صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

الولد.. (ريحانةٌ) من رياحين الجنة !
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً لَمْ يُمِتْهُ حَتَّى يُرِيَهُ الْخَلَفَ !
 
حديثٌ عن إمامنا الرضا عليه السلام (الفقيه ج‏3 ص481)، يكشفُ عن أنّ (الخَلَفَ) والذُريَّةَ للإنسان من علامات رضا الله تعالى عنه، وإن لم يخصَّ بها المؤمنين، أليس الله تعالى هو الذي: (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنينَ وَحَفَدَةً) (النحل72).
 
ما عَرَفَ الإنسانُ هذه النِّعمَة لولا تَفَضُّلُ الله تعالى عليه بها، ولا حَصَلَ عليها إلا بإرادة الله تعالى.
 
لقد روي أنّ: مَنْ مَاتَ بِلَا خَلَفٍ فَكَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي النَّاسِ !
لقد عاشَ هذا حياتَه حقاً، ولَعلَّهُ تَرَكَ أثراً طيِّباً وثناءً من الخالق والخَلق، لكنّ انقطاع نسله عُدَّ بمثابة عدم كينونته، فلما لم يكن هناك أثرٌ من ذرّيته شُبِّهَ بمَن لم يكن بين الناس ولا عاش يوماً !
 
ورويَ أن: مَنْ مَاتَ وَلَهُ خَلَفٌ فَكَأَنْ لَمْ يَمُتْ ! (الفقيه ج‏3 ص481)
 
فلماذا يُنزَّلُ الميّتُ منزلة الحيّ إذا كان قد تَرَك خَلَفاً له ؟!
 
إنَّ استمرارَ نَسلِ ابن آدم بمثابة استمرار حياته نفسها، وكأنّه لا يزال حيّاً بحياة أبنائه، وهو الذي يرى نفسه في وُلده، ويَجِدُ بهم ما لا يَجِدون به.
 
لا يقتصرُ الأمرُ على ما يشعُرُ به الإنسان، بل يتعدى ذلك إلى آثار بقاء أولاده بعد وفاته، بحيثُ ينتفعُ الوالدُ من دُعاء وُلده، ويكون كمن لم ينقطع عمله بعد وفاته، كما دلَّت عليه الأحاديث الشريفة.
 
ثمَّ تتعدّى الثمرةُ ذلك، ليصير الوالدان شُرَكاء لأبنائهم في أعمالهم الصالحة !
فيكون في بقاء أولادِهم بقاءٌ لهم حقيقةً من حيثُ أثر تلك الأعمال، حينما يكون لهما نصيبٌ من صالح أعمال الأولاد، وقَد يُغفرُ لَهُما بذلك أو تُرفَعُ دَرَجَتُهما، وينالان عظيم الثواب عند الله تعالى !
 
لقد روي عن النبي (ص) أنّه قال:
مَرَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (ع) بِقَبْرٍ يُعَذَّبُ صَاحِبُهُ، ثُمَّ مَرَّ بِهِ مِنْ قَابِلٍ فَإِذَا هُوَ لَا يُعَذَّبُ.
فَقَالَ: يَا رَبِّ مَرَرْتُ بِهَذَا الْقَبْرِ عَامَ أَوَّلَ فَكَانَ يُعَذَّبُ، وَمَرَرْتُ بِهِ الْعَامَ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ يُعَذَّبُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ أَدْرَكَ لَهُ وَلَدٌ صَالِحٌ فَأَصْلَحَ طَرِيقاً، وَآوَى يَتِيماً، فَلِهَذَا غَفَرْتُ لَهُ بِمَا فَعَلَ ابْنُهُ (الكافي ج‏6 ص4).
 
ههنا ما دعا الولدُ لأبيه، لكنَّهُ عَمِلَ عَمَلاً صالحاً، فصار والداه شريكان في ثواب ما عَمِل.
 
وقد ورد في الحديث حول المؤمن أنّه: (ما أَتَى مِنْ حَسَنَةٍ فَلِوَالِدَيْهِ، وَمَا أَتَى مِنْ سَيِّئَةٍ فَلَا عَلَيْهِمَا) (الكافي ج‏6 ص53).
فكلُّ حسنةٍ يأتي بها المؤمنُ يكونُ لأهله منها نصيبٌ.
 
