صفحة الكاتب : د . حميد حسون بجية

عن صلح الامام الحسن(عليه السلام) مع معاوية
د . حميد حسون بجية

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

     مما لا شك فيه أن مِن الذين لم ينصفهم التاريخ بالمرة هم أهل البيت (عليهم السلام). على أن عدم الانصاف هذا لم يكن بمستوى واحد. فقد كان ما تعرض له الامام الحسن(عليه السلام) من ظلم في حياته يفوق الخيال. ثم بالغ في ظلمه الباحثون الاسلاميون وكذلك المستشرقون، لاسيما ما تناولوه في مسألة صلحه مع معاوية. فكانت معظم آرائهم سلبية. ويرجع السبب في ذلك إلى اعتماد أولئك الباحثين على المصادر التاريخية الاسلامية التي احتوت على روايات موضوعة مغرضة.

     بيد أن الباحثين المنصفين-على قلتهم- قد أنصفوا الامام (عليه السلام). فبينوا أسباب الصلح الموضوعية التي كان يبغي الامام (عليه السلام) من ورائها الحفاظ على شيعته من جانب وفضح خصمه الذي كان يدّعي الاسلام وكشف حقيقته من جانب آخر.

    وسيقتصر موضوع مقالتنا هذه على ما حدث بُعيد الصلح. ونركز فيها على ما توصل إليه الباحث الاسلامي السيد سامي البدري في كتابه (الامام الحسن في مواجهة الانشقاق الأموي). وهو يقدم أسبابا موضوعية لما يقوله.

    فما كتبه التاريخ بخصوص الامام الحسن (عليه السلام) ليس بحاجة للإعادة لكثرة تداوله من جانب ولبطلانه من جانب آخر. بيد أن السيد البدري يركز على مسألة مهمة ضاعت في خضم الأحقاد الموجهة للإمام (عليه السلام) وللكرام من آل الرسول (صلى الله عليهم وسلم أجمعين).

    ويدور محور كلامنا حول ما قام به معاوية من تنكر لبنود الصلح واهمال لها. فمما لا شك فيه أن ذلك حصل بالفعل. لكنه لم يحصل في حياة الامام الحسن (عليه السلام) بل بعد استشهاده.

  فما نقل تاريخيا عن قيام معاوية خلال وجوده في معسكر النخيلة وحتى في الكوفة وبعد الصلح مباشرة بالقول إنه لا يعترف بذلك الصلح، أي سنة 40 هجرية لا صحة له، وكذلك القول بأن معاوية بدأ بالتنكيل بأصحاب الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك الوقت. كما أن القول بشتم أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك الوقت لم يكن له دليل. كما أن قيام زياد بن أبيه  بارتكاب الفظائع بحق أصحاب أهل البيت (عليهم السلام) لم يكن له دليل أيضا.

   نعم حدث ذلك كله، لكن بعد استشهاد الامام الحسن(عليه السلام). أما خلال حياته فلم يحدث من ذلك أي شيء. ففي خلال السنوات العشر التي قضاها الامام الحسن (عليه السلام) بعد الصلح لم يجرؤ معاوية على القيام بأي من ذلك. 

    ويورد السيد البدري قرائن تاريخية لذلك، مما يدعونا للقول إن ما حققه الصلح أكثر مما أورده التاريخ. فإضافة إلى أخذ الامام بأعلى الشروط في ذلك الصلح، فقد جعل معاوية يلتزم بذلك خلال السنوات العشر التي تلت. وهذا يعني أن انتهاك تلك البنود لم يتحقق الا بعد استشهاد الامام (عليه السلام). وهذا أمر في غاية الأهمية.

  ومن القرائن التي يذكرها السيد البدري القول بأن زياد بن أبيه تتبع أصحاب أهل البيت. لكن زيادا هذا قد تولى الكوفة سنة 50 هجرية. أما قبل ذلك فكانت الكوفة تحت ولاية المغيرة بن شعبة. أي أن ما حدث من تنكيل بأولئك الأصحاب كان بعد سنة 50 هجرية، أي بعد استشهاد الامام الحسن (عليه السلام). وهذا ما يؤيد ما يذهب اليه الباحث.

