صفحة الكاتب : جسام محمد السعيدي

كربلاءُ.. تأريخ النشوء وأصل التسمية الحلقة الثانية جغرافية كربلاء الطبيعية
جسام محمد السعيدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

• الموقع والحدود
 تقعُ كربلاء على بعد (105) كم إلى الجنوب الغربي من العاصمة بغداد، على الحافة الشرقية للصحراء الغربية المجاورة لبادية الشام، مشكـّلة بذلك جسراً بينها وبين السهل الرسوبي لحوض نهري دجلة والفرات، حيث ولدت أولى حضارات الأرض وسط وجنوب العراق، هذا السهل الذي تقع كربلاء بدورها على حافته الغربية وعلى ضفتي مجرى الفرات السابق، وفي غربه حالياً، وتحديداً على الجهة اليسرى لجدول الحسينية المتفرع منه، والذي يحد مركز المدينة من جهة الشمال، ويفصله عن بعض أحيائها المستحدثة في الثلث الأخير من القرن العشرين الميلادي. 
كما تقع المدينة على خط طول(44 درجة و40 دقيقة، وعلى خط عرض 33 درجة و31 دقيقة) من خطوط الطول والعرض الجغرافية.
 يحد محافظة كربلاء المقدسة من الشمال محافظة الأنبار، ومن الجنوب محافظة النجف الأشرف، ومن الشرق محافظة بابل، وسابقاً من الغرب، المملكة العربية السعودية، ولكن قام اللانظام الديكتاتوري البائد في العقدين الأخيرين من القرن العشرين الميلادي وتحديداً عام (1979م)، باقتطاع أكثر من تسعة أعشار مساحة المحافظة غرباً ومن الجهة الشمالية الغربية، وضمها إلى محافظة الأنبار دون مسوغ مشروع، عُرفي أو قانوني دستوري، وتضم المساحة المقتطعة مدينتي النخيب والرحالية، حيث تضم الأخيرة قبوراً لعددٍ من أنبياء الله (صلوات الله عليهم)، وقرية أحمد (أبو هاشم)، التي تضم مراقد عددٍ من ذراري أهل البيت عليهم السلام.
 وتضم المساحة المقتطعة أيضاً ربع مساحة بحيرة الرزازة تقريباً، حيث كان ثلاثة أرباعها تقريباً ضمن حدود محافظة كربلاء المقدسة، أما الآن فنصفها فقط تابع لها، وتضم أيضاً مركز عرعر الحدودي مع المملكة العربية السعودية - وهو منفذ العراق البري لحجاج بيت الله الحرام - إضافة إلى ضمها لأراضٍ فيها عددٌ من الوديان الكبيرة والبالغة أطوالها عدة مئات من الكيلومترات، منها الأُبيّض وحوران، والتي تجري فيها المياه خلال مواسم سقوط الأمطار، فضلاً عن احتواء تلك الأراضي المقتطعة من محافظة كربلاء المقدسة على مساحات واسعة تضم المعادن المختلفة وبكميات كبيرة، بعضها ظاهر على سطح الأرض!.
 وبهذا الاقتطاع تم حرمان المحافظة من تلك الموارد الطبيعية والمدن والقرى المهمة، فضلاً عن حدودها الدولية الوحيدة التي كانت ترتبط بها مع العالم الخارجي، ولتصبح بذلك شقيقتها محافظة الأنبار، هي الجارة التي تحدها من الغرب أيضاً بالإضافة إلى الشمال، ولكن الدستور العراقي الجديد المُصادق عليه شعبياً في (15/10/2005م) كفل إرجاع الحدود المحلية بين المحافظات - من خلال آليات خاصة - إلى سابق عهدها قبل التغييرات غير القانونية وغير المبررة التي أجراها عليها الطاغية المخلوع، وللأسف لم يتم ذلك إلى حد الآن، بسبب تعقيدات الظروف السياسية المحيطة بالبلاد(1).
وقد كانت مساحة محافظة كربلاء المقدسة قبل الاستقطاع المذكور تبلغ (52856) كم2(2)، مشكلة ما نسبته (12%) تقريباً من المساحة الإجمالية لأرض العراق البالغة (438317) كم2(3)، قبل الاستقطاعات غير الدستورية من قبل اللانظام السابق من مساحته في محافظة الأنبار لصالح الأردن، وقبل تخطيط الحدود مع الكويت، والاستقطاعات من محافظة البصرة لصالح الدولة الأخيرة، بقرار جائر من مجلس الأمن الدولي أواسط التسعينيات..! حيث وصلت المساحة الحالية كما حصلنا عليها وفق أحدث الخرائط إلى (438005) كم2(4)، وقد تقلصت مساحة محافظة كربلاء المقدسة بعد الاستقطاعات منها - المذكورة آنفاً - إلى (5028.65) كم2(5)، لتشكل حوالي (1.15%) فقط من مساحة العراق الحالية، وأكثر بقليل من مساحته السابقة.
