صفحة الكاتب : احمد مظلوم

رعاية اليتيم مسؤولية من...  الدولة.. المجتمع.. الأقرباء.. المؤسسات؟ شفاه فقدت البسمة... ونفوس كريمة تسعى لإعادتها إليهم
احمد مظلوم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  اهتمَّ الإسلام برعاية اليتامى، وحفظ حقوقهم المشروعة، وإعدادهم لخوض غمار الحياة، قال تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ)، وشدد على رعايتهم وحفظهم من التشرد والضياع... والرسول الأكرم (ص) قد أشار إلى حق اليتيم بالعيش الكريم، حتى يبلغ الرشد والعقل، فقال (ص): (أنا وكافل اليتيم كهاتين وجمع بين السبابة والوسطى). 
 وبطبيعة الحال، فأن اليتيم لا يحتاج إلى لقمة العيش والملبس فقط، بل هو بحاجة إلى الحنان والعطف الذي فقده مع فقد أبويه، فالمجتمع لا بد له من مراعاة الحالة النفسية لليتيم، وإحاطته بكلِّ ألفة ومحبة، لينشأ ويترعرع سوياً معافى من أي عقدة، قد تسبب له المتاعب في المستقبل... ومن أجل تسليط الضوء على هذه الشريحة المُهمّشة في المجتمع، والتي قد لا تعني الكثير ممن شغلتهم الحياة ولهوها، ولكنها طالما شغلت بال الكثير من المؤمنين، حول كفالة اليتيم ورعايتهم، والمؤسسات التي تقوم برعايتهم، وكيفية مدِّ يد العون لهم... فكان لجريدة صدى الروضتين أن تقف على بعض محاور هذا الموضوع، فكان لقاؤها الأول مع السيد محمد الموسوي مسؤول التبليغ الديني في العتبة العباسية المقدسة، ليتحدث عن دور المؤسسات الدينية الفعّال في دعم الأيتام:
 بعد أن كثر اليتم في بلدنا من جراء العمليات الإرهابية، بات من الضروري وجود مؤسسات دينية وحكومية أو حتى منظمات مجتمع مدني لترعى هؤلاء الأيتام أو الأرامل، من خلال مدّ يد العون والمواساة... ورغم كل ذلك، هناك أمور يحتاجها اليتم قد لا تستطيع المؤسسات تلبيها؛ لأن اليتيم لا يريد ملء الجانب المادي فقط، بل يحتاج إلى أكبر من هذا وهو الجانب الروحي والعاطفي، فأدعوا المؤسسات التي تقوم برعاية الطفل اليتيم، بأن تتبع الأساليب التربوية والعلمية والثقافية في سبيل تنمية الجانب الروحي والمعرفي لدى اليتيم، بغض النظر عن الجانب المادي.
 أما بالنسبة إلى المسؤولية، فهي تقع على الجميع، حيث أشار الرسول الأكرم (ص) إلى كفالة اليتم فقال: (أنا وكافل اليتيم كهاتين)، وأشار بالسبابة والوسطى، وهذا دليل على عظم كفالة اليتيم عند الله تعالى، وأيضاً أنه قال: (من مسحَ على رأس يتيم، كتبَ اللهُ له بعدد كل شعرة مرت عليها يده حسنة). 
كما أشار السيد محمد الموسوي:
  الإنسان باستطاعته بدل أن ينجب طفلاً للمجتمع، يستطيع أن يحيي طفلاً من خلال كفالته له، حيث إن الطفل اليتيم في الحقيقة هو بعداد الأموات؛ وعندما يكفل هذا اليتيم، فقد أحياه وجعل منه رجلاً صالحاً في المجتمع أو امرأة صالحة، يجب علينا أن نجتمع كلنا لإنقاذ هذا الطفل؛ لأنه بحاجة إلى كلمة طيبة والرعاية والحب. 
