صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

أفكارٌ إسرائيليةٌ شماليةٌ وأخرى جنوبيةٌ
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يصارح الإسرائيليون أنفسهم، ويتحدثون بطريقةٍ غريبةٍ لافتةٍ للنظر فيما بينهم بصوتٍ عالٍ يشتركون فيه، ولا يخشون أن يسمع أعداؤهم ما يدور في خلدهم من وساوس، أو يعرفوا الهواجس والكوابيس التي تغزو نفوسهم وتكاد تسيطر على حياتهم.

فالظرف الذي يعيشون والتطور الحادث الذي يواجهون، يجبرهم على رفع الصوت والصراخ، والحديث صراحةً والمكاشفة وضوحاً، ويدفعهم لمشاركة الجمهور القلق والشعب الخائف، الذي لا يتردد في التعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن وجهة نظره، والكشف عن مخاوفه وما يقلقه، وهو الذي يعتبر أساساً في المعركة وجزءً من الجبهة، فقوة الجيش دون تماسك الجبهة الداخلية لا تكفي، ووحدة الحكومة وتماسك السلطة في ظل هلع الشعب وخوفه، لا تحقق الاستقرار ولا تقود إلى حكيم قرار.

يقول الإسرائيليون أنهم في الوقت الذي يواجهون فيه الخطر الأكبر القادم من إيران، وهو الخطر الذي يصفونه بالوجودي والأكبر في تاريخهم الحديث، الذي يذكرهم بالشتات الأول قبل ألفي عامٍ، فإنهم يقعون بين فكي كماشةٍ قاسيةٍ وحادةٍ، تتمثل في حزب الله المتربع بقوةٍ في جبهة الشمال، والمتحكم في معادلاتها تسخيناً وتبريداً، والذي بات يملك ترسانةً ضخمةً من الصواريخ الحديثة الصنع، الدقيقة الإصابة، البعيدة المدى، الشديدة الأثر، المحلية الصنع أو التجميع، تطال كل بقعةٍ في كيانهم، وتقع تحت أنظار عناصرهم الأمنية، التي تحدث الإحداثيات، وتجدد المعلومات، وتعيد توجيه الصواريخ نحو كل الأهداف الجديدة والقديمة، والثابتة والمتحركة.

أما شق الكماشة الآخر فيتمثل في حركة حماس والقوى الأخرى المتحالفة معها، ولعلها تعتبر الأشد والأقسى عليها، كونها الأقرب إليها والأكثر تداخلاً معها، والأكثر فعلاً والأسرع رداً، والتي ما زالت تعتبر نفسها تخضع للاحتلال وتقاومه، وتعاني من سياسته وتعارضه، وتتعرض لعدوانه وتصده، وتمتلك الشرعية الدولية للرد عليه والاشتباك معه.

ولعل تأثيرها على "الشعب الإسرائيلي" كبيرٌ ومباشرٌ، وهو لا يطال سكان مستوطنات الغلاف والبلدات القريبة، بل بات يؤثر في العقلية والنفسية الإسرائيلية، فسكان المستوطنات والغلاف تعلو أصوتهم وترتفع، ويهربون إلى الوسط والشمال طالبين الحماية من جيشٍ وحكومةٍ لا يخجلان من تأكيد فشلهما وبيان عجزهما عن وضع حدٍ نهائي وحاسمٍ للأخطار القادمة من الجنوب.

يفكر الإسرائيليون معاً، نُخَباً وشعباً ولكنهم أقلية، في مستقبلهم الغامض وغدهم المجهول، بعد أن أدركوا يقيناً أن القوة لا تحميهم، والسلاح لا يبقيهم، والتحالف الدولي لا يضمن بقاءهم، ولا يتعهد بدوام دعمهم واستمرار تأييدهم، فيطالبون حكومتهم في ظل تصاعد الأخطار الوجودية، بالتخلي عن أسطورة العيش على أسنة الحراب، والعمل على تسكين الجبهات، والخروج من الأزمات، والكف عن العدوان، والعيش داخل الجدران، فإن كان قدر اليهود قديماً أن يعيشوا في غيتواتٍ، فلا ينبغي أن يكون قدرهم الدائم العيش على صهوات الجياد وأسنة الحراب، إذ أن الواقع بات يتغير ويتبدل بسرعةٍ، لن يستطيعوا مواكبته أو التأقلم معه دون إحداث تغييرٍ حقيقيٍ في الفكر والممارسة.

