صفحة الكاتب : اثير محسن الهاشمي

مسرحية :  حيّ على كربلاء الحسين 
اثير محسن الهاشمي

الشخصيات :
-  الماء 
-  التراب
-  النخلة
-  هاجس 
-  المكان : أرض الطف / كربلاء المقدسة
-  الزمان : بعد مقتل  الأمام الحسين
المسرح نصف مضاء ، موسيقى رتيبة تصعد تدريجيا ...
يتوقف الصوت ... 
لحظات صمت ..
يبدأ صوت خرير الماء ... 
يقف التراب وسط المسرح .. وبجانبه تقف النخلة  لا تتحرك .. 
يدخل الماء يزحف خارجا من النهر ... يزحف ببطئ جدا .. لا يقوى على السير .. 
 (يهبط صوت خرير الماء إلى ان يتوقف )
ينهض الماء رويدا إلى ان يقف ، يضع  يده على التراب .. يرفع يده عنه يجدها تلطخت بالدماء .. 
-  الماء : لا أريد أن أجري .. لا أريد أن اكون ماءً .. الحسين لم يشربني ..  انا لا أريد ان أكون انا ..
 لا أساوي شيئا فالحسين مات عطشانا ..
( يتمعن في المكان فيجد بقايا معركة الطف ، سيوف  ملطخة بالدم ، سهام جثث..)
(  يناجي الماء ربه ) :
 ربّاه .. ربّاه 
أي إنسان ٍ هذا الذي يحيا من عطشٍ ؟
ربّاه ، جعلت َ من كل شيء ٍ حيْ إلا  الحسين .. عاش من عطش ٍ ،، وأي عطشٍ هذا الذي يُنبئ العالم بأنه سيموت عطشانا من أجلهم ..
ربّاه ،، لا تجعل عطش الحسين خطيئتي ...
أنا بريء مما فعلوه ، هم أرادوا ان يرتدون خرجة الذنوب ..
التراب : (محدّثا الماء ) كل شيء صار خاويا فيّ ، دم الحسين اختلط بي ..انظر ( يريه الدم ) .
الماء : لكنها العافية ، انه الأمل ، دم الحسين يعني الحياة .
التراب : (بحزن ) انها الخطيئة ، خطيئة الحرب ، ربما نتحمل جزء من الوزر .
الماء : ربّما نتحمل جزء من هذه الخطيئة ، لكننا لم نكن قادرين على ان ندافع عن الحسين او ابناء الحسين .
التراب : ألم يكن الحسين وعياله عطاشى .
الماء : لكنني لم امنعهم ان يشربوا مني .انا لهم واليهم .. 
  عندي  لا تساوي الحياة شيئا من دونهم ؛ لأنهم قـُتلوا عطاشى وانا بالقرب منهم ..
(لحظة صمت )
الماء( يكمل حديثه) حتى انني سمعت  العباس يتحدث مع نفسه وهو يمد يديه اليّ : كيف اشرب الماء وأخي عطشان ، كيف لي ان اروي ظمأي وعياله عطاشى .
التراب ( يبكي )
الماء ( يكمل) : بكيتُ  انا لحظتها وناديته : أيها العباس اشربني واروني من عطش الحسين .. ربما سمع ندائي لكنه لم يأبه لي ..
التراب : ( أعد ) 
الماء ( يعيد ما قاله ) :  سمعت  العباس يتحدث مع نفسه وهو يمد يديه اليّ : كيف اشرب الماء وأخي عطشان ، كيف لي ان اروي ظمأي وعياله عطاشى .
بكيتُ  انا لحظتها وناديته : أيها العباس اشربني واروني من عطش الحسين .. ربما سمع ندائي لكنه لم يأبه لي ..
التراب ( يقاطعه ) : ايها الماء .. وانا احسب انني لم أكن أدافع عنه .. لم أتحرك ساكنا ،، رأيتهم يصوبون السيوف عليه .. لم أذرهم بذراتي ، ولا انا حاميتهم بملح سبختي .. ظل الصمت يرتـّـلني .. 
النخلة ( تبدأ بالكلام بعد ان كانت منصتة ) :
نحن في زاوية ٍ من كربلاء ، بعيدا عن العالم كله ، صراع لا بد منه
سنحتمي وراء أكذوبة باطلة ْ ،  في وقت التيه ...