وكان لصدى الروضتين حضور في إحدى المؤسسات الخيرية والتابعة الى منظمات المجتمع المدني، وبعد التجوال في المؤسسة والاطلاع على ما تقدمه هذه المؤسسة للأيتام والأرامل من ملابس ومواد غذائية ورواتب وغيرها من مساعدات... تحدث إلينا السيد مسؤول المؤسسة قائلاً:
 بدأنا خطوتنا هذه منذ عام (2005) ومن الساعين فيها والسائرين على هذا الدرب - إن شاء الله - نحن في المؤسسة نقوم بتقديم خدمات كثيرة منها: توزيع ملابس، ووجبة غذائية، ومصاريف، قد تكون إيجارات لبعض العوائل الذين هم يسكنون في بيوت إيجار، أو مصاريف علاجية وغيرها من المصاريف التي تحتاجها العائلة أو اليتيم نفسه، قد يكون طالباً في المدرسة، حيث إننا نحث الأيتام على إكمال الدراسة من المراحل الابتدائية الى الجامعة، ونحن نتكفل بكل المصاريف كي نحفزه على بناء نفسه، ونقول له: نحن نكفل لك مصاريف الدراسة على أن تدرس وتجتهد حتى تحصل على شهادة البكالوريوس، وبعدها سوف لن تحتاج إلى من يكفلك، سوف تكون أنت من المشاركين في كفالة الأيتام، كونك أكملت دراستك وحصلت على شهادة جامعية تستطيع العمل بها، وتقوم بإعالة عائلتك والاعتماد على نفسك. 
صدى الروضتين: ما هي مصادر الدعم المادي الذي تتلقونه لتوفير حاجات اليتيم؟  
بالنسبة الى الدعم الذي نعتمد عليه هو عن طريق المتبرعين أصحاب الخير، يقومون بالتبرع الى مؤسستنا على شكل أموال أو ملابس وغيرها من التبرعات، وأيضاً لدينا تبرعات لمؤمنين من خارج البلاد... وهناك باب لكفالة اليتيم نفسه، تقوم مؤسستنا بإحضار اليتيم أمام الكافل الذي يروم كفالته، ويجتمعان في مؤسستنا، وتتم الكفالة فيقوم الكافل بكفالته بالكامل من ملابس، وإعطائه بعض المبالغ المالية، قد تصل به حتى متابعته في الدراسة، كأنه أحد أفراد أسرته.
والتقينا بالأخت الكريمة (أم عباس) وهي أم لثلاثة أيتام، فقدت زوجها، وأصيب ولدها الأكبر بعوق إثر انفجار سيارة مفخخة:
ذهب زوجي مصطحباً ولدي عباس الى مدينة الطب لإجراء الفحوصات له، حيث كان يشكو من ظهور بعض الأورام الخفيفة في جلده، وعند وصولهم الى مدينة الطب، حدث انفجار بالقرب من المدينة إثر سيارة مفخخة، فراح ضحيته الكثير من الأبرياء ومن ضمنهم زوجي... فاضطررت للانتقال من سكني في بغداد إلى بيت أخي في مدينة كربلاء، وقمت بالتسجيل في إحدى المؤسسات الخيرية التي ترعى الايتام والأرامل، وقامت هذه المؤسسة مشكورة بإعالتي أنا وأطفالي الثلاث، وهم يقدمون لنا المساعدات المادية: كالملابس والمواد الغذائية، وفي بعض الأحيان يقومون بإعطائي مبلغاً بسيطاً من المال لسدّ حاجتنا، كما أنهم يقدمون الدعم المعنوي لنا ولأطفالنا من خلال فتح دورات في تعلم القرآن، ومكافأتهم على من يحفظ سورتين من القرآن. كما أنهم يقومون بسفرات الى المتنزهات والعتبات المقدسة والمزارات الأُخَر في النجف الأشرف... وفي حقيقة أن هذه المؤسسات التي تدعم اليتيم، وتأخذ بيده إلى برّ الأمان، سوف تنال من الثواب الكبير، والله سبحان وتعالى يكافئ القائمين عليها بالتوفيق والمكانة الرفيعة في الجنة.
