صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

الابتلاء ودوره في بناء الانسان  ( 7 ) ابتلاءات النبي ابراهيم (عليه السلام)
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 تشير التنقيبات الاثرية الى ان المجتمع البشري في فترة ما بعد طوفان نوح (عليه السلام) كان يسكن المنطقة الممتدة بين مصر وبلاد الشام وبلاد الرافدين وفارس، ونتيجة البعد الزمني عن فترة الطوفان وازدياد سكان الارض عاد الجهل والتخلف الفكري وشيوع الاساطير والخرافات للانتشار مرة اخرى، خاصة مع قيام الامبراطوريات المتصارعة وتناغم العرش والمعبد على التلاعب بأفكار الناس لتشديد السيطرة واخضاع المجتمع البشري لطاعة الملوك والكهنة .
وبعد مضي الاجيال تلو الاجيال عادت عبادة الاوثان للانتشار في الارض كما كانت على عهد نوح (عليه السلام) لتصبح الديانة السائدة على الارض.
وفي تلك الفترة من تاريخ البشر ظهرت العديد من الدول التي مثلت امبراطوريات كبرى في تلك الحقبة الزمنية، كالإمبراطورية البابلية التي حكمت العراق وبلاد الشام وامتد سلطانها الى فارس، والدولة الفرعونية التي حكمت مصر، وكانت الحروب والغزوات واحتلال جيوش الدول لأراضي الدول الاخرى وتدمير ما شيدته الدولة الخاسرة من قصور وعمران ومزارع وبساتين واستعباد اهلها وسوقهم اذلة صاغرين الى عاصمة الدولة المنتصرة، فاذا ضعف سلطان الدولة المقتدرة ثارت ضدها اطراف الدولة وانقسمت الى دويلات متناحرة حتى تنبثق قوة جديدة تتمكن من القضاء على الدويلات المتناحرة للسيطرة عليها.
في تلك الفترة المظلمة من حياة الانسانية المبتلاة بالوان الظلم والتعدي والاستبداد ومصادرة الحريات وانتهاك الكرامة الانسانية والعبث بأفكار العباد بعث الله تعالى النبي ابراهيم (عليه السلام) ليقوم بإعادة الانسان الى جادة الصواب والعمل على اعادة بناء الانسان، ويزيح عن العقول غبار الجهل وظلماته، ويعمل على بناء النفوس واثراء العقول وكشف الحقائق، والدعوة الى بسط العدل ونبذ الظلم واقامة قيم السماء على الارض.
ابتدأت قصة النبي ابراهيم (عليه السلام) بتحد عظيم لعواطف ومشاعر وعقائد المجتمع البابلي، حيث ابتدأ نشاطه بتوهين الاصنام في ممارسات عدها ابناء المجتمع البابلي نوعا من الخروج عن الدين الناجم عن مشكلة في السلامة الفكرية للنبي ابراهيم (عليه السلام) بحيث اصبح منظر النبي ابراهيم (عليه السلام) وهو يسحب الوثن في الارض مسالة يومية وهو ينادي في السوق من يشتري ما لا يضر ولا ينفع، فاصبح النبي ابراهيم (عليه السلام) بذلك عنوانا لتوهين الاصنام والكفر بها، ولم يمض الوقت طويلا حتى انتقل النبي ابراهيم (عليه السلام) الى المرحلة الثانية من مراحل ثورته ضد الجهل والكفر فدخل الى المعبد في يوم عيد للبابليين كانوا يخرجون فيه من المدينة ليحطم الاصنام الا الصنم الكبير حيث وضع فاسه على عنقه، وكان هدفه من ذلك اثارة الاستفهام والاستنكار في اذهان من سيحضر محاكمته.
(وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ، قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ، قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ، قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ، فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ، قالُوا مَنْ فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ، قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ)  
لم يكن النبي ابراهيم (عليه السلام)  شخصا عاديا في المجتمع البابلي الذي كان يعيش فيه، اذ اتصف (عليه السلام) بكل صفات الخير والكمال والصلاح التي كانت تاخذ بمجامع القلوب لما جبلت عليه النفوس من حب الصالحين.
عقدت المحكمة البابلية لمحاكمة النبي ابراهيم (عليه السلام) المتهم الاول في تحطيم الاصنام ولما سألوه ان كان هو الذي حطم  الاصنام فأجاب بل فعله كبيرهم فاسألوهم ان كانوا ينطقون. كانت جلسة المحاكمة سببا لإثارة دفائن العقول وقدح طلب الحقيقة فيها، فالجميع يعلم ان الاصنام لا تتكلم فيكف يمكن سؤالها، وبدت الهمهمة تسري في صفوف الحاضرين في جلسة المحاكمة العلنية
(قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ، قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ، فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ)
مما دفع الكهنة وارباب السلطة الى تدارك الموقف لإعادة احكام السيطرة على اذهان الرعية التي اثار الحدث وجلسة المحاكمة فيها بداية الصراع بين المقدس المعتاد ومكانة النبي ابراهيم (عليه السلام) في النفوس وقوة حجته في قبال عدم وجود جواب للكهنة وارباب السلطة، فارتفعت الاصوات بالمطالبة بإحراق النبي ابراهيم (عليه السلام) والانتصار للآلهة.
(ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ، قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ، أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ، قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ)                                                                                                                                                                                                                

     لمتابعة مقالاتنا على التلكرام يمكن الانضمام عبر الرابط                                                                                                                                                                                                    https://t.me/abdulsettarquranstudys


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/12



كتابة تعليق لموضوع : الابتلاء ودوره في بناء الانسان  ( 7 ) ابتلاءات النبي ابراهيم (عليه السلام)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net