يرى الإسرائيليون الذين يبدون غريبين في مجتمعهم، تناقضاً في سياسة حكوماتهم، وتناقضاً في ممارسات قادتهم، فهم في الوقت الذي يريدون فيه التطبيع مع العرب والاتفاق معهم، والتعاون فيما بينهم في كل العناوين وعلى مختلف الجبهات والصُعد، ويشعرون بالضيق والأسى من مقاطعة بعض شعوبهم وعدم الاعتراف بهم، فإنهم يستفزون جبهاتٍ أخرى تعطل عليهم، وتفسد خططهم وتحبط مشاريعهم، ويعتدون على الفلسطينيين الذين تشكل قضيتهم أساس الصراع التاريخي وأسباب عدم الاستقرار في المنطقة، ويغيرون عليهم بقوة السلاح، أو يضيقون عليهم بحكم السلطة والقدرة، مما يتسبب في اندلاع الفوضى وشيوع أجواء القتال والمواجهة.

يضيف بعضهم الذي يبدو شاذاً بينهم قائلاً، إن كيانهم بات يفقد الشرعية الدولية، ويعاني من التأييد التقليدي لسياستهم، والدعم القديم لكيانهم، فقد نجح الفلسطينيون في إظهار الجوانب القاتمة من السياسة الإسرائيلية، وهي في أغلبها جوانب إنسانية تستثير المواطنين في الغرب وفي الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، ولعل آخرها تمثل بوضوح في سياسات الحكومة السابقة والحالية ضد السكان الفلسطينيين في القدس وأحيائها، وضد الفلسطينيين عامةً فيما يتعلق بحقهم في زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وهو الذي باتوا يشعرون فيها بالمزاحمة وخطر الإقصاء، وحلول الطابع اليهودي على مقدسهم الأشهر، وهو الذي لا يستفز الفلسطينيين فقط، وإنما يستثير ويستفز حتى أولئك الذين اعترفوا "بنا" وطبعوا "معنا".  

يخرج الإسرائيليون بخلاصاتٍ تخالف طبيعتهم، ولا تتوافق مع جمهورهم المتطرف ومجتمعهم الديني المتشدد، الذي يحاول تعميق مفاهيم التطرف والقومية في كيانهم، فيرون أهمية منع حزب الله من إعادة تغيير قواعد الاشتباك معهم في الشمال، فالاستقرار "النسبي" الذي ثبت منذ العام 2006 قد لا يكون من صالح حزب الله بقدر ما هو لصالح "سكان الشمال"، ولذا فإن على الجيش الإسرائيلي الذي حركه نفتالي بينت أخيراً ليضرب بقوةٍ وعنفٍ في الشمال، وبطريقةٍ لا تتناسب مع الخرق، أن يدرك أن قواعد الاشتباك إذا انهارت فإن الخاسر فيها هو إسرائيل وليس حزب الله، الذي قد يرى المخرج من الأزمة الكبرى التي يعيشها لبنان في فتح الجبهة الجنوبية مع الكيان.

أما في الجنوب فترى هذه النخبة الإسرائيلية، أن حكومتهم قد أخطأت في تفويض مصر فرض شروطهم على حماس وسكان قطاع غزة، فالطريقة المصرية "العربية" لا تخدم الأهداف الإسرائيلية، ولا تخلق هدوءً ولا تقود إلى استقرار، فالمزيد من خنق القطاع والتضييق عليه، والتباطؤ في إعادة إعماره، وعدم السماح لأبنائه بالعمل في "إسرائيل"، لا يؤدي إلى سقوط حماس وضعفها، بل سيقود حتماً إلى زيادة قوة وقدرة من لا أمل عندهم، ومن لا يملكون شيئاً يخسرونه، ويرون أن العكس المتمثل في فتح المعابر وتنشيط الاقتصاد، وبناء المشاريع المشتركة على جانبي الحدود وتشغيل العمالة الفلسطينية من غزة كما الضفة الغربية، سيقود إلى خلق واقعٍ جديدٍ يخشى الفلسطينيون خسارته، ويعملون على حمايته.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/06



كتابة تعليق لموضوع : أفكارٌ إسرائيليةٌ شماليةٌ وأخرى جنوبيةٌ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net