صفحة الكاتب : محمد علي مزهر شعبان

النجف ... بين الامس واليوم ..... ج1
محمد علي مزهر شعبان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يقول الفيلسوف " شوبهاور" إذا كنت ترغب في سلام الروح والطمأنينة فعليك بالإيمان، وإذا كنت ترغب في أن تكون نصيرا للحقيقة، فعليك بالشك .

مابين الروح المسالمة التواقه للامن والسلام والابداع فان الايمان هو القناعة بان الانسان سيد المخلوقات، فما هي السياده في ان تكون منتجا فاعلا مؤثر، تبلغ من المراتب شأنا، ومن التأثير عنوانا ومؤسسا لمفاد العنوان الرئيسي للايمان . تلكم الامور هي الملازمة الطبيعية لحقيقة وجودك، اما الشك فهو السلك الموصل لليقين . كان هوذا ديدن النجف . بروحية الشك " السارتري" في البحث والتدقيق لتظهر الحقيقة بادق تفاصليها واسانيدها .

النجف .. مدينة وكانك أمام معمل إنتاج فخم لرجال تحمل دواوينها في اصطفاف مهيب، لرجال الشعر الابلغ، أيات ودرر وجواهر، يا للجواهري . انهم يتسيدون بل اساطين من غزتهم ملكة العلم والبحث والاستدلال والادب والشعر، وذهبوا مع جنها وجنونها، بيارق تتماوج وتطرب لها الرؤوس، ويتسارع لها وجيف القلوب، وترحل العقول مع ابيات شعر كانها قصور، وقصائد كانها مدن، ودواوين كانها مجرات .

أسطورة بعد أسطورة من منبع واحد ومكان حدد له ان يكون له هو المنتج، انها ارض الغري والسلام، انها موطن التقي النقي الزكي، ابا الحسن علي . من المتنبي الكوفي ، للجواهري النجفي ،من الروح الاسيانه لابن الرومي لشجرة الدر الحبوبي، من فلسفة ابي نؤاس وصفرائه ، لعبد الامير الحصيري وندمائه، من رهين المحبسين وفاقد بصر العينين، لعبد المنعم الفرطوسي الذي ابصر بعماه الثقلين . قصائد حفرت بلوح الذات، من قصيدة العزاء الكميتيه لانشودة البكاء الحسينيه.

مكتبات وكانها خلية نحل تصطف المجلدات في رفوف، تنحني لها القامات. سلام على الرؤوس الملقحات ببذرة الابداع . سلام على اليراع وهي تنقش بل تحفر بما خفي في صلد وصماء صخر حين تنهال شلالات الابداع . مجلدات تعانق الرفوف لتفارقها ثم تحتضنها اكف وصدور، حيث هناك تبدا اللهفة عند أنفس لهوف، ليبدا الابهام المطبوع بالاحبار، وهو يلعق رضاب الالسن بطعم عبق المداد والاوراق . هناك عند غرف وسراديب الطابوق ( الفرشي) في ازقة النجف وحاراتها .

من مكتبات السوق الكبير امتدادا لمعارض ومهرجان الكتب في شارع الرسول ص عناوين تزدحم عند الرفوف وعلى باحات المحلات . مدينة تعج بالمعرفة ودوائرها . صحف يومية واسبوعية ومجلات ودوريات منذ نهاية القرن التاسع عشر .اوائل الصحف الادبية والعلمية والبحثيه والادبيه ، تملا الساحات ، في مطابع تحني القامات وتصطبغ الانامل، وتكل الايدي من تنضيد الحروف  . مؤتمرات وصالونات ادبيه تحتدم فيها ألسن صدق ورؤوس متخمة بالمعرفة  مدينة  تلقفت من المنبر الحسيني بما هيأ  من قدرة لمن يعتليه . تصدر المنبر نوعان من الخطباء، والغاية واحده باختلاف الاساليب، ولكن اين هذا من ذاك ؟ الاول تستحضرهم واقعة الطف كاثارة عاطفيه تحتشد الانات لتزدحم في الصدور ثم تنفجر اهتزازات  جسديه  تغسلها الدموع الممراح وتتطهر بها الانفس، وتتسلح بها العزيمة، ولتعلن ان طريق الحسين ايثار ومبادره، لم تصلها الارادات بعد، ولكن ما حيلة العاجز ان يدرك الاعجاز الحسيني الا البكاء، ونفاذ القدرة في الوصول الى ذات القرار . اما الجانب الاخرمن الخطباء منابر اعتلاها، رجال وكانها مكتبات عملاقه ركبت على رقاب بشر، الايثار، رفض الظلم، نوال الحرية، طريق الشهادة من اجل المباديء الساميه . تستحضر الشاردة والوارده، الاية المنصوص عليها بسجلها ومكانها وزمانها وحدثها، وهي توثيق لعناوين وشخوص وحوادث لم يختلف عليها الا الاغبياء، تتبعها الاحاديث النبوية في عنوانها الصريح، لمن وعلى من ولماذا ؟ دون مواربة ومبالغه، مهما فعل المتصدون لذلك . خطباء يذهلوك بسرعة البديهية والذاكرة، وسعة المعرفة، والبينة والدلاله، اية وحديثا وقصائد . ألسن تكهرب العقول بصدقها ومصداقية طروحاتها . علمية دقيقه، رهيفة شفافه، تثير تبكي الالم والطغموية والتهميش والاعتقال والابادة والمظلومية، تثور تفجر الكوامن تاسس لثورة جياشة داخل الخوالج . تسخر من زمن كتب سطوره وعاظ السلاطين وماجوري سلطه . رجال يركبون اجواء الساحة، وكانهم في الواقعة وعلى مسرح الحدث ينقلوك عبر الازمان فتنعدم سنونه وايامه. ارادتان تتقاطع حد النقطه . بلا صريخ ولا عويل حين يحدثوك، لا لطم على الصدور ونثر الشعور وتمزيق الجيوب . انها لحظة صمت لاعادة وترتيب الاوراق، حتى يتسائل المرء من اين اطل على الازمة .

لنا رجعة مرة اخرى


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد علي مزهر شعبان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/10



كتابة تعليق لموضوع : النجف ... بين الامس واليوم ..... ج1
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net