كما التقينا بالحاج أزهر الركابي، مسؤول إحدى المؤسسات الخيرية لدعم ورعاية الأيتام، فحدثنا قائلاً:
إن رعاية الأيتام لا تقتصر على إيصال الكفالة أو المبالغ المالية أو المواد العينية للأيتام، بل القضية أوسع من هذا، وبالتالي حاولنا في المؤسسة جاهدين أن نحتضن الأيتام احتضاناً فعلياً وواقعياً، كمتابعة الأيتام في المدارس، وهذه الفقرة في الحقيقة متعبة من الناحية الميدانية، وبهذا نكون قد حافظنا على مستواه العلمي، ونحن مستمرون بتشجيع اليتيم على المواظبة بتقدمه العلمي، ونحن بدورنا نقوم بسدّ حاجته التي يحتاجها في المدرسة: كالملابس، والقرطاسية، وكل المستلزمات التي يحتاجها، وأيضاً هناك تحفيز وتشجيع نقوم به من خلال مواظبته ونجاحه في المدرسة، من خلال إعطائه مبلغاً ولو يسيراً، كلما اجتاز امتحاناً ما أو مرحلة في الدراسة، ليشعر اليتيم بأن هناك من يتابع حياته، ويهتم به، ويقدر ما يقوم به، وبالتالي هذا ينعكس إيجابياً على حياة ونفسية الطفل اليتيم.
أما بالنسبة الى الدعم المعنوي لليتيم، فهناك عدة طرق منها جمعه مع أحد الاخوة الذين يريدون كفالة يتيم، نقوم بتخصيص جنس معين للذي يرغب بالكفالة، إذا كان رجلاً نقوم بتهيئة أحد الأيتام من جنس الأولاد، وإذا كانت امرأة نعطيها كفالة فتاة، وتكون الصلة بين اليتيم والكافل كالأب وابنه او الأم وابنتها، تكون الكفالة بكل ما تستحقه من متابعة اليتيم في المدرسة وغيرها من الأمور التي يتابعها مع أولاده، حيث إنه يصبح كأحد أبنائه.
 كما أننا نقوم بتنمية المهارات لدى الأيتام، والاطلاع على رغبة الطفل وحبه لبعض الأعمال والمهارات التي يبديها... وقبل أشهر عملنا مرسماً خاصاً للأيتام، واكتشفنا بأن لديهم مهارات رائعة، وقمنا باستضافة لجنة من مديرية تربية كربلاء لمشاهدة هذه الرسومات، فأخبرونا بأن المهارات التي يمتلكها هذا الطفل يجب أن تستثمر.
صدى الروضتين: من خلال عملكم كمؤسسة لرعاية اليتيم، هل قمتم بتلبية كل ما يحتاجه اليتيم؟ 
 حقيقة، كل ما نقدمه لليتيم هو قليل، وبالتالي أن هذه الشريحة التي تعيش فيما بيننا هي ليست مسؤولية الدولة أو المؤسسة الدينية او غيرها من المؤسسات فقط، بل هي مسؤولية المجتمع بأكمله، مسؤولية الكبير قبل الصغير، حيث إن كل جهة تأخذ بالدور المُلقى عليها، والكل يعمل حسب عمله، وبالتالي لو افترضنا بأن كل واحد منا كفل يتيماً سوف لن يكون بيننا أيتام.
صدى الروضتين: هل هناك جهة معينة ترعى هذا المشروع، وتتكفل بالدعم المادي له؟ 
 حقيقة، إن تمويل هذه المؤسسة ذاتي، ونحن نعطي لليتيم الشيء القليل وهو خير من الحرمان، حيث إننا من خلال مقولة امير المؤمنين (ع): (إعطاء القليل خير من الحرمان) نستقطب المتبرع ونقول له: لا تقصر بإعطاء الشيء القليل، فهو خير من أن لا تعطي... وهناك مجلة اعلانية تصدر عن طريق مؤسستنا، تقوم بإعلانات تجارية لكافة النشاطات والمصانع وغيرها من الحرف، وهي تهدف إلى الإعلان عن المنتجات التي تنتج في المدينة، وعملية التسويق لها، وأيضاً تصب في فائدة المؤسسة، كونها تعود بالفائدة المادية للمؤسسة، وبذلك نستطيع من خلال هذه العائدات المادية رعاية الأيتام... وأيضاً هناك معمل للخياطة والتطريز والطباعة السكرين، ومعمل لصناعة الترب، ونقوم بتسويقها للعتبة العباسية المقدسة، دعماً للأيتام، وكل العاملين في هذه المعامل، هم من الأرامل.