هكذا يكون إنجابُ الأطفال كأنَّهُ (بابٌ من أبواب الجنة)، فيشرِكُ الله تعالى الأهلَ في ثواب كلّ عملٍ صالحٍ يعمله الأولاد.
 
وقد ورد عن النبي (ص): إِنَّ الْوَلَدَ الصَّالِحَ رَيْحَانَةٌ مِنْ رَيَاحِينِ الْجَنَّةِ (الكافي ج‏6 ص3)
 
فما هذا السرُّ في أولاد المؤمنين ؟!
بِهِم يسعَدُ الإنسان في الدنيا، ويستعين على أموره معاده ومعاشه.
وهم ريحانٌ:
1. إما بمعنى الرِّزق الذي ساقه الله لهم من الجنة، فبِهم وبُحسن تربيتهم وحُسن فِعالهم يدخل الجنة.
2. أو على نحو التشبيه بحيثُ يأنس بهم كما يأنس بالنَّبت ذي الريح العَطِر.
 
ولا يعجَبُ المؤمن مِن تَفَضُّل الله تعالى على الأهل بذلك:
 
أما حَمَلَت الأمُّ وَلَدَها حيثُ لا يحمِلُ أحدٌ أحداً ؟!
أما وَقَتهُ بسَمعِها وبَصَرِها ويَدِها جميع جوارحها.. مُسْتَبْشِرَةً بِذَلِكَ فَرِحَةً.. مُحْتَمِلَةً لِمَا فِيهِ مَكْرُوههَا وَأَلَمهَا وَثِقْلهَا وَغَمّهَا ؟!
 
أما كان الأبُ أصلاً والإبنُ فَرعٌ منه ؟!
أليس هو أصلُ النِّعمة على ولده ؟!
 
هكذا يُفهم قولُ النبي (ص):
مِيرَاثُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ وَلَدٌ يَعْبُدُهُ مِنْ بَعْدِهِ (الكافي ج‏6 ص4)
وأيُّ ميراثٍ أعظمُ من أن يكون له ولدٌ عابدٌ لله تعالى.
 
عن الإمام الصادق عليه السلام:
لَمَّا لَقِيَ يُوسُفُ أَخَاهُ قَالَ لَهُ: يَا أَخِي كَيْفَ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَتَزَوَّجَ النِّسَاءَ بَعْدِي‏ ؟!
قَالَ: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي، وَقَالَ:
إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ لَكَ ذُرِّيَّةٌ تُثْقِلُ الْأَرْضَ بِالتَّسْبِيحِ فَافْعَلْ (الكافي ج‏6 ص2).
 
يعقوبُ الذي (قالَ يا أَسَفى‏ عَلى‏ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظيمٌ) أمَرَ ابنه بالزواج، وحثَّه على إنجاب الذُريّة، فثِقلُ الأرض هو تسبيح المؤمنين وعبادتهم لله تعالى وطاعتهم له.
 
هكذا يرى المؤمنُ الأبوّة، وترى المؤمنة الأمومة.
نِعمةٌ من الله تعالى ورِزقٌ عظيم في الدُّنيا والآخرة، وفَضلٌ لا يُدرَكُ حدُّه ولا يُعرفُ أثره.
 
وكيف يُعرفُ أثره وقد قال النبي (ص): أَكْثِرُوا الْوَلَدَ أُكَاثِرْ بِكُمُ الْأُمَمَ غَداً (الكافي ج‏6 ص2).
وقال: فَإِنِّي مُبَاهٍ بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَة (الكافي ج‏5 ص334).
 
فما ثوابُ من يُنجِبُ أولاداً يباهي بهم خيرُ خلقِ الله تعالى كلَّ أمم الأرض ! وذلك في يومٍ (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى‏ وَما هُمْ بِسُكارى‏) !!
 
هذا شيءٌ أدركَهُ المؤمنون، وانسجمَ مع فِطرَتِهم، فأنجبوا الأولاد ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، واستأنسوا بهم في الدُّنيا وفَرِحوا وسعِدوا، ثم ترقَّبوا عظيم الثواب والمنزلة من الله تعالى في الآخرة..
 
أليس هو الرؤوف بعباده؟ يعطيهم ما يسرُّهم ثم يثيبهم عليه !
 
اللهم لك الحمد على عظيم ما أولَيتَ عبادك المؤمنين.. اللهم افعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله.
 
والحمد لله رب العالمين
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/07



كتابة تعليق لموضوع : الولد.. (ريحانةٌ) من رياحين الجنة !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net