.
 الشخصية المعارضة للنظام او المنافسة للحاكم تتعرض الى حالة الاسقاط النفسي، الذي يستعمله الحاكم مع المؤرخ وحتى مع المتلقي، ثانياً- المؤثرات الثقافية للعقل الجمعي: كثيرا ما يساهم العقل الجمعي عند قراءته للحدث التاريخي في ترسيم الشخصية وملامحها فربما هناك معطيات معينة تعمل بمشاركة العرف السائد على ترسيم الشخصية التاريخية، فالعزلة التي تتغلب عن الشخصية التاريخية او الزهد او الانتفاء عن الرئاسة الدنيوية تعطي مؤشراً لخلق عقل جمعي يساهم في تحديد ملامح (السكوت، الانكسار، التذلل، الافتقار، الاحتجاج، الى آخره...) من هذه المفردات والمعارضة المسلحة للحاكم تعطي للمخيلة الجمعية مفردات (التمرد، وعدم الاستقرار، والهياج، وعدم التوازن، والقلق بمعناه العام...) وهكذا استخلص العقل الجمعي بقراءته مفردات معينة ساهمت في ترسيم ملامح معينة.
ثالثاً- المؤثرات الفردية، وهذه تساهم بشكل استقلالي للمخيلة الفردية في ترسيم شخصية ما، الثقافة الفردية، ربما تتحرر من سيطرة مخيلة الجمعية التي تفرض عليها مفردة معينة الى رحاب أوسع في ترشيد هذه المفردات لصالح الواقع التاريخي تبعا لثقافة الفرد واستقلاليته التحقيقية فهذه نوازع الترسيم للشخصية التاريخية وهي ذاتها ستساهم في تحديد ملامح شخصية الأئمة (عليهم السلام).
 ولعل نموذج شخصية الامام زين العابدين (عليه السلام) بما يمكن ان نقف عند هذه التداعيات التاريخية فشخصية الامام زين العابدين (عليه السلام) حينما يستذكرها الانسان تنحسر مخيلته في مرامي التصور السحيق الذي لا يعطي الا صورة الرجل (العليل، المريض، المنكسر، المحتاج، الفقير... الخ من مفردات الانكسار)، لتشكل في الذهن العام ملامح الصورة القائمة عن الامام زين العابدين (عليه السلام).
 إن العرف دائما حينما يشير الى الامام زين العابدين (عليه السلام) لا ينفك الا ان يذكره بالعليل، هذه لا يمكن ان تفارق الذهنية العامة للأسف الشديد ففي بعدها التاريخي يساهم الموروث التقليدي في ترسيم المعلم العام لهذه الشخصية ليعطيها صيغة العزلة والانكسار او المرض والافتقار بشكل يساهم في ترسيخ فكرة غير واقعية عن هذه الشخصية.
 ولعل المنفاسة الزبيرية وامثالها هي الأخرى تحالفت مع الرؤية الاموية في تعزيز هذه الصبغة الانكسارية للإمام (عليه السلام)، وأقول انها انكسارية لأنها ستساهم في تعمية المجهود الإصلاحي الذي قاده الامام (عليه السلام) من اجل انقاذ الأمة، فمثلا ما يذكرونه عن الامام (عليه السلام) وعلاقته بمصعب الزبيري، فيروي أبو فرج الاصفهاني وهو مرواني النزعة، كما في رأي كثير من المحققين مثل السيد عبد الرزاق المقرم وان كان لنا رأي في كتاب الأغاني بانها ليست للأصفهاني ولعلها لشخص آخر او انها اذا كانت للاصفهاني انما اضيف عليها بعض الترهات وهذه الروايات الضعيفة بعد وفاته، لهذا انا استبعد ان تكون هذه المرويات قد وردت في كتاب الأغاني للأصفهاني؛ لأن الأغاني سبعة احدهما للأصفهاني والباقي لابن إسحاق الصابئي وهو إبراهيم بن هلال الحراني الصابئي الذي اشتهر بالبيان والبلاغة لهذا العصر، وغيره من الوراقين في بغداد لا يعرف اسمه فاختلطت هذه الكتب وقدمت هذه الرؤية عن كتاب الأغاني حتى قيل ما قيل في هذا الرجل وهو في الحقيقة اعجوبة في علمه وفي زهده وفي تفانيه لأهل البيت (عليهم السلام) وان كان هذا الرأي لا يجزم به. روى الاصفهاني في اغانيه: (ان علي بن الحسين اخا السيدة سكينة حملها اليه، فأعطاه أربعين الف دينار) يعني ان الامام زين العابدين (عليه السلام) لحبه ومعرفته بمقام مصعب الزبيري الذي قتل من شيعة البيت في الكوفة عددا يزيد على الالف واليوم نجد ان الامام (عليه السلام) يحمل اخته سكينه ليقدمها الى مصعب ويزفها اليه فيقدم مصعب أربعين الف للإمام زين العابدين (عليه السلام)..! وهذا من المخلفات التاريخية وهي كثيرة.
