صفحة الكاتب : احمد الخالدي

لماذا الغدير؟
احمد الخالدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 أرسل اللهُ تعالى للناس أنبياء ورسلاً ليخرجوهم من ظلمات العمى ودياجيره، الى سبحات نور الهداية الإلهية، فكان متبعو الأنبياء على مرّ العصور هم القلة القليلة من الناس، وكان اكثر الناس لا يعلمون، فقتلوا انبياءهم وكذبوهم واقصوهم، الى أن بلغ الأمر الى نبينا الأكرم (صلوات الله عليه واله) ليكون خاتم الأنبياء، ولتكون رسالته هي خاتمة الرسالات..
 وكان النبي (صلى الله عليه وآله) على علم بعظم أهمية الرسالة الخاتمة وعالميتها، ويعلم بالدور الكبير الذي ألقي على عاتقه، وكانت الأمانة التي حملها على عاتقه والمسؤولية المترتبة عليها أعظم من كل ما سبقها من مسؤوليات الأنبياء والمرسلين.. وفي مقابل ذلك، كان حجم الايذاء الذي لقيه (صلوات الله عليه) اشدّ مما تحمّله جميع الانبياء من قبله، ولعظمة هذه المسؤولية وجليل شأنها، فقد اشرك الله تعالى علياً فيها كما اشرك هارون النبي اخا موسى عليهما السلام بأمر رسالة موسى استجابة لدعاء النبي (ص): (اللهم إني أقول كما قال أخي موسى: (اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي، علياً أخي، أشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا، إنك بنا بصيرا)؛ لذا كان النبي (صلى الله عليه واله) على علم بالدور الكبير الذي اسند لوصيه وابن عمه مذ صدع يبشر بالرسالة وينشرها في قلب مكة..
 وتوالت البيانات التي ما فتىء الرسولُ (صلى الله عليه واله) يصرح بها في كل مناسبة عن ذلك الدور العظيم والمقام الرفيع الذي أعطي لوزيره ووصيه، والخصائص التي خصَّه بها دون سائر الناس, وواجه النبي (صلوات الله عليه) حملات التكذيب والاستهزاء والتشكيك بما جاء به من عند الله، لكنه (صلوات الله عليه) واجه هذا التيار التكذيبي بقلب كبير وروح عالية، وهمة تتدكدك لها الجبال الرواسي، فظل رحيماً بأمته يبلغهم ايات ربهم وفرائضه، ويتلو عليهم الكتاب، ويعلمهم من تأويله وتفصيله.. الى ان جاء العام الذي نعى (صلوات الله عليه واله) للناس نفسه، وحجّ عامه الاخير وهو يعلم أنه لا يحج بعد هذا العام، فصار من الواجب الاعلان رسمياً عن تنصيب خليفته والقائم بالأمر من بعده، كي لا تبقى أمور المسلمين هملاً من غير راع يدبّر امورهم، ويتصرف في شؤونهم.. ولكنه (صلوات الله عليه) انتظر ان يكون الامر وحياً من الله عز وجل؛ لكي لا يقول قائل: إن هذا الأمر صدر من تلقاء نفسه، وما أشبه عبادة بعض المسلمين في زمان النبي (صلوات الله عليه) بعبادة ابليس، حين عصى أمر ربه وكبر عليه أن يسجد لآدم، وسولت له نفسه انه افضل منه؛ لأنه مخلوق من النار وآدم عليه السلام مخلوق من طين، فاشتبه عليه الأمر وعمل بالقياس الباطل فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، ولم يَدرِ أن مدار العبادة هو الطاعة المطلقة للمعبود لا الطاعة المقرونة بالقياس والاستحسان، كما فعل ذلك جملة من المسلمين منهم من تقدم ومنهم من ابتلينا بهم في زماننا هذا, لذا كبر على البعض ان يكون عليٌ عليه السلام الشاب قيماً على دين كبراء قريش وساداتهم وأولى بهم من انفسهم, حتى جاء العام الذي حج فيه النبي حجة وداعه، وفي طريق عودته نزل عليه وحي الجليل سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة: 67. وجعل هذا التبليغ مساوياً للدين كله ووعده ان يعصمه من الناس، وهذه المعادلة ليست غريبة في سجل علي عليه السلام، فقد جعله النبي (صلى الله عليه واله) وهو الذي لا ينطق عن الهوى مساوياً في وقعة الخندق للايمان كله، حين برز لعمرو بن ود فقال (صلوات الله عليه): ( برز الإيمان كله للشرك كله) وقال (صلوات الله عليه): (ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين)، وهذه الضربة لا تُقاس بمقاييس الكم بل تقاس بحقيقة الاخلاص الذي يحمله أمير المؤمنين عليه السلام, ولأن النبوة وظيفة إلهية؛ لأن فيها تبليغ رسالة الله تعالى، فكذلك الإمامة وخلافة الانبياء وظيفة إلهية؛ لأن فيها حمل هذه الرسالة من بعد النبي وايصالها وتبيينها للناس, وقبل ان ينزل الوحي بتعيين النبي (صلوات الله عليه واله) لوصيه وخليفته من بعده كان النبي (صلى الله عليه واله) قد اعلن عشرات المرات في عشرات المناسبات بأحاديث صريحة عن فضائل وخصائص علي عليه السلام ومرتبته القريبة لمرتبة النبي (صلوات الله عليه) إلا في النبوة كحديث المنزلة، وكالأحاديث التي لاتحتاج الى قرائن لفهم ان مؤداها أن علياً هو خير من يمكن اتباعه بعد رسول الله أو كالروايات التي  تنص على أن علياً خير البشر من بعد رسول الله..