الهاجس ( هاجس خفي يخرج صوته من خلف المسرح ) : لا تحتموا وراء  أولئك الذين أقاموا كوة الجلاد والمجلود في زمن الضحية .
الماء : المترجلون ..على معاني شريعتي .. أشاعوا لنا أن نسمي صفاتنا  على أسماء العجزة ، أرادوا أن نسمي أشيائنا على أسماء فضائحنا ..
التراب ( يقاطعه ) : أيه أيها الماء  ، لا تــُرجع جنونك إلى وحلك ؛ لأنك ســُتصاب بمرض المجانين فتجف ،  كما  أولئك الذين لا رحمة لديهم .. هم المترجلون على مصائبنا ،  أقاموا على قوافينا بيوت الوهم ، أشاءوا ان يعلنوا مجرى اللعاب على طريق التيه ... 
 ( برهة )
النخلة  : ( تكمل )  المترجلون على نحورنا  أباعونا رتبة التلصص على أنفسنا
خيفة ان نستيقظ من وقوفنا  الأزلي ونحن ننتظر النار التي تلهمنا ؛ ليقيموا ولائمهم ، والوجوه تتلهف لرغبة جائعة ، وجباههم تسجد لآلهةٍ مزيفةٍ  أقاموها من بقايا رياح أثيمة  . 
( إظلام )
المشهد – 2 –
( يدخل التراب  ، حزين جدا ، يتكلم مع نفسه ، يدخل وراءه الماء  )
ما زلت أخاف لصوص الأسماء .. ( يصمت قليلا )
اسمي أودعه للنجوم ؛ لأني ما زلت تائها   .. أفتش عن موت ٍ ، أرأيتم  أحدا يفتش عن موته !!
أنا فتشت عن موتي ذات مرة  في كومة تراب تشبهني .. 
( لكنه يفتخر بنفسه بعد ذلك )    
لكنني لا أتراجع مثل الآخرين ..
فما زلت لا أحمل الخديعة ْ .. وهذا الحسين بن علي سأودعه في جسدي ..
اختارني الله لأن أكون نصه الأخير ... لم أنصره نعم ، لكنني سألبي أمانة الرب ليكون أمانتي ووديعتي إلى يوم الدين ...
( بفرح ) سيكون هذا الدم بمثابة الكبرياء في يوم ما .. انه الحسين .. طوبى لي وانا احوي جسد الحسين ... هنيئا لي وانا احتضن الحسين .. 
الهاجس : نعم ستكون مباركا ايها التراب .. لأنك ستكون تراب الحسين ..
التراب ( بفرح ) : سأكون في يوم ما مأوى للزائرين والمتباركين والساجدين لله عليّ  .. انه الشرف الأكيد ..
لكن ..  ( يتوقف عن الحديث قليلا )
لكن .. الخطيئة تظل تلاحقني .. لم أزل افكّر بخطيئتي .. خطيئتي انني  لم اشارك بنصرة الحسين ..
الماء :  وأنا أشاركك الخطيئة .. للأسف لم أجد تبريرا لعذري .. لكنني سأبقى ألوّح بعذري للحسين .. سأرجع لجرفي لأكون قريبا من الحسين .. سأكون من المطهرين لذنوب آلآف البشر .. سيتوضأ مني كل من يعتمر الى الحسين .. 
النخلة : طوبى إذاً لكما .. أما أنا فربما سأٌقطع حتما ..
الماء : بوحي وجهكِ الأزلي للصامتين ْ ، وانثري صراخكِ للموتى هناك ْ
يا نخلة  فتحت باب السجود ْ في عتبة الوطن الأكيد .
الهاجس : ستكونين من ثمار الجنة بمشيئة الرب .. كيف لا وأنت تعيشين من تربة الحسين .. تربة غرس فيها جسد الحسين ...هزتك مريم العذراء فتساقط الرطب جنيا .. هزّي جذعك الآن سيتساقط عشق الحسين محبة ,, بمشيئة الرب ..
التراب :  يا رب  اغفر لنا خطيئتنا  ، الخطيئة التي لم نكن سببا فيها ، بل أنهم هم ، أولئك الذين أشاعوا دم الحسين ، وقتلوه .. تبا لهم ..
