صفحة الكاتب : د . خالد عليوي العرداوي

الأبعاد السياسية لنهضة الإمام الحسين عليه السلام الجزء الثاني
د . خالد عليوي العرداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 ثانيا: التأثير السياسي لخروج الإمام الحسين (ع) بامتداده الطولي:
 لم تتوقف نتائج ما حصل سنة 61 هجرية على أرض كربلاء عند هذا التأريخ، بل استمرت وتراكم زخمها مع مرور السنوات والعقود والقرون، فبعد استشهاد الحسين (ع) وصحبه المأساوي، دقت أجراس التغيير والنقمة في كل العالم الإسلامي، وكان من نتائجها القريبة والمباشرة هو تمزيق وحدة الصف المعادي الذي ثاروا عليه، فقد أدرك قادة هذا الصف حجم الكارثة التي حلت بهم، والنفق المظلم الذي وضعهم فيه تعديهم على سبط الرسول (ص)، فبدئوا يتبرؤون من فعلهم، ويلقي كل منهم مسؤولية ما حصل على غيره، وهذا ما شاهدناه في سلوك رأس السلطة آنذاك يزيد، الذي حاول إلقاء المسؤولية على عبيد الله بن زياد..! ومثل هذا التنصل- غالباً – ما يضعف السلطة، ويذهب بقوة إرادتها، ويجعلها هشة غير قادرة على المقاومة، ومعظم الثوار يضعون تحقيق هذا الأمر في سلم أولوياتهم للانتصار على أعدائهم.
 ثم ازداد زخم التأثير السياسي لواقعة كربلاء، من خلال الصدمة القوية التي تعرض لها ضمير الأمة، فاهتزت لها قلوب النادمين والناقمين على قتل سبط الرسول، وبدئوا يبحثون عن السبل الكفيلة للثأر من قاتليه، فأصبحت كربلاء عنواناً للثورة والتمرد على حكم بني أمية، وقد بدأت أولى هذه الثورات بثورة التوابين عام 65 هجرية، ثم ثورة المختار الثقفي عام 67 هجرية، مرورا بثورة زيد الشهيد عام 122 هجرية وصولا إلى إسقاط حكم الأمويين في عام 132 هجرية، وتأسيس حكم بني العباس الذي استغل اسم الحسين (ع) لكسب مشروعيته وشرعيته، والثورة على ظلم العباسيين وغيرهم؛ ولم تتوقف كربلاء عن منح المشروعية للثورة على الظالمين حتى يومنا هذا، سواء كان الثائرون من المسلمين أم من غير المسلمين، كما أصبح خروج الإمام الحسين (ع) مدعاة إلى إثارة جدل فكري محتدم لم يخمد لهيبه حول من يحكم الناس؟ وما يجب عليه؟ وما يجب على الناس في حالة ارتكابه للمعاصي، وتجاوزه على حقوق الله وحقوق الناس؟
 وقد دفع هذا الجدل إلى خلق المدارس الفكرية الرئيسة في الإسلام، كالمعتزلة، وأهل العدل والتوحيد، والأشاعرة وغيرهم، ومن التأثيرات السياسية الأخرى، هو الفلسفة الكامنة وراء خروج الحسين (ع) بأهل بيته من النساء والأطفال إلى جانب المقاتلين، فهذه الفلسفة لا تقتصر على تأثيراتها الآنية المتمثلة بالدور الإعلامي المتميز الذي جسّدته الحوراء زينب (عليها السلام)، بل تمتد إلى ما بعد هذا التاريخ، لتصل إلى يومنا هذا، فكما هو معلوم أن المعسكر الذي قاتل الحسين (ع) لم يكن معسكراً شريفاً، إذ وصلت همجيته وبربريته إلى حد الحرمان من الماء، وإحراق الخيام على النساء، وقتل الأطفال حتى الرضيع منهم، مما يدل على لا إسلاميته، واحتكامه إلى منظومة قيمية لا تمت إلى الإسلام بصلة، بينما كانت القيم والمبادئ التي عكسها معسكر الحسين (ع) قولاً وعملاً عنواناً لكل ما هو انساني، سواء في سلوك الإمام مع أهل بيته وأصحابه، أو في سلوكهم مع إمامهم، أو في سلوكهم فيما بينهم، بل وحتى في سلوكهم مع الطبيعة المحيطة بهم جماداً وحيواناً – سلوك الحسين (ع) مع جواده مثلاً – إن هذا الفرز بين قيم المعسكرين، يلقي ضوءاً ساطعاً على ما يتميز به المسلم الحقيقي من قيم تحترم حقوق الإنسان وحرياته العامة، وتجعل كل ما يخالفها بعيداً عن الإسلام، وان ادعى انتسابه اليه، وصام وصلى وقرأ القرآن من أمثال بني أمية، وبني العباس والخوارج الذين وصلت بعض فرقهم إلى حد تبرير قتل الأطفال الرضع، وكذلك حكام السوء الذين حكموا هذه الأمة، وانتهكوا حقوق وحريات أبنائها تحت مسميات عديدة.
