صفحة الكاتب : جعفر إمامي

قراءة في كتاب (ضرورة المعرفة الدينية) للفقيه السيد محمد باقر السيستاني (1_2)
جعفر إمامي

يُشرعُ سماحةُ العلامة الفقيه السيد محمد باقر السيستاني الأبوابَ على كل ما يتعلّق بالدين وحقيقته، من خلال كتابه القيّم (ضرورة المعرفة الدينية)، ملخّصاً فكرته في ضرورة التحقّق من حقانية الدين على ما تقتضيه القواعد الفطرية والعقلية للاهتمام بالأشياء، وقد وقف في كتابه على شرح قواعد الاهتمام العملي والمعرفي بالأشياء، ثم بيان ضرورة الاهتمام بالمعرفة الدينية على ضوئها.

ومنذ الصفحات الأولى للكتاب، يطرح الفقيه السيستاني سؤالاً هاماً يخطر في ذهن الإنسان عند الحديث حول الدين وهو: هل يجب علينا أن نهتمّ بالدين ونتثبّت في شأنه؟ ولماذا؟

وقد يكون الجواب الإجمالي كما يوضح المؤلف أمراً واضحاً على هذا السؤال، وهو أن مسألة الدين مسألة مصيرية للإنسان، لاسيما وأنه ينظر إلى ما تضمّنه من عدم فناء الإنسان بالممات، بل يكون له نشأة أخرى، يقدّر فيها مستوى معرفته وفضيلته وجهده في اتجاه الخير والصلاح، ويجازى على أعماله إن خيراً وإن شرّاً.

إلا أنه يستطرد بالقول فيبين أنه ينبغي توضيح الأساس العام للاهتمام الإنسان اللائق بالأشياء، ثم تطبيقه في شأن الدين حتى تتضح الفكرة الأم للمعنى المتقدم، وكيفية انطباقها في شأن الدين، لاسيما أن هذا التوضيح يساعد على رفع الإبهام عن جوانب عديدة في شأن الاهتمام المعرفي والسلوكي بالدين، مثل المستوى اللائق من الاهتمام به، وشمول الاهتمام بالواجب بالدين لحال احتمال حقّانيته وإن لم يحصل اليقين به، إلى غير ذلك من النقاط التي يتناولها الكتاب.

ويضيف أن الموجب للانتقال إلى الأساس الفكري العام للاهتمام بالدين هو أن السؤال المتقدّم في شأن الدين ينتمي إلى سؤال عام يرد في كل نشاط معرفي وسلوكي للإنسان، وهو أنه لماذا يجب علينا القيام بهذا النشاط؟ وهل يصح لنا تركه أو لا؟!

ليعود ويقول بأن الدين "مفردة من المفردات التي يمكن أن تكونَ محلاً لاهتمام الإنسان، ويجري الاهتمام الواقع واللائق به وفق قواعد الاهتمام الإنساني بالأشياء".

وقد قسّم المؤلف السيستاني كتابه إلى مباحث ثلاثة:

المبحث الأول: عام، حول النظرية العامة لموجبات الاهتمام العملي بالأشياء وقواعده الفطرية، فلماذا ينبغي أن يهتم الإنسان ببعض الأشياء دون بعض؟ وما هو المقياس السليم لذلك؟

المبحث الثاني: عام أيضاً، حول النظرية العامة لموجبات الاهتمام بالأشياء، فما الذي يجب على الإنسان الاهتمام بمعرفته؟ وما هو المقياس السليم في الاهتمام المعرفيّ بالأشياء؟

المبحث الثالث: بحث تطبيقي في شأن المعرفة الدينية ـ حول أنه هل يجب على الإنسان وفق القواعد العامة (الموضوعة في المبحثين الأولين) الاهتمام بالدين والسعي إلى معرفته؟

وينفتح المبحث الأول من الكتاب على قواعد الاهتمام العملي بالأشياء متضمناً (الطرح المنظور بالبحث، ذكر إجماليّ لقواعد الاهتمام العملي وموجباته، توضيح قاعدتي إتباع الحكمة والانقياد للفضيلة، الفرق الأولي بين الحكمة والفضيلة، تأكيد الدين على قاعدتي مراعاة الحكمة والانقياد للفضيلة، مقياس تشخيص الحكمة والفضيلة، ابتناء تشخيص الحكمة على المعادلة الثلاثية "درجة الإدراك ومستوى المدرك ومؤونة رعاية المدرَك"، فطرية هذه المعادلة وبداهتها، موافقة المنظور الديني في السلوك على المعادلة الثلاثية).

