صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

الابتلاء وبناء الانسان ح 26- بنو اسرائيل وعيسى (عليه السلام)
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  ولكن ارادة الله ومشيئته اعظم من كيد الظالمين واقوى من بغي الجاحدين فشاءت ارادته ان تفضح واقع كهنة المعبد وتظهر حقائقهم الظالمة وتبين لعموم بني اسرائيل ان المتلبسين بلباس الدين هم ابعد الناس عن الله وهم احد الاسباب المهمة في انحراف مجتمع بني اسرائيل عن جادة الحق رعاية لمصالحهم الدنيوية واتباعا لاهوائهم ومشتهياتهم. 

ويحدثنا القران الكريم عن اللحظات العصيبة التي مر بها مجتمع بني اسرائيل الذي تاه بين طهر مريم (عليها السلام) ونقاءها وقدسيتها وبين اتهام الكهنة لها، وكيف ان الله تعالى برء ساحة مريم (عليها السلام) وفضح الظالمين العتاة المردة
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ، يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ، فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) 
وغدا الصراع على اشده بين السلطة الزمنية وكهنة المعبد من جهة وزكريا (عليه السلام) من جهة اخرى حتى دفع زكريا ويحيى (عليهما السلام) حياتهما ثمنا للدفاع عن دين الله واحكام شرعه، فراح زكريا (عليه السلام) ضحية مؤامرات كهنة المعبد وجهل العامة ويحيى (عليه السلام) ضحية طغيان الملوك وفسقهم وفجورهم
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ، وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ) 
ولم يقف طغيان بني اسرائيل عند هذا الحد بل استمر صراعهم طويلا مع عيسى (عليه السلام) حتى حاولوا قتله وصلبه فرفعه الله اليه وتركهم في ظلالهم 
(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ۚ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) 
ويقرر القران الكريم ان سبب عداء بني اسرائيل لعيسى (عليه السلام) هو اتباع الهوى وعبادة النزوات والرغبات والحرص على المنافع الدنيوية والمكاسب الزائلة
(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ) 
وفي هذه المرحلة من حياة بني اسرائيل ظهر تطور جديد في مرحلة الصراع والابتلاء، ففي مرحلة ما قبل نبوة عيسى (عليه السلام) كان الصراع تارة بينهم وقوى الكفر المحيطة بهم سواء الامبراطوريات العظمى او المجتمعات القبلية، او يكون الصراع بنيهم على الرئاسة والزعامة والملك والمنافع الدنيوية، وهذه الفترة امتدت منذ خروجهم من مصر وحتى بعثة عيسى (عليه السلام)، اما بعد بعثة عيسى (عليه السلام) فاضيفت جهة صراع جديدة وهم اتباع عيسى (عليه السلام) الذين انسلخوا عن مجتمع بني اسرائيل واسسوا لانتشار تعاليم المسيح (عليه السلام) ما عرف بالديانة النصرانية
(وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ، إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۗ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ، فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) 
واستمر الصراع بعد عيسى (عليه السلام) بين اتباع انصاره وبين بني اسرائيل حتى اعتنق احد اباطرة الرومان النصرانية فانتشرت تعاليمها في بلاد الشام ومصر واوربا واصبح لها اتباع في جزيرة العرب واليمن وبلاد فارس وروسيا والهند والصين.
ولم ينج اتباع الصليب من الاختلاف، فاختلفوا كما اختلف الذين من قبلهم حتى تعددت مذاهبهم واراؤهم واختلفت كنائسهم وكفر بعضهم بعضا وكل ذلك نتيجة الصراع على الدنيا الفانية والبعد عن احكام الله تعالى وتعاليم انبياءه (عليهم السلام).  


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/14



كتابة تعليق لموضوع : الابتلاء وبناء الانسان ح 26- بنو اسرائيل وعيسى (عليه السلام)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net