صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

سؤالان قاصمان للفكر السنّي
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 من المعلوم عند أهل السُنّة أنَّ القرآن الكريم والسُنّة النبوية الشريفة هما المصدران الاساسيان للدين وللتشريع الاسلامي. فالسؤال الاول يخص القرآن الكريم والسؤال الثاني يخص السُنّة النبوية المطهرة، وعلاقتهما بآية إكمال الدين وهي قوله تعالى في الآية (3) من سورة المائدة: ((اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً)).
 
السؤال الأول:
يقول علماء أهل السنة أن آخر آية نزلت من القرآن الكريم ليست آية إكتمال الدين بل هي احدى الايات التالية التي اختلفوا في ايها هي التي كانت آخر ما نزل:
•        القول الأول: آخر آية هي الآية (278) من سورة البقرة وهي آية الربا، قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)). رواه البخاري عن ابن عباس[1].
•        القول الثاني:  أن آخر آية نزلت هي قوله تعالى في الآية (281) من سورة البقرة: ((وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)). رواه البخاري[2] والنسائي[3] عن ابن عباس وسعيد بن جبير.
•        القول الثالث: أن آخر آية نزلت آية الدَين، وهي الآية (282) من سورة البقرة، قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)). رواه ابن جرير عن سعيد بن المسيب[4].
•        القول الرابع: أن آخر آية نزلت هي آية الكلالة وهي قوله تعالى في الآية (176) من سورة النساء: ((يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)). كما روى ذلك البخاري[5] ومسلم عن البراء بن عازب[6].
•        القول الخامس: أنَّ آخر آية نزلت هي قوله تعالى في الآية (128) من سورة التوبة: ((لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)). رواه ابن حنبل[7].
•        القول السادس: إنَّ آخر آية نزلت هي قوله تعالى في الآية (195) من سورة آل عمران (عليهم السلام): ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)). ذكره ابن مردويه[8].
فإذا كان القرآن الكريم هو مصدر أساسي للدين فكيف إكتمل الدين بنزول آية إكمال الدين ولم يكتمل القرآن الذي هو احد مصادر الدين؟!
 
السؤال الثاني: 
من المعلوم عند أهل السُنّة أنَّهم يقصدون بالسُنّة النبوية هي فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقوله وتقريره. ومعلوم عندهم نزول آية إكمال الدين ((اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً)) نزلت في حجة الوداع بحسب قولهم، وبقي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدها حوالي ثلاثة أشهر. وفي هذه الاشهر الثلاثة التي استمرت فيها حياته الشريفة استمر فيها أيضاً صدور السُنّة النبوية من فعل وقول وتقرير الى ان توفي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبوفاته انتهى صدور السُنّة. فكيف يكتمل الدين بينما السُنّة النبوية التي هي مصدر أساسي من مصادر الدين لم تكتمل؟!
 
إذن هذان السؤالان يمكن ان نجمعهما بسؤال واحد يُلخِّص الموضوع: كيف اكتمل الدين ولم يكتمل القرآن ولا السُنّة؟!
 
هذان السؤالان مما يعجز الفكر السُنّي عن الإجابة عنهما، ولا يتمكن من الإجابة عنهما سوى الشيعة الامامية الاثناعشرية، لأنهم يعرفون أنَّ إكتمال الدين لم يتم بإكمال القرآن والسُنّة بل بإعلان ولاية امير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام) يوم الغدير.
قال تعالى في الآية (67) من سورة المائدة: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ))، فجعل تبليغ الاسلام مقروناً بتبليغ الإمامة. فبلَّغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولاية أمير المؤمنين يوم الغدير، ونزل قوله تعالى: ((((اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً)). صدق الله العليِّ العظيم.
 
_________________

الهوامش: 

[1] في صحيح البخاري عن الشعبي عن ابن عباس قال: (آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية الربا). المصدر: صحيح البخاري، طبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة بإستانبول، 1401هـ، 1981م - ج5 - ص165.
[2] في صحيح البخاري: (باب موكل الربا لقوله "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وان تبتم فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون" قال ابن عباس هذه آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم). المصدر: صحيح البخاري - ج3 ص11 و12.
[3] روى النسائي بسنده قال: (عن عكرمة عن ابن عباس في قوله "واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون" إنها آخر آية اُنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم). المصدر: السنن الكبرى ، النسائي، طبعة دار الكتب العلمية في بيروت، تحقيق عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن، الطبعة الاولى 1411هـ، 1991م – ج6 ص307.
[4] قال السيوطي: (وأخرج ابن جرير من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه بلغه أن احدث القرآن عهداً بالعرش آية الدين، مرسل صحيح الاسناد). المصدر: الاتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي، طبعة دار الفكر في لبنان، 1416هـ، 1996م – ج1 ص83.
[5] في صحيحي البخاري قال: (عن أبي إسحاق قال سمعت البراء رضي الله عنه يقول آخر آية نزلت "يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة" وآخر سورة نزلت براءة). المصدر: صحيح البخاري - صحيح البخاري - ج5 ص202.
[6] قال مسلم بسنده: (عن أبي اسحاق قال سمعت البراء بن عازب يقول: آخر آية اُنزلت آية الكلالة وآخر سورة اُنزلت براءة). المصدر: صحيح مسلم، طبعة دار الفكر في بيروت – ج5 ص61.
[7] في مسند أحمد بن حنبل: (عن ابن عباس عن أبي قال آخر آية نزلت "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" الآية). المصدر: مسند احمد، طبعة دار صادر في بيروت – ج5 ص117.
[8] في تحفة الأحوذي للمباركفوري: (وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم سلمة قالت آخر آية نزلت هذه الآية: "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض" الى آخرها، رواه ابن مردويه). المصدر: تحفة الأحوذي للإمام الحافظ أبي العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، طبعة دار الكتب العلمية في بيروت، 1410هـ، 1990م – ج8 ص300.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/27



كتابة تعليق لموضوع : سؤالان قاصمان للفكر السنّي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net