فعن الطرح المنظور بالبحث، يوضح المؤلف أن هذا البحث يمكن أن يطرح بطرحين مختلفين، طرح نفسي يكون بصيغة (لماذا نقوم ببعض الأشياء دون بعض؟)، ويجيب عن هذا الطرح بأن يكون بالتحليل النفسي لما يجري في داخل الإنسان، فيقال: إن الإنسان مزوّد بحسب خلقته بغرائز تحرّكه إلى مقاصد معينة، يشترك في أصل ذلك مع الحيوانات، حيث أن الحيوانات أيضاً مزوّدة بغرائز وطباع تحرّكها إلى أنشطة محدّدة، فالإنسان أيضاً حسب تركيبه النفسي والبدني يرغب في بعض الأشياء والأفعال ويكره بعضاً آخر، فهو يسعد ببعضها فيطلبها، ويشقى ببعض آخر فيكرهها.

أما الطرح الثاني فهو العقلي بصيغة (لماذا يجب علينا أو يرجّح لنا أن نقوم ببعض الأنشطة دون بعض آخر؟)، والبحث في هذا الطرح ليس عن تحليل ما يقع من الإنسان، بل في تحديد ما ينبغي أن يقع منه، وهذا أمر يحدّده العقل، وهو ما يعنينا كما يلفت مؤلف الكتاب.

أما بالنسبة لذكر إجمالي لقواعد الاهتمام بالعملي وموجباته، يبين المؤلف أن العقل الإنسانيَّ يقضي بقاعدتين فطريتين تجريان في شعوره وارتكازه مجرى الدم في عروقه، وتمثّلان أساساً لجميع تصرّفات الإنسان المعقولة، وموضعاً لتأكيد الدين في تعاليمه العامة وهما:

أولاً: قاعدة إتباع الحكمة.. حيث أن مرجع الحكمة إلى رعاية السعادة والشقاء على وجه جامع، فلا يقدّم الإنسان تحصيل لذة يسيرة عاجلة على معاناة طويلة آجلة، بل لا ينساق خلف لذّة عاجلة من دون البحث والفحص عما يمكن أن تخلّفه من المعاناة، ولذا يبين المؤلف أنه يلزم الإنسان تحري مقتضيات السعادة والشقاء ـ عاجلها وآجلها، ظاهرها وباطنها، والأخذ بما تقتضيه ملاحظة مجموعها، فلا يرجّح ابتداءً اللذة اليسيرة العاجلة المشهودة على المعاناة الطويلة الآجلة أو غير المحسوسة، ملخصاً الحكمة في كلمتين: (الاعتبار بالغائب حتى كأنّه حاضر) و (الاعتبار بالمستقبل حتّى كأنه حالّ وقائم).

ثانياً: قاعدة ضرورة الانقياد للفضيلة: بمعنى مراعاة القيم الأخلاقية وإن أدّت إلى بعض النكد والعناء، فلا يصح في حكم العقل أن يكذّب المرء، أو يتعدّى على الغير، أو على ماله، أو يسيء إليه، أو يترك المضطر ليموت وإن كان في ذلك لذّة يشعر معها بالسعادة ولا يخشى منها ضرراً عاجلاً أو آجلاً.

أما موضوع (الفرق الأولي بين الحكمة والفضيلة) فهي تتضمن نقطتين كما يبين المؤلف:

النقطة الأولى: إن الفرق بين الدافع الحكمي ـ بمعنى تحري النفع وتجنّب الضرر على وجه جامع، والدافع الفاضل أمر واضح على الإجمال، فهما قد يتفقان في الإتجاه الذي يدفعان إليه ولكن يختلف طبيعة الدافع فيهما، وقد يختلفان في الإتجاه الذي يدفعان إليه أيضاً.