الى جملة كثيرة من الاحاديث التي بمجموعها لا تُبقي عذراً لجاهل او متجاهل ان يردّ على امر الله ورسوله الذي توّجه النبي (صلى الله عليه واله) بخطبة الغدير التي قال فيها: (ألستُم تشهدون أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّي رسول اللَّه إليكم، وأنّ الجنّة حقّ، وأنّ النار حقّ، وأنّ البعث بعد الموت حقّ؟ فقالوا: نشهد بذلك. قال: اللهمّ اشهد على ما يقولون! ألا وإنّي اُشهدكم أنّي أشهد أنّ اللَّه مولاي، وأنا مولى كلّ مسلم، وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فهل تقرّون لي بذلك وتشهدون لي به؟ فقالوا: نعم نشهد لك بذلك. فقال: ألا من كنتُ مولاه فإنّ عليّاً مولاه، وهو هذا. ثمّ أخذ بيد عليّ(عليه السلام) فرفعها مع يده حتى بدت آباطهما، ثمّ قال: اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه، وانصُر من نصره واخذُل من خذله)...وبهذا يتأكد أن حب علي ايمان وبغضه كفر، فمن أحب علياً اتبعه ومن ابغضه خالفه.. وهنا يتضح ان كل من غض بصره عن الغدير وعمّا اُعلن في يوم الغدير فهو منافق بصريح القرآن، ويتضح أن من خالف الرسول في وصيته لعلي عليه السلام كان مخالفاً لصريح القرآن: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ** قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) آل عمران: 31-32، ويتأكد معنى ان طاعة علي فرض وواجب ولا تقبل الاعمال إلا بها؛ لأنها عين طاعة رسول الله، وعين طاعة الله، ويحب الله ان يطاع من حيث يريد لا من حيث يريد الناس، فكان علي عليه السلام هو محك الاختبار للناس ليتبين مؤمنهم من منافقهم، كما كان النبي آدم عليه السلام محك الاختبار بالنسبة لابليس.
 ويبقى أن نقول: إن الطاعة لا تكون باللسان دون القلب، ولا بالقول دون الفعل، فكثير ممن أقرّوا لعلي بالولاية وهنؤوه سرعان ما نكثوا ما اعترفوا به بلسانهم واقروه بقولهم، فبادروا حال انتقال الحبيب المصطفى الى جوار ربه الى مخالفة الله تعالى ورسوله (صلوات الله عليه)..! ومثل هؤلاء لم يكمُل دينهم، بل لم يكن الدين عندهم الا ستاراً وغطاءً يستترون به للوصول الى اغراض انفسهم الامارة بالسوء؛ لأنهم تركوا أم فرائض الدين وهي الطاعة لله ولرسوله، ولمن عينه الله خليفة لرسوله، واتبعوا ما تتلو عليهم جاهليتهم وأهواؤهم لما نكصوا بيعتهم ونكثوا عهدهم  لعلي عليه السلام، فلم يتقبل الله عز وجل أعمالهم، ولم تتم نعمتُه بولايته عليهم، وعلى كل من تلكأ عن بيعته، واحجم عن محبته من الأولين والآخرين؛ لأن النعمة تمت على المؤمنين، واية اكمال الدين كانت تخاطب المؤمنين الذين بايعوا عليا عليه السلام قلباً ولساناً, لذا فأن كل مسلم يدعو الله تعالى كل يوم بصلاته عشر مرات بأن يهديه الصراط المستقيم الذي هو دين النبي المصطفى ووصيه أمير المؤمنين واصحاب الغدير هم من اجلى مصاديق الذين انعم الله عيهم ببلوغ هذه الدرجة، والتي هي الصراط الى رضوان الله الاكبر.. 
وكل ما تقدم لا يشمل من حضر الغدير او من عاصرها فحسب، بل يشمل اصحاب كل عصر الى قيام الساعة.. فحريٌ بنا ان نعرض انفسنا على الغدير لنتبين هل نحن من الذين أنعم اللهُ عليهم بولاء امير المؤمنين وطاعته ام من المغضوب عليهم بهجر تعاليمهم، وعدم السير بسيرتهم، والتخلق بأخلاقهم؟
 فلا يكفي من يدعي انه موالٍ لأمير المؤمنين عليه السلام، او يتبادل التهاني في هذا اليوم، مالم يتصف المؤمن بالخلق الحسن، والعبادة الخالية من الرياء، والدعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.. اللهم اجعلنا ممن انعمت عليهم بولاية امير المؤمنين عليه السلام، ولا تجعلنا من المغضوب عليهم أو الضالين...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


احمد الخالدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/27



كتابة تعليق لموضوع : لماذا الغدير؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net