 إن القيم الإصلاحية الإنسانية التي خرج من أجلها الحسين (ع) هي خط الدفاع الرئيس للأمة اليوم في صراعها وحوارها مع الحضارات الأخرى التي تتهمها بانتهاك حقوق الإنسان وحرياته العامة، وهي الصرخة التي يوجهها المسلمون بوجه من يتهمهم بهذا الاتهام، ليقولوا أن من ينتهك حقوق الإنسان وحرياته العامة ليس الإسلام، بل من تلبسوا بلباسه، وعملوا بخلاف أحكامه من الذين حكمتهم المطامع وسيّرتهم الأهواء؛ فبفضل الحسين وأهل البيت (عليهم السلام) لم ينجح الحكام الظلمة وتجار الكلمة من تشويه الصورة الحقيقية للإسلام، ولم يكرسوا انتهاكاتهم لحقوق الإنسان على إنها من طبيعة الإسلام.
وكذلك دموع الحسين (ع) في كربلاء، كانت نبراساً للثائرين، ودليلاً للمصلحين، ولولاها لما نظرنا إليه على انه إمام الرحمة والشفقة، إن دموع الحسين (ع) في كربلاء، بصّرت الثوار والمصلحين إلى حقيقة مهمة، هي أن متطلبات الإصلاح والثورة لا تعني أن يكونوا قساة جفاة عديمي الشفقة، بل إن فيض عواطفهم هو الذي يضيء دربهم، ويلهمهم القدرة على صناعة التاريخ، وبهذا نزع الحسين (ع) القناع عن جميع من طلبوا الثورة والإصلاح، من خلال العنف والقبضات الحديدية، ليبين للجميع أنهم ما هم إلا طغاة مستقبليون، جاءوا للجلوس مكان طغاة آخرين، وقد بيّنت حوادث التاريخ صدق هذه الحقيقة منذ قتل قابيل، وستبقى إلى يوم الدين. 
 انطلاقاً مما تقدم، يمكننا القول أن خروج الحسين (ع) عام 61 هجرية يمثل ثورة بكل المقاييس، بل هو ثورة عظيمة ليس لها نظير في قيمها، ودلالاتها، وأبعادها، وتأثيراتها ألهمت وستلهم جميع الثورات الخيرة، وتضع المعايير الصحيحة للتمييز بين طلاب الإصلاح وطلاب السلطة، بين من ينشرون الحب والتسامح ومن ينشرون الخراب والدمار، والمسلمون اليوم في هذا الوقت العصيب، أحوج ما يكونون إلى السير على منهج الإمام الحسين (ع) وثورته المباركة قولاً وعملاً لا اللهج بحبه قولاً ومخالفته عملاً.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . خالد عليوي العرداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/29



كتابة تعليق لموضوع : الأبعاد السياسية لنهضة الإمام الحسين عليه السلام الجزء الثاني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net