قال السيد الخوئي في كتابه (البيان في تفسير القرآن) ص197 ان لفظ التحريف، يراد منه عدة معاني على سبيل الاشتراك، فبعض منها واقع في القرآن باتفاق من المسلمين، وبعض منها وقع الخلاف بينهم في تفسير القرآن بغير حقيقته، وحمله على غير معناه، وقد ورد المنع عن التحريف بهذا المعنى؛ يصف الامام الباقر عليه السلام لنا هذا التحريف: (وكان من نبذهم الكتاب ان اقاموا صروحه، وحرّفوا حدوده، فهم يروونه، ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية).
وهناك تحريف يتبع اختلاف القراءات وآخر ما ورد عن حرق عثمان للمصاحف بحجة المخالفة!! والبعض منهم يرى ثمة نقص فيه!! فجميع حروب الفكر والاعتقاد سببها التحريف الذي أصاب التأويل والمعنى واللفظ... واول من تصدّى بعد وفاة النبي (ص) لتحريف الكلم عن مواضعه فاطمة الزهراء، أم أبيها سلام الله عليها، امام الخليفة الذي منع عنها فدكا، بادعاء أنه سمع الرسول يقول: (نحن معشر الانبياء لا نورث) فقالت له: (زعمتم خوف الفتنة.أَلَا فِي الْفِــتـْنَــةِ سَــقَـطُـوا وَإِنَّ جَــهَنـَّمَ لَمُـحِيـطَـةٌ بِالْكَافِرِينَ... وقد خلّفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟بئس للظالمين بدلاًوَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
فهي تتهم القوم بالخروج عن الاسلام، الاسلام الحقيقي المتأصل في التوجه نحو الله والتسليم له، فهي تقول سلام الله عليها: (أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي؟لقد جئت شيئاً فرياً!) وأستشهدت بآيات بيّنات: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) وقال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريّا إذ قال: (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا...ثم قالت: (أو لست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟ أم انتم اعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟) ثم تخاطب الناس: (فأخذ بسمعكم وأبصاركم ولبئس ما تأوّلتم).
والصحابي الجليل عمار بن ياسر قد شخّص القضية كلها في ساحة الميدان، قائلا: نحن ضربناكم على تنزيله *** فاليوم نضربكم على تأويله
أي مثلما كانت بدر معركة التنزيل، اصبحت صفين معركة التأويل
مؤسسة الامامة متمثلة بالأئمة المعصومين عليهم السلام من المحال ان تستند على كتاب محرّف، فالكتاب المقدس غير محرف بالنص، وانما يفسر عند البعض بصورة مغلوطة، قد يُترجم بطريقة تشوّه المعاني، وتخلط الدلالات، نجد ان هذا التشخيص صحيح، اذا تم استحضار العنصر الزماني، اي ان تلك الكتب السماوية تعرضت الى التشويهات التحريفية، في ازمنة متأخرة عن زمن الزهراء عليها السلام، حيث كان التحريف يكمن في قضية الترجمة العبرية، فحجبها كان من الممكنات، لكن يبقى من المؤكدات ان هناك نسخا منها غير محرّفة عند الائمة، وحجبوها عن الناس، بسبب السلطات ذات الاسلام الظاهري، والتي اشغلت العالم الاسلامي في حروب دامية، مع اهل الكتاب، ونقصد الفتوحات التي حملت الشعارات الاسلامية، وهي مساعي جادة للسيطرة على موارد الثروات، وجلب المزيد من الجواري والإماء... بينما نجد ان الاسلام الذي انتشر على يد الرحلات التجارية، أوسع وأهم من الاسلام الذي انتشر بالسيف، ونهب الكنوز، واستئصال معتقدات واديان الشعوب.
