صفحة الكاتب : د . حيدر جواد العميدي

التواصلية في أزياء العرض المسرحي الجزء الأول
د . حيدر جواد العميدي

   منذُ العصور القديمة وحتى يومنا هذا، المتلقي (الجمهور) حاضر، ينتظر، يشاهد، يسمع، يتأثر، مجهول ينتج ضجيجاً، هو مجموعة رؤوس، يكون جسداً واحداً، هو المتلقي. ففي كل الأزمنة والمتلقي يشاهد متناقضاً غريباً أمامه ناس يعيشون، يتكلمون، يتحركون، ويموتون تحت الأضواء. وطبيعة هذه العلاقة الخاصة التي تحكم القاعة  والخشبة، تكون علاقة نفسية، اجتماعية، ألسنية، سيميولوجية: أي (علم العلامات، أو الإشارات، أو الدوال اللغوية أو الرمزية سواء أكانت طبيعية أم اصطناعية).

  عملية التواصل داخل المسرح تفرض وجودها؛ لأن الجمهور يعطي جواباً تاماً عن الخطاب المبعوث إليه من أعلى الخشبة، الجمهور لا يمكنه أن يجيب عما يقدم له الممارس بنفس الإشارات أو بنفس القناة، فالمتلقين (الجمهور – المتفرجين) لن يقوموا بعد كل حركة لينسجوا حركة مسرحية أخرى تشمل نفس الأنظمة، وتكون جواباً عن الأولى (التي قدمت لهم من طرف الممثلين). المتلقي يجيب بطريقته الخاصة، أي بطريقة مقتصدة غير (المقصدية الأحادية الجانب) الموضوعة (الثيمة) المقصودة من قبل المؤلف أو المخرج أو المصمم، والتي تظهر واضحة في استجاباته لما يعرض أمامه، فهو يجيب عن طريق إشارات متعددة: تصفيقات، احتجاجات، حركاته فوق مقعده، بتنفساته، بالهمهمات وبجميع أنواع صمته... يقبل ويرفض، يقول: نعم ويقول: لا، يجيب عن العرض بكل تقنياته بالكلام الداخلي ذو الطبيعة اللغوية، ومن هنا فالعملية التواصلية المتبادلة بين الطرفين تبدأ داخل القاعة، وتستمر إلى نهاية العرض المسرحي، وإذا اعتبرنا العرض [الزي] وحدة، جملة أو دلالة، فأن الجمهور سيجيب بعد انتهاء (الجملة  - العرض)، كما هو الشأن في العملية التواصلية اللغوية.
    يميز (بويسنس) بين نوعين من التواصل: تواصل إرادي وتواصل غير – إرادي، أي أن هناك حالتين، الأولى يكون فيها المرسل واعياً بإرادة تواصل خطاب معين ودقيق إلى سامعه. والحالة الثانية، يكون فيها هذا المرسل ناقلاً لمعلومات عنه إلى سامعه دون إرادة ذلك. و(تروبتسكوي) يسمي هذه المعلومات علامات (سمبتومات). أما (جورج مونان) فهو يخرجها عن طبيعتها الدلائلية؛ ذلك لأنها لا تنتمي إلى ما يسميه بالعملية التواصلية... أو بعبارة أدق، لا وجود لتواصل بدون إرادة التواصل... وهذا احتمال غير مرفوض في [الزي]؛ لأن كل شيء في [الزي المسرحي] مرغوب فيه حتى الأدلة التي تنتج خارج إرادة الممارسين؛ لأن أناس المسرح يعملون جيداً منذ الكواليس ورفع الستار إلى تحية الجمهور، أن بعض الأدلة الإضافية أو (الدلالات المصاحبة) كما يسميها                  (بيتر بوغوتيريف) ستخلق ولتجد مكانتها داخل العملية التواصلية بجانب أدلة خطابهم الرسمي. فلا يمكن إذن نفي جواب القاعة (المتلقي)، وبالتالي نفي التواصل داخل المعطى المسرحي، رغم طبيعته المعقدة التواصل.  
   يمكن الإشارة هنا إلى مصطلح (السيمياء التواصلية) والتي يتزعمها (دي سوسير) ويعد كل من (بريسنس، بربيبتو، مونان، كرايس، اوستين، فتجنشتاين، مارتينية) أنصاراً لهذا الاتجاه، والذين ذهبوا جميعهم إلى أن العلامة (ثلاثية البناء) (الدال – المدلول – القصد) مركزين بذلك على الاتصال في ضوء مفهوم العلامة، وهي ما يمكن تسميته السيمياء التواصلية، التي لا تقتصر على اللسانيات، ولكن اقترن هذا الاتصال بالعملية القصدية، وما للمرسل من تأثير في ذلك. وعليه يجب أن تكون هذه القصدية بمثابة تواصل واع ٍ محصور في موضوع سيمياء العلامة، بناءاً على ذلك، جاء تعريف العلامة على أنها (حركة يقصد بها الاتصال بشخص ما، أو علامة بشيء ما). 
    حسب (بريطو) (l.prieto) يفرع علم الدلائليات (seniotique) إلى مادتين: هناك سيميولوجيا التواصل، وهناك سيميولوجيا المعنى. والزي المسرحي ليس نظاماً هدفه نقل خبر معين عن (زمكان) ووضع اقتصادي واجتماعي وجنس معين وديانة معينة، وبكل وضوح ممكن، عن طريق استعمال أدلة، وإنما على العكس من ذلك، الآن وفي العروض المسرحية التجريبية المعاصرة، ما عادت عملية التواصل، بين مرسل ومتلقي بشكلها المتعال الواضح المباشر، بل على العكس من ذلك، فالعرض المسرحي بكل تقنياته يقدم من جديد كمجموعة وكوحدة لفك رموزه انطلاقا ًمن الأدلة المعروضة. المسرحية تقدم كأنموذج للتواصل المسرحي، كنموذج وكنظام للتأويل المسرحي. أما إذا كان الهدف السيميولوجي ينحصر فقط في دراسة عملية التواصل المسرحي، فسيكون هدفاً واضحاً ومحدوداً.

كلية الفنون الجميلة - جامعة بابل


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حيدر جواد العميدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/25



كتابة تعليق لموضوع : التواصلية في أزياء العرض المسرحي الجزء الأول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net