صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

التسلط آفة إجتماعية مقيتة ـ الجزء الثالث
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يقضي المتسلط وقته منتظرا ان يكون في مكانة إجتماعية تساعده على فرض رأيه بخشونة وفضاضة وقسوة على الآخرين فيخرج ما يكنه في داخله من تراكمات وضغوطات نفسية قاسية تعرض لها في سنين حياته، يكون كلامه قاسيا إستقصائيا وعنيفا وقد ينتقل الى العنف والضرب إن استطاع الى ذلك سبيلا، تماما كخزّان وقود يتفجر فيفرغ ما في داخله من مواد سريعة الإشتعال تسمم من يشمها وتحرقه عند درجة الإتقاد.

في المرحلة الإبتدائية..

لا زلت أتذكر ذلك المعلم المتسلط الذي جاءنا من عالم آخر لم نكن نعهده نحن تلاميذ الصف الخامس الإبتدائي. كان ذلك المعلم قد أذاع بين التلاميذ سلفا أنه لا يرحم أحدا (يعني معلم ظالم). هكذا بدأ التلاميذ يسمونه ـ الظالم ـ لأنه أشاع الرعب والخوف بين الأولاد فبدأ بعضهم يتغيب عن المدرسة حتى أن أحد أصدقائي قال لي عندما إلتقيته بعد غياب طويل عن الدرس : لو وضعوا لي رحلة دراسية في شارع الرسول (أحد شوارع مدينة النجف) لما جلست عليها. كلام مؤلم ومؤسف حقا أن يهرب ويترك الطالب الدرس والمدرسة لظلم معلم أحمق فاشل. أتذكر أيضا أن أول حصة لذلك المعلم قال فيها برفيع صوته مخاطبا الأولاد الصغار طلاب الخامس الإبتدائي : من منكم يرغب ان يكون عريفَ الصف (المراقب) فقام أحدنا وكان مؤدبا ومحترما وذكيا وقال له : أنا يا أستاذ بكل سرور إن شئتً. فقال له المعلم (الظالم) : حسنا تقدم إليَ. قام ذلك المسكين وتقدم نحو المعلم ظنا منه بأنه سوف يكرَّمُ ويُشكَرُعلى عرضه لخدماته، ولكن المفاجأة كانت صادمة عندما أمسك المعلم أذن ذلك الطالب المحترم وصفعه على وجهه وقال : كيف تجرأت أن ان تتكلم بحضوري عليك ان تخرس تماما.

تعليق..

هذه ليست حادثة عابرة تمثل معلما أحمقا لا يعرف أبسط قواعد وسائل التعليم ناهيك عن التربية الحسنة التي لم يتعهده احد بها  البتة أيام الطفولة والصبا. إنها وللأسف تمثل خلق فئات مختلفة من مجتمعنا اليوم وقد إزدادت الأعداد وتضاعفت أضعافا كبيرة، فهناك المدير المتسلط والأب المتسلط وصاحب العمل المتسلط والمسؤول المتسلط، وهناك مقدم البرامج المتسلط وهناك الكاتب المتسلط الذي يرى ان مواقع النشر يجب ان تكون كلها في خدمته وأن يكون هو في المقدمة دوما وغيره يعقبه ولا يتقدم عليه، وهناك صاحب الموقع المتسلط يعمل حسب مزاجه وتسلطه فيحذف تعليق أحد الكتّاب لأنه لا يتفق مع مزاجه ومشربه ورأيه وهناك ( الرادود، القاريء) المتسلط وهذا الأخير فحدّث عنه وعن غروره ولا حرج. شخصيا قال لي أحدهم وقد رصدني على بعد عشرات الأمتار والمجلس مكتظ بالحضور : الرجاء أذا متريد تتقدم إلى الإمام فإرجع إلى الوراء.. قلت له : لم آتِ إلى بيتك حتى تأمريني أين أقف وما ذا أفعل!! أنت خادم الحسين عليه السلام وأنا من حاضري مجلس عزاء الحسين. كن كما أنت كي أقبّل يدك وألتمسك الدعاء ولا تكن مهرجا تستغل مكبرات الصوت بين يديك لتمطرنا بوابل البذاءات وعدم إحترام الناس!!!

 هذه الأخلاق قد إعتدنا عليها فأصبحت لا تهمنا وربما رمي من يطرحها مثلي بالبطر علما بأنها من أساسيات بناء مجتمع الفضيلة. مؤلم أننا لا نسمع للآخر ولا تتسع صدورنا لتقبل النقد ولا نحترم من نختلف معه، وان كان هذا الذي نختلف معه ضعيفا لا حول له ولا قوة فنملي عليه رأينا ونسمعه ذلك الكلام النابي الخارق الحارق فيصيب مشاعرة ويخدشها، يتكرر المشهد بشكل يومي فتتراكم تلك الإهانات التي يسمعها والجراحات التي توجعه فيسرها في نفسه لحين التمكن ليبطش بالضعيف كما بُطِش به وينال من الآخرين كما نالوا منه شعاره في ذلك : يومُ لكم ويومُ لنا. يمارس التسلط منذ الصغر حيث يكون عدوانيا بين أترابه الذين يلعبون معه في التراب فيركل أحدهم ويسقطه أرضا ليضع التراب في فمه أو في عينيه، إن لم يقوى عليه فسوف يركض وراء هرّة فيمسكها من ذنبها ويدور بها سريعا ثم يضربها أرضا وينظر بتشفي كيف تتألم من شدة الضربة ليرى نفسه منتصرا عليها قد تمكن من تفريغ بعض شحنات الكبت وكميات الإهانات التي أخذ نصيبا منها. مع مرور الوقت يبدأ البحث عن أي شيء أكبر حجما من الهرّة المسكينة وإن كان حمارا يركبه ويحمّل على ظهره ما ثقل من أمتعة ولكن هذا الحيوان ورغم خدمته لا يسلم من أذى هذا المتسلط الصغير فكلّما شعر الحمار بالتعب لثقل ما يحمل ولطول المسافة وخزه بدبوس كبير الحجم عدة مرات وبنفس المكان حتى تدمى مؤخرة الحمار وتتقرح وتكون مرتعا للذباب وبقية الحشرات. عند مرحلة الشباب تبدأ رحلة التسلط على أبناء جلدته. تعذيب الهرّة والحمار لم آتِ بها من قصص الخيال بل من واقعنا الذي عشناه ونعيشه اليوم بأشد قسوة من الأمس.

تعليق..

في مجتمع يحث دينه على الرفق بالحيوان وعدم الإساءة إليه وتعذيبه يتفنن القاسية قلوبهم في تعذيب الحيوان وضربه ضربا مبرحا، وقد ذكرنا في مناسبة سابقة عن تلك المرأة التي دخلت النار بسبب هرّة حبستها، وعن ذلك العالم الجليل من بغداد آنذاك الذي دخل الجنة لأنه رحم هرّة وجدها في أحد أزقة بغداد. لقد حث الإسلام على الرفق بالحيوان في وقت كانت البنات تؤد فيه، وتسبى الحرمات ويعتدي القوي على الضعيف فيغير عليه ويسلبه ماله وحلاله ويسبي نساءه. جاء في الأخبار أن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام قد حج على ناقة عشرين سنة ولم يقرعها بسوط، كان كلّما رفع السوط ليضربها توقف وقال : آه لولا القصاص لضربتك. السؤال : ما حال إذن من يظلم مستعفا ويضرب ضعيفا ويتقوى على من لا حول له ولا قوة؟!

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/08



كتابة تعليق لموضوع : التسلط آفة إجتماعية مقيتة ـ الجزء الثالث
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net