• طوبوغرافية الأرض والتضاريس
مستوى سطح المدينة القديمة لكربلاء ومن ضمنها (حائر الروضتين) يعلو نحو (22 – 28) متراً عن مستوى سطح البحر، في حين تعلو ضواحيها عن سطح البحر من (30 – 34) متراً.
تعتبر محافظة كربلاء المقدسة من المحافظات الواقعة في نطاق السهل الرسوبي الناتج من مرور نهري دجلة والفرات، وضمن هذا السهل تقع معظم حواضرها، ومنها المركز، مدينة شثاثا (التي تسمى عين التمر حالياً)، وهي واحة خضراء في صحراء كربلاء الغربية، وأيضاً باستثناء مدينتي الرحالية والنخيب، وهما واحتان في المساحة المقتطعة من أراضي المحافظة - حيث يقع الجزء الأكبر من أراضي المحافظة - وهي جزء من الهضبة الغربية للعراق، كما أسلفنا.
 ومن أهم ملامح الجزء الصحراوي من المحافظة، وجود الوديان التي تجري فيها المياه خلال موسم الأمطار، وتنتهي بحافة طارات كربلاء (السيد) التي ترتفع كثيراً عن أرض الوديان، لتحمي كربلاء من وصول مياهها إليها، وهي امتداد لطارات النجف(6)، وتشكل معا حافات هضبة تعلو عند حافات الطارات، وتبدأ بالانخفاض وصولاً للسهل الرسوبي حيث مدن كربلاء والنجف وما يقرب منهما(7)، وحيث توجد بحيرة الرزازة المسماة قديما بحيرة الملح.
وتغطي المحافظة ترسبات السهل الرسوبي لنهري دجلة والفرات، وهناك ترسبات مهمة أخرى للرمال في الوديان الغربية من قصر الأخيضر، غير انها تميل الى التركيب الجيري، وتمتد بعض الأجزاء منها بامتداد نطاق الصحراء، وتتفرع من نهر الفرات بعض الأنهار والجداول(8) مثل نهري الحسينية الذي يمر بكربلاء، ويبلغ طوله (29) كم(9)، والهندية الذي يمر بمدينة الهندية (طويريج). 
تسقي الأراضي الخصبة للمحافظة حالياً تفرعات نهر الحسينية المتفرع من الشاطئ الغربي لنهر الفرات، بعد أن كان فرع الفرات الرئيسي يمر بها خلال واقعة الطف.. وسيأتي إن شاء الله تفصيل الموضوع الخاص بنهر الفرات في الحلقات القادمة.
الهوامش
(1)  كفلت المادة (140) من الدستور العراقي هذا الأمر.
(2)  كربلاء في الذاكرة/ السيد سلمان آل طعمة: ص 13، ط1988.
(3)  أطلس العالم/ إبراهيم حلمي الغوري: ص18، وانظُر أيضاً الأطلس الجغرافي للعالم الإسلامي/ ماجد حمود، كمال حمود: ص27.
(4) (5) هذان الرقمان مستخرجان بواسطة تقنية الـ (GIS) من قبل المهندس علي سلوم في قسم الصيانة الهندسية في العتبة العباسية المقدسة.
(6)   النجف مرسى سفينة نوح عليه السلام/ السيد سامي البدري: ص29، وانظر فيه الخارطة الخاصة بسيول الوديان التي تصدها الطارات.
(7)  المصدر السابق: ص26، ص32 والتي يسمي فيها المؤلف المنطقة التي يحدها الطاران من الغرب، بهضبة كربلاء – النجف، وهي نفسها منطقة (كوربالا).
(8)   بتصرف من: دليل كربلاء المقدسة/ سلمان هادي آل طعمة: ص8، ط2001م.
(9)  كربلاء في الذاكرة/ السيد سلمان آل طعمة: ص 13، ط1988.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جسام محمد السعيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/27



كتابة تعليق لموضوع : كربلاءُ.. تأريخ النشوء وأصل التسمية الحلقة الثانية جغرافية كربلاء الطبيعية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net