واذا ساهمت هذه الرواية الزبيرية في ترسيم معلم شخصية الامام زين العابدين (عليه السلام) فان كثيرا من الروايات ساهمت في تحقيق هذا الغرض، لكن حقيقة الامر ان تداعيات الرؤية السياسية التي ساهمت في تصوير الامام علي بن الحسين على انه كان معزولا عن الناس، لابد ان تأخذ ابعادها في التحقيق التاريخي وضرورة ان يستبين الحق والرشد، وان المؤرخين شاركوا في تعزيز رؤية العزلة التي عرفت عن الامام زين العابدين فصوروا الاجراء الذي اتخذه الامام بالابتعاد عن الحياة العامة، بعد وصوله الى المدينة، ولعل هذه الحادثة تعطي تصورا يشير الى عزلة الامام (عليه السلام) الا اننا نرى أن الأمر لا يتعدى عن حالة الاستنكار على كل أولئك المتخاذلين الذي اضحوا منفذين لمشاريع السلطة الغاشمة في التثبيط لمشاريع الإصلاح للمشاريع التي قادها اهل البيت (عليه السلام)، فقول الامام الباقر (عليه السلام): ان اباه السجاد ما فعل ذلك الا كراهية.. ومصطلح الناس يشير الى أولئك المخالفين لأهل البيت (عليهم السلام) وليس لشيعته لأنه لم ينعزل عن شيعته، وليس ببعيد ان يكون هؤلاء أداة الحاكم المتسلط الذي يحاول ان يطيح بأهل البيت (عليهم السلام) وبرسالتهم.
بعد واقعة الطف يتعامل مع الامام زين العابدين على انه يمثل المعارضة الصامتة، الموتورة التي تكون كل تحركاتها على أساس الثأر والانتقام.
 إن الاجراء الحذر الذي اتخذه الامام في تعامله حتى مع أنصاره وبعض شيعته الذي عرضوا عليه النصرة والالتفاف حوله اذ يقول: (ومسألتي ان لا تكونوا لنا ولا علينا)، أي استعراض لحركة الامام السجاد (عليه السلام) في جهاده منذ نهضة كربلاء وما بعدها يكشف ان شخصيته الجهادية تحبط مدعيات النظرة السلبية. 
 ومن العلوم ان المدة الزمنية بين رجوعه من كربلاء وبين وقعة الحرة لم تتجاوز بضعة اشهر مما يعني ان عزلته لم تدم طويلا حتى راح يمارس دوره القيادي، وتشير بعض المصادر ان الامام زين العابدين (عليه السلام) كان مقاتلا مستبسلا في واقعة الطف، والاسر لم يغير من عزيمة الامام (عليه السلام) شيئا فخطبته في الاسر تشير الى حيوية الثائر والمقاتل بكل فصوله البطولية.
 في خطبته (عليه السلام) في مجلس يزيد اكد في خطبته انه هو اهل الحق وفسر القرآن على أساس تأكيد أحقية اهل البيت (عليهم السلام)، وكانت الصحيفة السجادية صحائف رهبنة، كانت ثورة وكانت اصلاحا وهذه العبادة والسكوت والإصلاح كان هياجا، والدعاء الذي لا تخلو مضامينه من ثورة ومن معارف وعلوم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/09



كتابة تعليق لموضوع : (تداعيات الترسيم الثقافي) سماحة العلامة الراحل السيد محمد علي الحلو (طاب ثراه)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net