صفحة الكاتب : عدنان الصالحي

إعلامُ عاشوراء... بين النصح والتضليل    
عدنان الصالحي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

(ما قُتل الحسين إلا بإعلام آل أمية، وما خُلّد إلا بإعلام الحوراء زينب)، هذه المقولة التي أطلقها أحدُ الأدباء، تنم عن حقيقة مهمة، والتفاتة كبيرة، بأن للإعلام دوراً مهماً وأساسياً في بناء الشخصية أو قتلها، بل بإثبات الحقائق أو تشويهها أو نفيها.
 ونحن على أعتاب ذكرى عاشوراء، واستذكار حركة الإمام الحسين بن علي (ع) النهضوية، التي لم تكن كسائر الحركات الثورية على مدى الأزمنة والعصور، فهي تكاد تنحصر فيه وفي أهل بيته (ع) نوعاً وكمّاً وتجسيداً، حيث لم يكتبْ أو يتحدث التاريخ عن معركة، خِيضت بطريقة التضحية بالنفس والأهل (حتى الرضع منهم) والأقربين، من أجل رفعة كلمة الحق، وتثبيت كلمة السماء، لابد لنا من الاستلهام من ينبوعها الصافي، وفكرها المعين.
 وكأحد المنجزات التي قدمتها لنا ملحمة عاشوراء، هو الإعلام المنصف والشجاع، في مقارعة الطغيان والاستبداد، فمسيرة الإعلام لدى سيد الشهداء (ع) بدأت منذ إعلانه البيان الأول الذي أطلقه في مدينة جده رسول الله (ص)، والذي تمثل برسالته (ع) الى أخيه محمد بن الحنفية (ع)، وهو ذات الإعلان والإعلام الذي جذب من خلاله تلك النخبة الطيبة، التي ليس لها مثيل على وجه الأرض، من آل عبد المطلب، ومن تشرف برفقتهم من الأصحاب الأخيار، حيث يقول في مضمون رسالته: (إني لم أخرجْ أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد.. ألا ترون أن المعروفَ لا يُؤمر به، وأن المنكرَ لا يُتناهى عنه.....).
 وهكذا بقي إعلامُ الإمام الحسين (ع) مرافقاً له في جميع المحطات، فهو لم يبق أحداً سمع صوته، إلا وألقى عليه الحجة بنصرة الدين والثورة على الفاسقين، والوقوف بوجه المحرفين لأحكام السماء وقيم الإنسانية.. وفي يوم عاشوراء، حيث اشتد الوطيس، واحتدمت الجيوش لقتاله، نجد الإمامَ (ع) لم يدخر جهداً في الإبلاغ والنصيحة والإرشاد والتوجيه حتى في أصعب اللحظات وأشدها مرارة، وكان ينصح ويحذر ويجسد الدروس العملية، في جميع ما يتحدث عنه، من الإيثار والإيمان والثقة بذات الله (عز وجل)، وكان يعلم بأن ما يؤسس له من إعلام منصف، سيجد من يكمل مسيرته، ويصل به الى الأجيال القادمة.
لقد بذل الإمامُ (ع) جهداً كبيراً، ووضع منهاجاً إعلامياً متكاملا لتبليغ أهداف نهضته، ولإنجاح حركته، فالخطاب السياسي والإعلامي الذي كان يتبعه الإمام الحسين (ع)، يهدفُ لإعداد الأمة، حتى تكون على استعداد للنهوض من الواقع المخزي، والرفض لبيعة يزيد ومن شابهه على مر العصور، وكان شعاره في ذلك (ومثلي لا يبايع مثله)، أي أن القضية غير محصورة بشخصه وشخص يزيد، بل إن كل من سار على نهج الحسين (ع)، لم ولن يبايع أمثال يزيد على مر العصور.
 وبعد انتهاء المعركة ليوم العاشر من محرم، واستشهاد أبي الضيم الإمام الحسين (ع)، كان لابد من تسجيل تألق للنائب في حمل الرسالة الإعلامية عموماً، (ولدور المرأة خصوصاً) في الإعلام ولملحمة عاشوراء; فقد ظهر للسيدة زينب بنت الإمام علي (ع), دور مؤثر كامرأة مثقفة، حاملة لرسالة أهل بيت النبوة، ومكملة لثورة أخيها الحسين بن علي(ع), هذا الدور لم تحققه قبلها, إلا أمها الزهراء البتول (ع) بنت خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله (ص).
 وقد اضطلعت زينب (ع) بمسألة التوجيه والإرشاد، وتوضيح مقاصد ومهام الثورة الحسينية، ما أحدث زلزالا ثوريا مشابها للزلزال الذي أحدثته واقعة الطف في جزئها الحسيني في ظهيرة عاشوراء، فتكاملت الرسالة الإعلامية المتوخاة من الثورة الحسينية، وكما قالت هي (ع) للطاغية يزيد: (والله لن تمحو ذكرنا)، وهو ما حصل فعلا، بفعل التأثير الإعلامي العملاق المنظم، للثورة الحسينية الخالدة.
 في قبال ذلك، كانت الماكنة الإعلامية للأمويين، عبارة عن فوضى إعلامية مبتناة على تشويه الحقائق، وتمجيد وتزلف أعمى لأمير الفاسقين (يزيد بن معاوية)، دون أن يعطوا الحجة  للسائلين عن كيفية تولي مثل هذا الفاسق لأمور المسلمين، ومن الذي نصّبه، ومن الذي سلمه رقاب الناس، وصدق القائل: (وإذا ابتليت الأمة بمثل يزيد، فعلى الدين السلام)، هذا الإعلام المبتذل لديهم، لم يدُم لهم طويلا، رغم ما أنفقوا من أموال لشراء الذمم والأقلام.
 لقد تمثل في نهضة عاشوراء إعلامان متعاكسان في المضمون والمنهج والرسالة والأهداف، تمثلَ الأول في ترجمة رسالة السماء، وتبيان الحق، والدعوة الى تحرير الناس من الظلم والاستبداد، والخير لكل الإنسانية، والذي حمله ابن بنت رسول الله (ص) وأهل بيته (ع)، وتمثل الآخر في التضليل والتشويه والتزييف والتملق، ومثله إعلام الطاغية يزيد وجلاوزته.. ورغم مرور السنين والأيام، إلا أن الخطين مازالا يعملان كل على شاكلته وأهدافه، وبتطور واضح، وتنوع في الرؤى والأساليب، إلا أن المضمون يبقى واحداً، والنتائج متشابهة..
إننا اليوم مدعوون وبمناسبة هذه الذكرى الأليمة، وفي هذا الانفتاح الإعلامي الكبير، وسعة الاتصال، إلى السير في طريق إلاعلام المنصف، والمنتهج الحقيقة طريقا للدفاع عن المظلومين أينما كانوا، وبأي أرض حلوا، ورفع كلمة الحق شعاراً، وهدفا نطلبه، وأن يكون رفض الظلم والطغاة والاستكبار والانحراف والانحلال، من بديهيات ذلك التيار الإعلامي، وعندها سنكون أنصاراً في (ملحمة) الإعلام الحسيني بكل ثقة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدنان الصالحي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/23



كتابة تعليق لموضوع : إعلامُ عاشوراء... بين النصح والتضليل    
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net