صفحة الكاتب : جسام محمد السعيدي

واقعية احتمالات اللغات العراقية في اشتقاق التسمية الجزء الأول
جسام محمد السعيدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بناءً على تحليل تلك الآراء التي أوردناها في بحثنا السابق (تاريخ نشوء كربلاء وأصل تسميتها)، ومقارنتها بالاحتمالات الأُخَر التي سترد في نقاط الفقرات الآتية، التي من الممكن أن يكون الاشتقاق الأصلي قد حصل منها - حسب آراء آخرين -، فإننا اعتبرنا ما سبق في أولاً هو الأقوى، ويمكننا أن نعتمد هذا التفسير كسبب لاشتقاق لفظ (كربلا) منه فيما بعد، ما لم يرد ما يدحضه من باحثين آخرين إن جاءوا بآراء أُخَر تقوّيها الأدلة، أو مما سنعرضه للقراء مما سيأتي بيانه من احتمالات، قد يعتبرها بعضهم سبباً أقوى لاشتقاق التسمية منه، - ونحن نخالفه فيه -، أو ربما يكون بعض ما سنعرضه سبباً آخر يعاضد ما توصلنا إليه، أو على الأقل لا يتقاطع معه - كما هو حال الفقرة الخاصة بأحاديث أهل البيت (ع).
ويؤيد ما تم التوصل إليه من نتائج في أولاً، وفق الاحتمالات الواردة في الفقرات الثلاثة الأولى منها، المحقق العلامة السيد سامي البدري، حيث يعتبر أن ليس من البعيد ارتباط المعاني الثلاثة التي ذكرناها له في تلك الفقرات، باشتقاق لفظة (كربلاء) في مراحل تأريخية مختلفة، فهي - كما يقول - (كرب – إيل) من ناحية كونها بيتاً لعبادة الله تعالى والتقرب إليه، وهي (كر - بلات) من ناحية كونها المكان الذي اُنقذت فيه الحياة من الطوفان بنجاة المؤمنين عليه، وهي (كور- بلات) من ناحية كونها (معبد الأمان)، وهو وصف لبيوت الله كما في قول نبي الله إبراهيم (ع): (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ...). 
وقد ساق هذا المحقق أدلة على تبنيه لهذا الرأي المستند إلى تحليله اللغوي لتلك الألفاظ، نوردها منه باختصار وتصرف، مع التعليق المناسب لكلٍ منها، وهي كما يلي:
1-  لو استبدلنا لفظة (بلات) ضمن (كر - بلات)- الواردة في النقطة الثانية من أولاً - بمعادلها (Din) (Di) فإننا بهذا الاستبدال نحصل على كلمتي (كردين) (كردي)، والأخيرة قريبة من كلمة (قـَرْدى)، التي ذكرها الرحّالة والمؤرخون على أنها الأرضُ التي فيها أو قربها الجبل الذي رست عليه سفينة النبي نوح (ع)، وشخصّها أغلبهم على أنها في شمال العراق ومن أرض الجزيرة قرب الموصل، وعلق المحقق صاحب هذه الأدلة - التي ساقها حول آرائه الخاصة بتسمية كربلاء - على هذا التشخيص لموضع (قردى) بعد أن نقله هو عن مصدر واحد لرحالة مشهور، مبيناً أن الأخير قد اتبع فيه المأثور عن جملة من أهل الكتاب.
وإن التشخيص السابق هو ما سار عليه بعض مؤلفي الكتب الأُخَر والتي إما نقلت رأي الرحالة المذكور، أو نقلت آراءً تشابهه، والبعض الآخر من تلك المصادر ذكر الاحتمالات الأُخَر لموقع الجبل، واعتبر بعضها أن الأصح منها هو كونه (فرات الكوفة)، الذي اختـُلف في تفسيره، بين من اعتبره مصحّفاً عن (قرب الكوفة) أو الغري (النجف)، وبين من اعتبره انه فعلاً (فرات الكوفة) وهو اسم الفرات القديم، وهو المحقق السيد سامي البدري الذي أوردنا في بحثنا هذا محتملاته حول التسمية، والمؤيدات لها. 
