صفحة الكاتب : شعيب العاملي

عليٌّ.. باب الحكمة سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
قال تعالى: ﴿وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن﴾.
 
وطريق الجدال مع العامة بنحوٍ أحسن هي أن يَتِمَّ الاحتجاج بما في الصحاح والمسانيد مما نُقِلَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ومنها الرواية التالية، مع كون القرآن قد نَصَّ لزوم الأخذ عنه صلى الله عليه وآله: ﴿ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه﴾ فقولُهُ قولُ الله تعالى، وما يُبَيِّنُه صلى الله عليه وآله هو بيان الله تعالى، ووظيفةُ كلِّ مسلمٍ هي الأخذ بقول النبي صلى الله عليه وآله اعتقاداً وعملاً.
 
أما كلامُه صلى الله عليه وآله فهو: أَنَا دَارُ الْحِكْمَةِ، وَعَلِيٌّ بَابُهَا، فَمَنْ أَرَادَ الْحِكْمَةَ فَلْيَأْتِ الْبَاب‏.
 
هذا بيانُ من لا ينطِق عن الهوى، وقد قال أولاً: أَنَا دَارُ الْحِكْمَةِ.
واشتُقَّت (دَارُ) من (دور)، اعتباراً بدورانها حول الحيطان، وتفصل بين ما في الدار وما خرج عن الدار.
 
أَنَا دَارُ الْحِكْمَةِ: فإنّ الحكمة مرتَكِزَةٌ في هذه الدار، كُلُّ الحكمة في بيتٍ قلبه صلى الله عليه وآله، والطريق لهذه الدار تنحَصِرُ بباب هذه الدار، وباب هذه الدار هو عليُّ بن أبي طالب حصراً: أَنَا دَارُ الْحِكْمَةِ، وَعَلِيٌّ بَابُهَا.
 
والمهم هو فاء التفريع، فَمَنْ أَرَادَ الْحِكْمَةَ: فَنِسبَةُ ما بعد الفاء لما قبلها نسبة المعلول للعلة، فكلُّ من أراد الحكمة وجوهرها: فَلْيَأْتِ الْبَاب، دون استثناء، واللاّم أيضاً لام التأكيد، وَمَن وَصَلَ إلى الباب وَصَلَ إليَّ، ومَن وَصَلَ إليَّ وَصَلَ إلى الحكمة.
 
ثم ينبغي فهم الحكمة أيضاً، لأن الرواية سهلةٌ لكن الفقاهة صعبة، الدرايةُ صَعبةٌ، والمرجع هو القرآن الكريم، فينبغي الرجوع للقرآن الكريم، ثم استنباط معنى الحكمة ومعرفتها، ولماذا استُخلِصَت في وجود الخاتم صلى الله عليه وآله، ولماذا عَيَّنَ الله تعالى الباب لهذه الدار؟!
 
أما القرآن، فمنذ أن أوصَلَ الله تعالى إبراهيمَ الخليل إلى تلك المراتب اتّضحت كلمة الحكمة من دعائه، واتضح في أيِّ بابٍ هي:﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ﴾ (البقرة127).
 
فههنا كان دعاء خليل الله وذبيح الله أثناء بناء بيت الله بنص القرآن: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ (البقرة129).
 
فمُنتهى الغايات ونهاية النهايات في دور الرسول صلى الله عليه وآله: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾، هذا دعاءُ خليل الله، وتأمينُ ذبيح الله عليه، عند بناء بيت الله، هذه هي الحكمة!
 
ثم نصّ القرآن على أن متاع الدنيا قليل، وكَم هي سعة الدنيا أولاً؟! يتَّضح حَدُّ سَعة الدنيا بقراءة القرآن، يقول تعالى: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾ (الصافات6)، فكلُّ هذه الكواكب التي يصل نورُ بعضها بعد مليار سنةٍ ضوئيةٍ إلى الأرض هي زينة في هذه الدنيا! وكَم هي الفاصلة بيننا وبينها؟! إنّ عَدَدَها وبُعدَها غيرُ معروفٍ لأحدٍ إلا لله تعالى، ولشهدائه على خلقه، كلُّ هذا وكلُّ ما في هذه الدنيا قليل! ﴿قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ﴾.
 
أما الحكمة: ﴿يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ (البقرة269).
 
وقَدَ حَصَرَ إيتاءَ الحكمة بمشيئته، فليس هذا الجوهر مباحاً لتصل إليه يَدُ كل أحد، فليس للدنيا وما فيها شرط، إذ قد ينالها الفاسقُ والكافرُ فيصل إلى المقامات الدنيوية، كلُّ المقامات والفنون (لا بشرط)، أما الحكمة فإنها (بشرط)، وذلك الشرط هو مشيئة الحقّ تعالى: ﴿يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾.
 
الشيء الذي يراه الله تعالى خيراً يُحَيِّرُ العقل!! ثم هو بعد ذلك ﴿خَيْراً كَثِيراً﴾! فكل الدنيا قليلة ولكن جنس الحكمة بل كلمةٌ من الحكمة خيرٌ كثير!
 
﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً﴾ (النساء54).
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ﴾ (لقمان12).
 
فعندما يختارُ مثلَ لقمان ويعطيه الحكمة يضم إليها الأمر بالشكر!
﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾(النحل125).
 
والطريق إلى الله تعالى محصورةٌ بالحكمة، ولا يمكن الوصول إليه إلا بتوسط هذه الأداة.
 
وختم الكلام: أنَّ مقام الحكمة نفسها هو أنَّهُ ما لم تُعلم الحكمة فإن حديث: أَنَا دَارُ الْحِكْمَةِ، وَعَلِيٌّ بَابُهَا، لن يُفهم.
 
وقد استجاب الله دعاء إبراهيم، فأعطى النعمة للبشر، لكن أساؤوا استخدام النعمة..
أمّا هنا: ﴿لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً﴾
لقد كانت ثمرة وجود الرسول: أولاً: يتلو عليهم آياته، وثانياً: يزكيهم، وثالثاً: يعلمهم الكتاب، ورابعاً: وهو ختم الكلام: والحكمة!
 
والنتيجة أنَّ خَلقَ تمام العالم، من السماوات والأرضين مُقَدَّمَةٌ لخلق آدم عليه السلام، وخلق آدم عليه السلام مقدَّمَةٌ لبعثة الأنبياء، وبَعثة الأنبياء من آدم لعيسى مقدمة، وذي المقدمة هو بعثة الخاتم صلى الله عليه وآله.
 
ثم الخاتم نفسه صلى الله عليه وآله مقدمة، وآخر ثمرة هذه الشجرة الطيبة هو الحكمة، وعليٌّ باب هذه الحكمة!
 
هذا معنى أنَّ أحداً لم يعرفه عليه السلام، كما قال النبي صلى الله عليه وآله نفسه: يَا عَلِيُّ مَا عَرَفَ الله إِلَّا أَنَا وَأَنْتَ، وَمَا عَرَفَنِي إِلَّا الله وَأَنْتَ، وَمَا عَرَفَكَ إِلَّا الله وَأَنَا.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/11



كتابة تعليق لموضوع : عليٌّ.. باب الحكمة سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net