الدكتور عدنان مارد جبر رئيس قسم العلوم التربوية والنفسية - كلية التربية الانسانية - جامعة كربلاء:
إن اليتم يتحدد بفقدان أحد الابوين أو كليهما، وما يتعرض له اليتيم من آثار سلبية؛ بسبب هذا الفقدان، وكما تعلمون فأن علاقة الطفل بوالديه هي علاقة حميمة وحب وغيرها من الأمور النفسية، وإذا تعرض الطفل الى فقدان احد ابويه كأن تكون الأم، هنا يفقد حنان الأمومة، وهذا الحنان لا يعوضه أي حنان, ومع وجود الأب هناك سوف يكون احساس الأبناء بالأمان والحنان والدفء في ظل الاب، وما أن يفقدوا الأب، سوف يفقدون كل هذا الاحساس، ومع فقدان أحد الابوين تترتب على ذلك في بعض الأحيان آثار سلبية، قد تؤدي الى ترك طابع عدواني لدى اليتيم، إن لم نحتضنه ونعوضه إلى ما فقده من حنان.
وللنهوض بواقع يليق بالطفل، ينبغي الحذر من انجراف اليتيم في المؤسسات التي تسعى الى تدمير الشعوب: كالتيارات الارهابية وغيرها من الجهات التي تستغل هذا الشريحة، فيجب علينا أن نقوم باحتضان هذا الطفل من خلال دور المدرسة بشكل او بآخر، قد يكون بزجهم في معارض أو سفرات، وإعطائه الفرصة؛ كي يحقق ما يرغب به... ومن الجانب الأسري يجب احتضانه من قبل الأقارب، ولا ننسى منظمات المجتمع المدني المتمثلة بمؤسسات رعاية الأرامل والأيتام، ودورها في رعاية هذه الشريحة، وتعويضهم عما فقدوه من حنان أبوي. 
 ومن خلال استطلاعنا وجولتنا بين مؤسسات المجتمع المدني وشرائح المجتمع كافة، وللحد من أن لا نجعل هذا اليتيم عرضة لمن يريد به سوءاً، او استغلاله لأجندة قد تأتي من الخارج أو حتى من داخل البلد، والذين يصطادون بالماء العكر، واستغلالهم لمصلحتهم والتلاعب بهم من خلال الدعوة الى كل الجهات ذات الصلة، بعقد ندوات موسعة وتثقيفية، وتشمل كل شرائح المجتمع مثل: وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ووزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، ومنظمات المجتمع المدني المتمثلة بالمؤسسات الخيرية لرعاية الأيتام، وتكون هذه الندوة موسعة؛ كي نخرج بحصيلة او قرار للحفاظ على هذه الشريحة المهمة، والتي هي من واجب كل مواطن أن يرعى ويحافظ على كل فرد من هذه الشريحة، ولكي نقطع الطريق أمام من يريد العبث والتلاعب واستغلال هذه الشريحة لأغراضه الخاصة والنافعة له، أو لمن يقف وراءه، وزج هذه الشريحة في كل مؤسسات الدولة؛ كي نجعل منهم رجالاً يخدمون هذا الوطن.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


احمد مظلوم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/13



كتابة تعليق لموضوع : رعاية اليتيم مسؤولية من...  الدولة.. المجتمع.. الأقرباء.. المؤسسات؟ شفاه فقدت البسمة... ونفوس كريمة تسعى لإعادتها إليهم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net