( برهة )
هم علقوا صدورنا بمسامير صداهم  ، فجردوا الأسماء وشوهوا الفصول وأقاموا اللعنة على ظهورنا .
الماء ( يقاطعه ) 
كالوقت تسلبنا المناجل في ارتخاء المدن المريضة  .. ( يحاول السير نحو النخلة ) 
لا أمتد ..  سوى جسدي المعتوه  ، يمتد ُ كغبار  فارغ في طريق التيه  .
كامتداد أرغفة ٍ يابسة ٍ إلى أفواه الجائعين  ، كأنحناء  العطاشى إليّ ، لا أكون إلا ثوان من وقت المدن المصابة بالجنون .
التراب : ونحن  نتمدد كوسائد عاجية في هذه المدن المتشحة  بالألم ..
الماء : ما زلنا نبطئ اللهاث إلى قمح مناسكها كي لا تكون الفضائح أخرى..
النخلة :  مسكنا  خيط الظل طويلا  ، نعانق بدن العذر  ، مسكنا يد الليل ننطر حلما  .. وهم عرفوا صوت الرياح تغفوا على راحة المراتع المبهمة ، مسكوا وجه التيه في جسد الجراح يرسم ظلا فوق حاجبيها ، والمدى معلق فوق أهداب الظلام
يكتب لون الدجى أزلا معبدا .
الهاجس : للأسف كتب الناس  لون الدجى أزلا معبدا فوق الوجوه ..
قولوا لي بربكم من زادت مراتبه ؟ 
 مَـنْ الاح جيب الارض ؟ 
أهل هذا المزار أم بائعوا أكفان الموتى ..
أما لينصرموا في قعر ِ زاوية ِ الإرث القديم ،  تحت القبور  ؛ ليكتبوا أزيز صوتهم ُ
تحت التراب  ..
التراب : لا شيء يأويهم إلا انا ..
( اظلام )
المشهد – 3- 
يضاء المسرح شيئا فشيئا .. يظهر التراب والماء والنخلة متصافين مع بعض .
الماء : ( يهتف بحزن )  أرغب أن أعلّم جسدي معنى التراتيل وهو يطفو على جرف وجودي .. ما معنى الوجود وأنت عاجز عن البوح .. قـــُتــل الحسين لكنه لم يمت ، وجوده يستهل وجه البلاد ..
النخلة : ( بتحسر )   ربما سأخلع  جذعي الخاوي الحزين .. وسألقن لحظتها  معنى اللهاث بين خضرة وجودي .. وبين وجود  يباسي  ..
الهاجس : السؤال وحده يكفي لأن نكون موجودين على شفا إجاباته ، ونحن نتجادل عن  سرّ الوجود ، وعن وجود السرّ ، عن الأيام التي يـُختبئ ورائها متكأون على صفائح من القلق  ..
التراب : القدر يؤجل الخوض لاكتشاف أسرار الكون المتمادي عبر أسئلة الظل ، والمنهارة باتجاه ظل الأجوبة .
الماء :  الوجود يعني انك تقيم زاوية للبقاء ، وروحا للنماء ، كما الحسين .. سيكون البقاء في زمن التيه ..
سأعود الى جرفي حاضنا كربلاء ... سأروي عطشي من روح الحسين .. انا كربلاء وكربلاء انا .. 
انا فرات  يبغي فما كفم الحسين .
التراب : وانا سأهنئ ما تيسر لي من ثراي ؛ لأن  أكون نصا يحفظ جسد الحسين ..
النخلة : ( مخاطبا التراب )  أيها الثرى   ... 
وأنا سأورد  جذوري لتغرس سرّها في بقاياك  ؛ لتكون من الفائزين في جنة الله .. ليهزني الحسين .. وتهزني العذراء .. فأتساقط عشقا حسينيا ..
الهاجس : كونوا وضوءاً يتوضأ فيكم الناس .. لنصلي سوية  تحت خيام الطف المحترقة ..  
ستؤذن السماء : حيّ على كربلاء الحسين ..
 لتضاء كربلاء .. لتضاء  خيام الطف في كربلاء .. فأهل البيت نور يستضاء بهم ...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اثير محسن الهاشمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/19



كتابة تعليق لموضوع : مسرحية :  حيّ على كربلاء الحسين 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net