ومن هذا المحور، نتأمل موقف الائمة المعصومين عليهم السلام من تلك الفتوحات المخزية، والحروب الدامية، التي أساءت لحقيقة الاسلام، ودفعت به من الصراع الروحي الى الصراع المادي، وعرض احد الكتب المقدسة من قبل أحد الائمة، سيعطي بالتأكيد غطاء شرعي لديمومة تلك الحروب من اسيا وافريقيا واوربا بين المسلمين والمسيحين. نجد ان الائمة عليهم السلام قد حملوا تلك الكتب المقدسة تحت عناوين غير واضحة، مثل: مصحف فاطمة، والجفر، وهذا يشير الى مخاوف من السلطة في تدمير حقيقة الكتاب المقدس... مما جعل الائمة المعصومين عليهم السلام، وتلامذتهم، يضيّـقون دائرة التداول، ونجد ان امهات الكتب الشيعية، ومئات الروايات، التي تثبت عناية الائمة المعصومين بالكتاب المقدس، فيقول أمير المؤمنين عليه السلام: (لو ثنيت لي الوسادة، لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الانجيل بانجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، حتى يزهر كل كتاب من هذه الكتب، ويقول: (يارب ان عليا قضى بقضائك). والامام الكاظم عليه السلام يقرأ الانجيل كما يقرأه المسيح، والامام الصادق عليه السلام يقول: (عندنا صحف ابراهيم، وموسى، ورثناها من رسول الله (ص)) ونحن الشيعة نؤمن بأن رأي الامام المعصوم، هو مطابق لرأي القرآن الكريم.
علي الخباز, [١٠.٠٥.٢١ ٢٣:٥٩]
وقد ورد ذكر التحريف في القرآن في اربعة مواضع، فقد نزل التحريف في بعض يهود يثرب، الذين كانوا يظهرون غير ما يكتمون في قلوبهم، تجاه المسلمين. ويقول ابن عباس: ان الذين حرفوا كلام الله هم الذين اختارهم موسى من قومه... فالتحريف كان في زمن موسى، ويرى الرواة: ان لاخوف، فالنبي موسى اشرف بنفسه على الكتابة، وهم فريق عجز عن استيعاب النص الالهي، ولو نقرأ في كتاب الله تعالى عبارة: (بعدما عقلوه) وعبارة: (وهم يعلمون) اذا ابعد سياق التحريف النصي اللفظي. ولنقف عند عبارة: (وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا) في سورة النساء الآية: 46 يعني ان اليهود يقولون: سمعنا قولك يا محمد، ويقولون سرا: عصينا أمرك، وهم جماعة يهود يثرب، ممن عاصر الرسول صلى الله عليه وآله، وفي قوله تعالى: (وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ) يذكر الشيخ الطوسي في التبيان ان كلمة (راعنا) هي كلمة كان اليهود تلوي بها ألسنتهم، يقول الامام الباقر (ع): (انها سب بالعبرانية).
ويرى البعض انها على معنى الفساد والبلاء، والمتأخرون يفسروها بمعنى (الرعونة) فجميع القرائن القرآنية تدل ان التحريف المقصود، هو تأويل للمعنى لاتغيير للنص... ويقرن القرآن التحريف بالاخفاء ايضا اي إخفاء المعنى، كقوله تعالى: (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) سورة المائدة: 15 ويقال ان شخصا من اشراف اليهود (يهود خيبر) قد زنى بشريفة يهودية، وهما محصنان، فقالوا: ان حكمهم محمد بالجلد فاقبلوا حكمه، وان حكم بالرجم فلا تقبلوا به، وارسلوا الزناة اليه، فامرهم النبي (ص) بالرجم، وحين رفضوا الحكم، جعلوا بينهما حكما، هو (ابن صوريا) وهو حبر معروف من احبار اليهود من فدك... فشهد بأن حكم التوراة الرجم، فرجموهما...
ويعني ان هناك تجاهلا لحكم التوراة من قبل مجموعة من اليهود، واصرار من النبي (ص) على تنفيذ حكم التوراة، وأيضا هناك فريق معارض لهم من اليهود انفسهم يمثلهم ابن صوريا... ومن هذا المعنى ندرك ما يمكن ان يقوده الاعتراف بمصحف فاطمة، وما يمكن ان يؤدي اليه من فضح لكل التشوهات والتحريفات، التي غيّرت ملامح الاسلام الاصيل، فهم ما حاربوه لكونه كتابا شيعيا بل لانه البوابة التي من خلالها نستطيع النفاذ الى الاسلام الاصيل... اسلام الائمة المعصومين عليهم السلام لتنمية وعي الامة، لتستلهم حقيقة الاسلام، رغم سلطة الاسلام القرشية، وقرون من الاضطهاد لمشروع الامامة. لكن مشروع الامامة لم ينته بل له افق مفتوح من خلال الامام المهدي عجل الله تعالى مخرجه الشريف.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat