إن اللحاق بالمجتمعات التي تخلفنا لقرون عنها، بات قاب قوسين أو أدنى (شبر وأربع أصابع) خصوصا بعد زوال حكم الدكتاتورية البغيض، الذي حكر كل شيء من شأنه أن يخدم الشعب ابتداء من التعليم (الذي حرم الناس منه ولم يستفد لا هو ولا زبانيته) والذي يعد أحد أهم أعمدة رقي وتقدم البلاد، والحقيقة الجميع كانوا ينتظرون قفزات كبيرة في هذا المجال، لكن الحال بقي على ما هو عليه بل قلت كفاءته، والعلة بهذا الباب باتت مبهمة، فيتمحور هنا سؤال لابد أن يطرح؛ هل التقصير مادي، أم معنوي؟ أم هناك يا ترى محاولة لضرب التعليم في العراق، الذي احتل الصدارة لعقود من الزمن.
فالكلام الذي يدور حول الشفافية والتطور والإنفتاح والرقي، والتواصل ذو البعد الحضاري المنبعث من عمق (الحضاروية) العراقية، وفق (منظوريات) سياسينا(كلام الديمقراطيين الجدد ذوي الشهادات المتعددة)هو الذي جعل المواطن العادي يتصور الماجستير أو الدكتوراه (زلاطة) عبارة عن (قاط ، ورباط أحمر)، مع كلام مليء بمصطلحات غير معرفة حتى في مختار الصحاح.
كما إن رؤية عشرات المدارس، وهي تصبغ وتجهز برحلات جديدة، وتوضع فيها أجهزة تبريد، كان عنصر مباغتة حذق جدا، استطاع أن يبهر الأغلب الأعم من شعبنا، لكن الجميع استوعب كم التدريس الهائل، من أول محاضرة في بداية العام الدراسي الجديد، بعد (بخة) تبريد في يوم حار، مفعم بالرطوبة العالية، التي يتمتع بها جونا الرائع.
كما إن المناهج الدراسية العزيزة، لم تتعبهم جد، فتم حذف ما حذف وتغيرت السنة من 2004م إلى 1427هــ منجز رائع إذ اكتشفوا بعد دراسة مفرطة، أن التأريخ الميلادي الذي كان يتصدر الغلاف، قد أربك الطلبة لعقود من الزمن الغابر، فآلوا على أنفسهم الإ أن يرفعوا عن كاهل الطلبة الأعزاء هذا العنصر المربك.
أما التصنيف المجحف للمدارس، من قبل النظام المقبور،عندما أسس مدارس نموذجية (فول أوتوماتيك) وأخرى بدون مواصفات (أبو النعلجة) فقد أثار حفيظة كبار المسؤولين في مجال التعليم (نصفهم من النظام السابق، ومن قياديي الحزب الفاشي) لدرجة أنهم نددوا بالقرار وقدموا البديل وهو التساوي التام أو الموت الزؤام.
فتأسست مدارس التساوي، فكانت بحق نموذجا يحتذى به (من باب حذى حذوة) ذات الطوابق المتعددة، والصبورات الحديثة، والرحلات المستوردة، من أرقى المناشئ والتبريد. كما وضعت سيارة إسعاف وسيارة شرطة، ومحولة كهرباء، جيدة للمدارس كافة، عدا التي تضم أبناء المسؤولين تحقيقا للعدالة المفقودة.
فصار ابن الفقير المعدم يجلس الى جانب ابن الثري، وابن المسؤول الكبير، يشاركه أحلامه وآماله وتطلعاته، والمكان نظيف، والهواء بارد، قادم من أعماق المكيف، وهم متساوون في الدراسة والتدريس والمعاملة، التزاما منهم بمبادئ حقوق الإنسان، ومتطلبات الديمقراطية الجديدة. عذرا نحن نحتاج إلى بداية جادة، نحو مكافحة التعليم الممصلح في عراقنا الجديد، من أجل بناء جيل متعلم، يتحمل حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، لأنه في المقابل لا يدفع شيئا، فالتعليم أولاً وأخيرا مجاني.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat