صفحة الكاتب : الشيخ عبد الرزاق فرج الله

الشيعة هم أحبابُ الله 
الشيخ عبد الرزاق فرج الله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 جاء في حديث طويل يخاطبُ فيه رسولُ الله (ص) الإمامَ علياً (ع): (يا علي، بشِّر شيعتك وأنصارك بخصال عشر: أولها طيبُ المولد، وثانيها حسنُ إيمانهم بالله، وثالثها حبُّ الله عز وجل لهم ........... الحديث)1.
إن حبَّ الله للمؤمن هو سرّ القوة التي بها يتحركُ في معترك الحياة، وبها يستمدُّ رعاية المعبود الحبيب (جلّ في علاه)، وما كان المؤمنُ ليستحق هذا المقام – محبة الله تعالى له – إلا بعد أن كان حبُّ الله عز وجل يملأ أعماقَ قلبه، فأصبح من المظاهر التي تطرّز حياته وتملأ مسيرته، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ...)2.
وجاء في صحيفة ادريس (ع) عن الله عز وجل: (طوبى لقوم عبدوني حباً، واتخذوني إلهاً وربّاً، سهروا الليل ودأبوا النهار طلبا لوجهي، من غير رهبة ولا رغبة، ولا لنار ولا لجنة، بل للمحبة الصحيحة، والإرادة الصريحة، والانقطاع عن الكلّ إليّ)3. 
ولحب الله تعالى في قلب عبده المؤمن منطلقات وركائز، هي التي تعطيه قيمة أخلاقية وعرفانية؛ لأن تلك المنطلقات التي سنبيّنُها، ترتفع بهذا الحب من مجرد التذاذ القوى الغرائزية المألوفة، كما تتمتع العينُ الباصرة بالمشاهدات، والسامعة بالمسموعات، وهكذا باقي الحواس، حيث يشتركُ بهذا الالتذاذ الغرائزي الإنسان والحيوان معاً، ولكن يتميزُ الإنسانُ المؤمن بالتسامي بالحبّ لله عز وجل وبالوعي، لينطلق بحبّه من خلال هذه المنطلقات المتدرجة، التي ذكرها أهلُ العرفان، ونلخصها في ما يلي:
1-  المنطلق الفطري، الذي يعني أن الإنسانَ يحبُّ وجوده، وبما أن اللهَ عزّ وجل هو واهب الوجود، فيرجع هذا الحبّ الى حب الواهب تعالى بدافع كونه محسناً للإنسان بالوجود، فيكون حبُّه لله تعالى من منطلق حبه للوجود.
2-  هناك منطلق آخر بدرجة أعلى، وهو حب الله عز وجل لا باعتباره واهباً للوجود فحسب، بل باعتباره وجوداً مستقلاً مطلقاً، يتوقف عليه وجود الخلق كله، لذا فإن وجودنا متعلق بوجوده الاستقلالي الذي هو العلة لبقائنا، ولعلّ هذا معنى قول رسول الله (ص): (من عرفَ نفسَه فقد عرفَ ربه) أي: أن الإنسانَ لا يعرف الوجود الاستقلالي لله عز وجل، إلا بعد معرفة وجوده التعلقي، وبتعبير أوضح، هو أن يعي حاجته الى الله عز وجل في كل ذرة من ذرات وجوده، بصفته مخلوقاً يتوقف وجوده على خالقه في المبدأ والمعاد، وفي الحدوث والاستمرار.
3-  هناك وجوه البر والإحسان الرباني، التي يكتشفها العبدُ في هذا الوجود، وبما أن القلوبَ مجبولة على حبّ من أحسن إليها، فإن منشأ هذا الحب ومنطلقه هو إدراك الضمير الإنساني لاستحقاق المحسن المجمل المفضل المنعم عز وجل لهذا الحب، وإن هذا الحب يشتدُّ ويتعمق كلما عرف الإنسان قدر نعم الله تعالى عليه، قال عزوجل: (اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)4.
ومن الشواهد التي تؤكد على هذا المنطلق، عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: أوحى اللهُ تعالى الى موسى(ع): ياموسى أحببني وحببني الى خلقي، قال: إلهي إنك تعلم أنه ليس أحدٌ أحبّ إليّ منك، فكيف لي يارب بقلوب العباد؟ فأوحى اللهُ تعالى إليه: (ذكّرهم نعمتي وآلائي فإنهم لا يذكرون مني إلا خيرا)5.
4-  هناك منطلق أكمل، وهو أن يستجمعَ العبدُ صفات الجمال والكمال المطلق لله عز وجل، وما جمال الخلق إلا رشحة من جماله تعالى، وهذا المنطلقُ هو منطلق العرفاء الكمّل، الذين يسألون الله بجماله وكماله، كما جاء في دعاء السحر: (اللهم إني أسألك من جمالك بأجمله وكل جمالك جميل اللهم إني أسألك بجمالك كله...) الى آخر دعاء البهاء الذي يستجمع صفات الجمال والكمال، التي تعتبر في منطق العرفاء سببا لحبّه عز وجل، ووسيلة لعرض المطالب عليه.
5-  وهناك المنطلق الأعلى للحب، وهو الأنس والارتياح الى صحبة الصاحب، كما يأنس الصديقُ بصديقه، ويطمئن الى صاحب طريقه، ويرتاح الى حديثه، وهذا هو حب من زالت الأغيار عن قلوبهم فاطمأنوا الى مصاحبة الله عز وجل في كل شأن من شؤون حياتهم، قال الإمام الصادق(ع): (حبُّ الله إذا أضاء على سرّ عبد أخلاه عن كلّ شاغل، وكل ذكر سوى الله عنده ظلمة، والمحب أخلص الناس سراً لله، وأصدقهم قولاً، وأوفاهم عهداً، وأزكاهم عملاً، وأصفاهم ذكراً، وأعبدهم نفساً، تتباهى به الملائكة عند مناجاته وتفتخر برؤيته، وبه يعمر الله تعالى بلاده، وبكرامته يكرم عباده، يعطيهم إذا سألوه بحقه، ويدفع عنهم البلايا برحمته، فلو علم الخلق ما محله عند الله ومنزلته لديه ما تقربوا الى الله إلا بتراب قدميه)6 .
الهوامش:
1- مشكاة الأنوار – لأبي العلاء الطبرسي -: 1/59.
2- البقرة: 165.
3- بحار الأنوار – للعلامة المجلسي -: 95/467.
4- إبراهيم: 32 – 34.
5- قصص الأنبياء – للسيد نعمة الله الجزائري – ص: 161.
6- بحار الأنوار – للعلامة المجلسي - : 67/23.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ عبد الرزاق فرج الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/26



كتابة تعليق لموضوع : الشيعة هم أحبابُ الله 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net