  ويذكر التاريخ أن معاوية ذهب حاجا، وعندما مر بالمدينة إلتقته عائشة ابنة عثمان بن عفان وهي زوجة مروان بن الحكم، فعاتبته لعدم الأخذ بثأر أبيها، ذلك الشعار الذي تبناه معاوية خلال مناوأته للإمام علي (عليه السلام). فقال لها: يا ابنة اخي ان الناس اعطونا سلطاننا فأظهرنا لهم حلما تحته غضب، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد. فبعناهم هذا بهذا وباعونا ذاك بهذا.  فان اعطيناهم غير ما اشتروا منا، شحوا علينا بحقنا، وان نكثناهم نكثوا بنا، ولكل شيعته. ولئن تكوني ابنة عم أمير المؤمنين وخليفة المسلمين خير لك من أن تكوني من عامة الناس. وينم هذا القول عن كون معاوية لم يبدأ بالانتقام في ذلك الحين.

   أما استشهاد حجر بن عدي وجماعته فقد حدث بعد سنة 50 هجرية. وهذا دليل اخر على ما ذهب إليه السيد البدري من كون شروط الصلح كانت نافذة خلال حياة الامام (عليه السلام).

وبعد استشهاد الامام الحسن (عليه السلام)، حج معاوية وأراد أن يسب أمير المؤمنين(عليه السلام) على المنبر. فقيل له أن سعد بن أبي وقاص لا يقبل ذلك. وفعلا عندما أُخبر سعد بنية معاوية، قال إنه لن يبقى في المدينة لو حدث ذلك. لكن السب حدث بعد وفاة سعد إثر سم معاوية له بعد شهادة الامام الحسن (عليه السلام).

  أما تهجير أهل الكوفة، فالثابت تاريخيا أنه حدث بعد سنة 50 هجرية حين تولاها زياد بن أبيه.

    وقد حدث بعد الصلح تمازج بين الأمصار في تبادل الحديث. فانتقلت الروايات بين الأمصار. لكن معاوية فطن لذلك. وعندما ذكّره بعض الناس بما وعد الامام الحسن (عليه السلام)، تيقن معاوية أنه لم يجن من الصلح سوى بقائه في السلطة. فقال قولته المشهورة بوضع تلك الشروط تحت قدميه.

   وبذلك فقد كان صلح الامام الحسن (عليه السلام) فتحا بحق. وهو دليل قوي على قيام معاوية بسم الامام (عليه السلام). وخير دليل على نفاذ تلك الشروط عدم قيام الامام الحسين (عليه السلام) بإلغائها عندما علم بعدم اعتراف معاوية بها. فإبطال الصلح بالنسبة للإمام الحسين (عليه السلام) من جانب واحد غير قانوني.

     ولم يكن بمقدور معاوية التملص من تلك الشروط حين عرف بأنها مجحفة بحقه. فقام بعدة خطوات منها سمه الامام  الحسن (عليه السلام) الذي اتبعه بسب الامام علي (عليه السلام) وقتل من امتنع عن ذلك السب. وأتبع ذلك بتعيينه ابنه يزيد حاكما من بعده. 

   فالصلح كان نعمة أنعم الله بها على أصحاب أهل البيت (عليهم السلام). وقد قال الامام الحسن (عيه السلام) عن ذلك الصلح أنه لشيعتنا خير مما طلعت عليه الشمس. وقد ورد ذلك فيما بعد على لسان الامام الباقر (عليه السلام). كما أنه (عليه السلام) قال (علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة النبي (صلى الله عليه وآله) لقريش). فلو لم يكن ثمة إلزام لمعاوية، كيف يمكن للإمام (عليه السلام) أن يصفها هكذا!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حميد حسون بجية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/12



كتابة تعليق لموضوع : عن صلح الامام الحسن(عليه السلام) مع معاوية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net