صفحة الكاتب : اسعد عبد الرزاق هاني

التعليم وحقيقة التاريخ
اسعد عبد الرزاق هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  يعتقد البعض ان التاريخ وسيلة من الوسائل السلبية التي تسهم في تفرقة الامة. فيما يؤكد معظم العلماء انه يمتلك طاقة هائلة لإثارة الوعي بأهمية النهوض العربي المعاصر ومواجهة التحديات؛ لأن البناء الحقيقي يتم من خلال عنصرين مهمين: 1ـ المعاصرة... 2ـ الاصالة... وخاصة ان معظم هذا الموروث تولت كتابته الانظمة الحاكمة، وهذا اتجاه خطير يقود الى التيه والتعصب، وسيصبح عبارة عن سلسلة متفرقة من المعلومات الموجهة قصدا لتزييف الواقع التاريخي، فتواري معظم المشاكل التاريخية وتبدأ بحملة تضخيمية لإنجازات واهمة لانعرف حينها اين مكامن القوة من مكامن الضعف... واصبح الحال وكأن القومية العربية هي راعية التاريخ وياليتها استطاعت فعلا ان تكون نزيهة بنقل التاريخ، واذا بها تعتبر من اكثر الحركات المبتعدة عن النهج الحقيقي للتاريخ، ولا تتسوق منه الا عند احتياجها لبعض حرفياته المقننة. 
وتكمن العلة في تباين وجهات النظر مع التاريخ نفسه؛ فالتاريخ الاسلامي ما كان قوميا. والمشكلة تضخمت عند بعض اساتذة الطيف الاكاديمي اوهاما مداحة لبعض الحركات الوزارية في العراق بعد سنة 1921م مثل وزارة (ساطع الحصري) وسواه ممن حاول خلق دور تأثيري على النظام التعليمي، ويؤمنون بحركة التاريخ وثقلها في تكوين الامة، لكن لغايات مسيّسة واغلبها يحمل النظرة الطائفية يهمل الكثير من الرموز التاريخية الفاعلة، ويرفع شأن الكثير من الرموز الخاملة، ويخفي بين طيّاته الكثير من الاحداث التي هي اسس التكوين الجذري للتاريخ. وتركها واهمالها يعني فتح ثغرات كبيرة من الممكن ان تصبح فيما بعد مرتكزا للفرقة والخلاف. ورفع الدكتور (سامي شوكت) مدير المعارف العراقية شعارا وهو: (هذه اهدافنا من آمن بها فهو منا). وكان التاريخ يُعتبر عندهم من ابرز المواضيع المركزية التي يُحسب لها الف حساب. وأكد على خطوات التنقيح واعتبرها نهضة تخلص الامة من ضعفها. ويعني اعادة كتابة التاريخ حسب رؤى تابعة لخاصية قومية، وهذا النداء تمسك به طاغية العصر (هدام) وذيول بعثه المنهار حتى صار ديدنهم. ونحن نطالب بعدم اهمال الجانب المعنوي فيه والذي هو الجانب الحقيقي في التاريخ الحقيقي، وليس المفتعل الذي يمنح الطغاة سمات المهابة والجلال... 
يؤكد الدكتور ابراهيم خليل العلاف، والدكتور فاروق عمر فوزي باعتباره أحد المؤرخين العراقيين بأن ليس هناك تربية مفصولة عن الهدف السياسي في عصرنا الحاضر.. ويقر اغلب التاريخيين ان الواقعية السياسية لأية سلطة لابد ان تهدف الى اعادة بناء الجيل على وفق القيم والمفاهيم التي تؤمن بها.. يبقى لدينا سؤال مهم: لماذا لا نحاول ان نقرأ التاريخ كتاريخ قائم بذاته لكونه تاريخ امة، ولابد ان يُقرأ دون تحيّزات سياسية؟ فالتاريخ العربي الاسلامي فيه الكثير من المحفّزات الحقيقية القادرة على تكوين انماط سلوكية ايمانية. فهل من المعقول ان نحزم الامر لتعليم ابنائنا تاريخا مزيفا، ونحن نعرف انه مزيف بحجة ان حقيقة التاريخ لا تصلح للدرس؟ حبذا النظر في كتاب (مذكراتي في العراق - ساطع الحصري).
 بينما كانت الاوامر الادارية لتلك الوزارات مثلا تأمر بتجنب ذكر الوقائع والاسماء والتواريخ الكثيرة وانتقاء ما يصلح للمقارنة السياسية المعاصرة، وتأكيد الانتقاء لبعض الوقائع المؤثرة في شعور التلاميذ وتحرك عواطفها بما يبعث فيهم الهمم الطائفية. ويجب الاهتمام في الفتوحات الاسلامية، وزيارة المواقع الاثرية، والتركيز على الاختلافات الداخلية للتاريخ واظهارها حسب تفسيرات السلطة. ولكي يعطي (الحصري) وغيره المفهوم المبرر اصلا فهو يركز على ان الامور التاريخية لا تؤخذ بنظرة موضوعية مجردة من التأثيرات القومية والطائفية إلا في المراحل العليا المتقدمة. ويؤكد (الحصري) ومريدوه: ان دراسة التأريخ متعسرة في المدارس ولابد من التركيز على شيء منه، وقليل من الوقائع. اي ان هذا الانتقاء يتضمن طبيعة التأثير والترتيب القصدي.. واعلن عن نوعية هذا الانتقاء تحت عناوين فضفاضة مثل التربية الوطنية القومية لإنماء العواطف القومية. واخذت التنظيمات السياسية بتأسيس جمعيات مختصة بالاهتمام التاريخي كجمعية الجوّال، ونادي المثنى في بغداد، ونادي الجزيرة في الموصل، ونادي المهلب بن ابي صفرة في البصرة... من اجل بث فكرة اساسية ان لا وحدة تقوم بدون الفكرة القومية، فالبحث في التراث الاسلامي يعني البحث في قوميات التاريخ لا في انسانيته. وأقرت وزارة المعارف العراقية بعد عام 1932م اي تحديدا في وزارة (الحصري) بإعادة النظر في الكتب المدرسية، وادخال الدروس العسكرية الى المناهج الدراسية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اسعد عبد الرزاق هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/13



كتابة تعليق لموضوع : التعليم وحقيقة التاريخ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net