وزاد السيد البدري على ذلك بقوله: وإن (قردو) هو الاسم المعادل لاسم الجبل الذي رست سفينة النبي نوح (ع) عليه، وهذا الاسم ورد في التوراة السريانية والآرامية المقابلة للفظة (أراراط) (أررط) في التوراة العبرية، كما أن (أراراط) أصلها لفظة أكدية هي (اورارطو) وهي مؤلَّفة من مقطعين هما (أور) بمعنى مدينة، و(ارطو) أو (اراط‏) أو (اراد) أو (اردو) أو (اريدو)، للإبدال بين حرف الطاء والدال والألف والياء. وقد جاء هذا اللفظ في الوثائق المسمارية بمعان عديدة منها كونه اسماً من أسماء نهر الفرات، ومنها أيضاً كونه اسماً من أسماء مدينة بابل، وفي ضوء ذلك يكون المعنى اللغوي للـفظة الأكدية (أورارطو) المذكورة آنفاً - وهي أصل لفظة (أراراط) الواردة في التوراة العبرية - هي (مدينة بابل)، وفي ضوء هذا يكون معنى عبارة (جبال اراراط) في التوراة العبرية، وفي ضوء هذا أيضاً يكون معنى تلك العبارة والعبارة (جبال قردو) في التوارة الآرامية والسريانية هو (جبال مدينة بابل).
ورأينا أيضاً أن لفظة (قردو) المذكورة آنفاً، وردت أيضاً - وبلفظة قريبة منها - في الكتاب المقدس لطائفة الصابئة المندائيين المُسمى باللغة المندائية (گنزاربا) وتعني (الكنز العظيم)، حيث وردت في فصل (الكتاب التاسع عشر) من قسم (اليمين) منه، والمعنون بـ(الطوفان)، والذي يسرد قصته، حيث وردت فيها العبارة المذكورة في النسخة العربية من (گنزاربا): (.. وجنح الفلك على صخرة صماء.. كانت هامة جبل قردون). وكما يذكر رئيس طائفة الصابئة المندائيين في تقديمه لتلك النسخة، فإن لغة هذا الكتاب الأصلية هي المندائية، وهي من لهجات اللّغة الآرامية التي كانت سائدة كلغة رسمية في العراق وغيره من بلدان الشرق فترة من الزمن، كما أنها من عائلة اللغات الشرقية القديمة أو ما تسمى (بالسامية) التي تنتمي لها معظم لغات العراق القديمة، وبالتالي هناك تشابه في الكثير من مبانيها، وتداخل في استخدام المفردات فيما بينها بفعل الاحتكاك الحضاري بين المتكلمين بها، فضلاً عن انصهارهم في أجواء ثقافية مشتركة فرضتها ظروف عاشوها ضمن أرض واحدة، هي بلاد الرافدين أو النهرين (العراق)، رغم انضوائهم في فترات من التأريخ تحت دويلات متعددة، لكنها كانت تعيش ظروفاً موحدة تقريباً، أثرت في نتاجهم الفكري من حيث تبادل المفردات وتشابهها، وهكذا تأتي لفظة (قردون) المترجمة بالعربية عن اللغة المندائية منسجمة مع الألفاظ المقابلة لها والمذكورة في التوراة المكتوبة باللغتين السريانية (إحدى اللهجات الشرقية للآرامية) والآرامية وهي (قردو)، خاصة لو أخذنا بنظر الاعتبار كون المندائية من لهجات الآرامية الشرقية ومن أقربها إلى الآرامية الأصلية، هذا إن لم تكن النسخة المندائية من (گنزاربا) قد ورد فيها لفظة (قردون) بصيغة (قردو) ولمقتضيات الترجمة لُفظت منتهية بالنون.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جسام محمد السعيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/02



كتابة تعليق لموضوع : واقعية احتمالات اللغات العراقية في اشتقاق التسمية الجزء الأول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net