النقطة الثانية: في عدم رجوع مقولة القيم والفضيلة إلى مقولة الحكمة بمعنى تحري النفع وتوقّي الضرر على وجه جامع.

ونقطة ثالثة: إن الرغبة الإنسانية إلى الفضيلة، وإن لم تنطلق من تحري النفع وتجنب المضرّة، إلا أنه لا يبعد القول بأن الغاية والمغزى من زرع القيم في داخل الإنسان هو رعاية المصالح والمفاسد النوعية الدنيوية ـ مضافاً إلى المصالح الأخروية بحسب المنظور الديني ـ ويدل عليها وجهان:

الوجه الأول: المتابعة والاستقراء، حيث نجد أن المصالح النوعية للإنسان منوطة بالفضائل، ويتّضح ذلك جلياً فيما لو فرضنا الإنسان حيادياً تجاه الفضائل، كما لو لم يتصف ـ مثلاً ـ بروح محبة الصدق وكان معتاداً على اللامبالاة فإنه ينتج عن ذلك أن لا يثق أحد بأحد، مع أن الحياة الاجتماعية مبنية على أصل الصدق في المخبِر.

الوجه الثاني: ما يبتني على بيان حقيقة، وهي أنه قد ثبت في علم الأحياء أن عامة الإمكانات التي زوّد بها كل كائن حي ـ من حيث نفسه وجسمه ـ تتجه إلى غاية معينة تقع في مصلحة هذا الكائن، فكثير من مواصفات الطيور ـ مثلاً ـ مرتبة لغاية حفظها وتكاثرها وصيانتها من صيد أعدائها، وكذلك الحال في التصرّفات التي طُبِعت عليها حتى وإن لم تشعر هي بذلك، وكذلك يذكر علم الأحياء أن الحياة حالة غائية، بمعنى أن الكائن الحي بطبيعته كونه حياً موجه إلى غايات محدّدة من خلال تكاثره ونشاطاته.

ثم يقف المؤلف على موضوع (غاية زرع الفضيلة في حال ثبوت الحياة الأخرى للإنسان)، وبحسب المنظور الديني فيضاف على ما تقدّم أن من فلسفة طبع الإنسان على الفضيلة موافقتها مع صلاح الإنسان فيما بعد هذه الحياة، فالفضائل هي بذور السعادة المقبلة والرذائل بذور الشقاء المقبل، وكل أمرئ يحصد غداً نتاج ما زرعه اليوم.

ومن الموضوعات البارزة الأخرى في المبحث الأول هو (تأكيد الدين على قاعدتي مراعاة الحكمة والانقياد للفضيلة)، إذ يؤكد المؤلف أن المنظور الديني في مبنى الاهتمام الإنسان السليم يؤكد على هاتين القاعدتين تأكيداً بالغاً، ويلاحظ أن التوصية الأم في التعاليم الدينية هي الأخذ بالحكمة والفضل، كما جاء جعل الحكمة جزءاً أساسياً من غاية إرسال الأنبياء وسبباً للوصول إلى السعادة والخيرات المقدّرة للإنسان.

أما المبحث الثاني ـ العام ـ فيتضمن (قواعد الاهتمام المعرفي بالأشياء) وقد قسّمه المؤلف إلى عناوين فرعية تشمل (مماثلة قواعد الاهتمام المعرفي لقواعد الاهتمام السلوكي، الباعث الطبيعي إلى طلب المعرفة، الباعث العقلي إلى طلب المعرفة، كيفية كون المعرفة عوناً على السلوك ووجوهه، العناصر الدخيلة في اتصاف تحصيل المعرفة بكونه أمراً حكيماً وفاضلاً، الاهتمام المعرفي اللازم بحسب المنظور الديني).. يتبع

لمطالعة الكتاب الكترونيا اضغط هنا 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جعفر إمامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/12



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في كتاب (ضرورة المعرفة الدينية) للفقيه السيد محمد باقر السيستاني (1_2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net