صفحة الكاتب : مناف عبد الجبار

الكتابة الجديدة.. وموت النخبة ح3
مناف عبد الجبار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 إن وفرة رسائل القراء ومشاركاتهم، تتيح روافد للقضايا والأحداث والأفكار التي تغطيها الصحيفة، وقد أتاحت التكنولوجيا زيادة ملحوظة ومعتبرة في هذه الروافد. كما كانت سبباً في زيادة اكتشاف صحافيين لديهم الموهبة الصحافية التي تمكنهم، بمزيد من الصقل، أن يصبحوا صحافيين محترفين. ومن جهة أخرى فقد اضطرت بعض المواقع الإخبارية الشهيرة إلى أن تتيح للقراء أن يرسلوا قصصاً إخبارية، وهو ما يعرف بصحافة الجمهور، وبناء على ذلك يرسل القراء مئات الآلاف من القصص الإخبارية تتم (فلترتها) في مقر الصحيفة، وينشر منها عشرات القصص. وهكذا ظهر مصطلح القارئ المحرر. فالرسالة الإعلامية اليوم هي مشروع شراكة بين القارئ والمحرر، وهو ما أنتج الصحافة المواطنة، ويقصد بها نوع من الصحافة التي يتيح لأي مواطن أن يقدم معلومات للغير.
في ظل الاجتياح التقني الهائل، هناك أيضا إرهاصات بموت الكتاب التقليدي في زمن الكتابة الإلكترونية، أي بعد ولادة النبع الإليكتروني الذي لا ينضب. وقد لا يموت الكتاب الورقي كليّاً في الوقت القريب على الأقل، ولكنه لن يكون في مأمن من أضرار بالغة تنتظره أمام هذا النبع الذي وَضَع تحت تصرفنا، من جهة ثانية، مكتبات جوالة زهيدة الأثمان. وإن بيع مليون عنوان الكتروني في نهاية العام 2001م، بعد ظهور مبيعات عالية في عالم النشر الفرنسي (Start-up) الذي جاء بعد عامين على ظهور الكتب الإلكترونية في أمريكا، يدل على متغيرات كبرى في عالم الطباعة والقراءة والكتابة على السواء. فبعد مرور أكثر من خمسة قرون على طرح (جوهانس غوتنبرغ) أوّل كتاب مطبوع في العالم، أصبح بإمكان أي أحد اليوم حمل مكتبته معه في حقيبته أثناء السفر. ذلك أن شركة (أمازون) الإلكترونية طرحت جهاز كيندل (Kindle) المحمول الذي يستطيع قراءة الكتب والجرائد والمجلات الإلكترونية وتحميلها بشكل آلي من موقع الشركة.

ولقد ظهر اليوم، في العالم، ما يسمّى بـ (الناشرون الجدد) وهم متفائلون بمستقبل نشاطهم، ويرون فيه خدمة للمبدعين الشباب الذين يئسوا من محاولات اقتحام قلاع شركات النشر التقليدية. وكثيرون يرون أن المستقبل لا محالة الآن هو للثقافة الرقمية، حيث إن معظم المنتجات الثقافية أصبحت تسوق الآن عن طريق شبكة الإنترنت، خاصة فيما يتصل بالكتب. لقد انتهى دور الناشر التقليدي الذي يمارس دور المستغل البشع للكاتب، وفي الوقت ذاته دور الوصي على القارئ. والناس لم يعودوا الآن يفارقون الحاسوب، الذي كفاهم انتظار ما ينعم به الناشرون عليهم، كما كفاهم أعباء التردد على المكتبات بحثا عن الجديد. هذا فضلاً عن زهادة ما ينفقون في هذه السبيل، فثقافة الكتاب الإلكتروني متوفرة لكل الناس، وهي ليست مقتصرة على المقتدرين فقط، فالجميع يصل إليها بسهولة وسرعة لم تكن في الحسبان. فلم يكن الهدف هو فقط إزاحة الكتب الورقية من مواقعها، أو إزالتها من بين أيدي المستخدمين، بل هو أيضا وضع جهاز إلكتروني سهل الاستخدام عوضاً عنها. فالحصول على الكتاب، أو الكتب، أصبح الآن مجرد نقرة تكون نتيجتها تحميل الكتاب الرقمي. وهذا ما يعيدنا إلى فكرة ديمقراطية المعرفة وشيوعها بين الجميع.
إن النبوءة بموت الكتاب الورقي لا تؤخذ هنا بحرفيتها، وإنما المقصود هو أن تناول المعرفة أصبح أكثر يسراً، من حيث الوقت، ومن حيث الثمن المادي. فإذا كان إنشاء المكتبة الخاصة يتطلب في السابق حيزاً من المكان، وقدراً من الاستطاعة المالية، وجهداً ووقتاً، فإن هذا كله لم يعد لازماً اليوم. وإذا كان هذا التطور قد يوحي، للوهلة الأولى، بتضاؤل مستقبل الصناعة الثقيلة للمعرفة والثقافة والفكر، فهو، في واقع الأمر، إنما يؤدي إلى ازدهار هذه الصناعة، إنتاجًا، فهي لم تعد تخضع لمزاج الناشرين والموزعين، كما يفضي هذا التطور إلى سهولة استهلاكها، فهو يختصر الوقت، ويختزل الجهد والمال، وهي هكذا متاحة للجميع.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مناف عبد الجبار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/03



كتابة تعليق لموضوع : الكتابة الجديدة.. وموت النخبة ح3
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net